الملك أمام البرلمان الأوروبي: غزة تكشف الانحدار الأخلاقي العالمي

الصورة
الملك عبد الله في خطابه أمام البرلمان الأوروبي 17/6/2025
الملك عبد الله في خطابه أمام البرلمان الأوروبي 17/6/2025
آخر تحديث

حمل خطاب الملك عبد الله الثاني، اليوم الثلاثاء، أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، تحذيرات قوية من انحدار أخلاقي عالمي كشفته الحرب على غزة، ودعوة إلى العودة إلى القيم الإنسانية المشتركة، وإنهاء أطول صراع في العالم الممتد منذ ثمانية عقود، في إشارة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. 

وتناول خطاب الملك التحديات الدولية المتراكمة، من الحروب والتكنولوجيا إلى فقدان البوصلة الأخلاقية، مناشدا العالم أن لا يقف متفرجا بينما تنسف المبادئ وينهار القانون الدولي.

خطاب الملك يضم تحذيرا من انفلات عالمي وانهيار القيم الأخلاقية

بدأ خطاب الملك بتوصيف دقيق لمجتمع دولي يعيش في دوامة من الاضطرابات المتلاحقة: من جائحة كورونا، إلى الحروب، فالهجمات السيبرانية، والمعلومات المضللة، متحدثا عن إحساس عالمي بالضياع وفقدان البوصلة الأخلاقية، حيث تسود الكراهية والانقسام، وتتراجع القيم أمام موجات التطرف والتعصب.

أوروبا نموذج تاريخي لنبذ الانتقام واختيار السلام

وأشاد خطاب الملك بالتجربة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، معتبرا أن أوروبا اختارت السلام والكرامة الإنسانية والتعاون على حساب الهيمنة والانتقام. ودعا المجتمع الدولي إلى الاقتداء بهذه التجربة في لحظة حرجة من التاريخ الإنساني، حيث تفرض الضرورة العودة إلى القيم كوسيلة لحل النزاعات، لا القوة.

وفي هذا السياق قال الملك: 

"واليوم يتجه هذا العالم نحو انحدار أخلاقي، إذ تنكشف أمامنا نسخة مخزية من إنسانيتنا، وتتفكك قيمنا العالمية بوتيرة مروعة وعواقب وخيمة. يتمثل هذا الانحدار بأوضح أشكاله في غزة، التي خذلها العالم، وأضاع الفرصة تلو الأخرى في اختيار الطريق الأمثل للتعامل معها".

القيم الدينية والإنسانية المشتركة أساس لمواجهة أزمات العصر

استعرض الملك القيم المشتركة التي تربط بين الأديان الثلاثة الكبرى: الإسلام والمسيحية واليهودية، مثل الرحمة والعدل والمساواة، مؤكدا أن هذه القيم يجب أن تكون أساسا للعمل العالمي المشترك، لا سيما في ظل ما نشهده من انهيارات أخلاقية في التعامل مع الأزمات.

 القدس والوصاية الهاشمية: التزام تاريخي بحماية التعددية

سلط الملك الضوء على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مؤكدا أن هذا الالتزام ليس طارئا بل يمتد قرونا، وهو انعكاس للقيم الأردنية المبنية على التسامح والاحترام، محذرا في الوقت نفسه من الاعتداءات المتكررة التي تهدد هوية المدينة المقدسة وتخرق العهود الدولية والإنسانية.

غزة مرآة الانهيار الأخلاقي العالمي

وصف الملