تكرر مصطلح الأمن الغذائي عدة مرات في خطابات الملك عبد الثاني، خاصة في الفترة التي لحقت جائحة كورونا، إذ كان الملك حريصا على أن يكون الأردن مركزا للأمن الغذائي في المنطقة. 

واستجابة لهذا النداء المتكرر للملك، دشنت الحكومة خلال عام 2021 استراتيجية وطنية للأمن الغذائي، وقررت أن تغطي هذه الاستراتيجية الفترة ما بين 2021 وحتى 2030. وتضمنت الاستراتيجية عدة محاور وأفكار عامة، على رأسها أن تساهم الاستراتيجية في انتقال البلاد إلى أنظمة غذائية مستدامة، وأن تشارك في القضاء على الجوع، وأن تدعم صغار المزراعين من خلال الاعتماد على تقنيات توفير المياه وتقليل الفاقد منه. 

وأوصت الاستراتيجية بتأسيس مجلس للأمن الغذائي يشرف على تنفيذها، ويكون الإطار الإداري والهيكلي لها، وقد وافق مجلس الوزراء مؤخرا على نظام هذا المجلس تمهيدا لمصادقة الملك عليه.

ماذا يعني الأمن الغذائي بالنسبة للأردن؟

وفي ظل ما يعانيه الأردن من تحديات صعبة وعديدة في قطاع الزراعة وعلى رأسها شح المياه، يرى وزير الزراعة خالد الحنيفات أن الأردن حقق قصة نجاح من حيث تسجيل نسبة اكتفاء ذاتي يقدر بـ 61% على صعيد توفير السلع والأصناف الأساسية، كما أن الأردن تجاوز محنتي جائحة كورونا والأزمة الروسية/الأوكرانية دون أن يؤثر ذلك على أمنه الغذائي، ما جعله يفكر مليا في أن يستثمر خبرته هذه، إضافة إلى موقعه الاستراتيجي ليكون مركزا إقليميا للأمن الغذائي. 

وأضاف الحنيفات أن الأمن الغذائي لا يعني أن يكتفي الأردن بإيجاد حلول لتحدياته الزراعية والمائية ودعم مزارعيه فقط، بل أن يستثمر موقعه باعتباره واحة أمن وأمان وسط إقليم مضطرب. وبين الحنيفات أن الأمن الغذائي للأردن يتأثر باستقراره الأمني والسياسي وما يقره من تشريعات وتسهيلات استثمارية في سبيل أن يكون مركزه متقدما على مستوى الإقليم من حيث انسياب السلع وخروجها ودخولها عبر السوق المحلي إلى الأسواق المجاورة.

اقرأ أيضا: حظر تصدير الأرز .. هل سيؤثر قرار روسيا والهند على الأردن؟ 

الأردن محطة تخزينية للسلع على مستوى العالم

كما يعتقد الحنيفات أن التسهيلات التي يقدمها الأردن في مجال الاستثمار وتسهيل انسياب السلع عبر دخولها وخروجها من السوق الأردني بشكل آمن وسريع، يشكل أرضية مناسبة للقطاع الخاص للاستثمار في الأردن في مجال تخزين السلع، سواء في القطاع الخاص المحلي أو العالمي، ما يسهم بأن يكون الأردن رافعة غذائية في المنطقة. 

وبدأت وزارة الزراعة بفتح خطوط عدة مع شركات دولية في مجال التخزين، إذ عقد الأردن عدة اجتماعات مع جهات دولية معنية بهذا الشأن، ويصرح الحنيفات أنه سيكون هناك قريبا خطوات ملموسة على أرض الواقع لإنشاء مخازن عالمية في الأردن لتزويد المنطقة ببعض المنتجات والسلع الأساسية والتي من شانها أن تؤثر إيجابا على أمن الغذاء الأردني والإقليمي.

الحنيفات: إنشاء مركز إقليمي للأمن الغذائي في الأردن

اتخذ الأردن عدة خطوات تعد جريئة تحقيقا لهدفه بأن يكون مركزا إقليميا للأمن الغذائي على مستوى المنطقة، على رأسها التنسيق مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) ومع برنامج الغذاء العالمي، بهدف إنشاء مرصد إقليمي للأمن الغذائي في الأردن سيكون الأول من نوعه في المنطقة، وستتمثل وظيفته برصد علامات الأمن الغذائي والتنبؤ بانعكاسات الأزمات الدولية على توفر السلع والأصناف في الإقليم. 

وكشف الحنيفات أن الأردن سيحصل على تفويض رسمي من دول الإقليم كافة في مؤتمر (الفاو) المفترض عقده في نيسان المقبل لإنشاء هذا المركز. 

الأردن مركز للمساعدات الطارئة 

كان للأردن خلال الأعوام الثلاثة الماضية دور كبير في توفير الغذاء أو تمريره إلى مناطق مجاورة كانت تعيش أزمات طارئة، ففي حادثة انفجار مرفأ بيروت 2020، أو الحرب على غزة 2021، أو الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا وسوريا 2023، كان الأردن محطة للعديد من المساعدات من دول العالم كافة وساهم في إيصالها بالسرعة والاحترافية المطلوبة إلى المناطق المنكوبة والمتضررة. 

وبحسب ما كشف الحنيفات لـ حسنى، فإن هذا الدور دفع الأردن إلى التفكير جديا في إنشاء مركز للمساعدات الطارئة الغذائية في المنطقة، وذلك بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي.

لماذا أسس الأردن مجلس الأمن الغذائي؟

وفي ظل وجود استراتيجية خاصة بالأمن الغذائي، وأهداف محلية وإقليمية يجب على الأردن أن ينجزها في هذا السياق، بين الحنيفات أنه كان لزاما على الأردن أن يؤسس مجلس الأمن الغذائي حتى يأخذ بيد الاستراتيجية إلى الأمام، لافتا إلى أن الاستراتيجية متفق على صياغتها في مختلف المحافظات والبوادي والمدن، وبالشراكة مع المؤسسات البحثية والدولية والغرف الصناعية والتجارية ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب مختلف مؤسسات القطاعين العام والخاص. 

وأقر مجلس الوزراء نظام مجلس الأمن الغذائي مؤخرا برئاسة وزير الزراعة، وبعضوية وزراء الصناعة والتخطيط والصحة والمياه والتنمية الاجتماعية والبيئة والتربية والمالية، إضافة إلى رئيس هيئة الأركان، ومدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء، ونائب رئيس المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، ورئيسي غرفتي الصناعة والتجارة، ورئيس اتحاد مزراعي الأردن.

ما هي مهام مجلس الأمن الغذائي؟ 

أسس مجلس الأمن الغذائي ليكون إطارا مؤسسيا لرصد التغيرات التي تؤثر على الأمن الغذائي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، إضافة إلى دراسته الإجراءات والتشريعات التي تسهل انسياب السلع من الأردن وعبره، مع إجراء الإحصاءات اللازمة وتأسيس قواعد بيانات رسمية وإجراء دراسات تنبؤية بمآلات الأزمات الدائرة على الأمن الغذائي الأردني. 

وبحسب الحنيفات، فإن المجلس سينعقد فور صدور الإرادة الملكية بالموافقة على نظامه، إذ سيكون هناك اجتماع دوري كل 3 أشهر لدراسة الوضع الغذائي وانعكاسات الظروف الإقليمية عليه، فيما ستكون المهمة الأولى تأسيس نظام داخلي وإيجاد الآليات اللازمة للتنسيق والتناغم بين الجهات والتشريعات والأدوات كافة التي تمتلكها كل جهة ووزارة في هذا المجلس، وذلك بما يصب في خدمة الأمن الغذائي محليا على الصعيد الأول وإقليميا على الصعيد الثاني.

منظمة الأمم المتحدة تنظر بإيجابية نحو استراتيجة الأمن الغذائي الأردنية

وأصدرت منظمة الأمم المتحدة العام الماضي "ملخص دراسة" أثنت فيها على استراتيجية الأردن على صعيد الأمن الغذائي وقالت إن الاستراتيجية الوطنية الجديدة ستسهم في ضمان انتقال البلاد إلى أنظمة غذائية مستدامة، وتعزيز الأمن الغذائي في الأردن، وتسريع تحقيق "هدف القضاء على الجوع" بموجب خطة عام 2030.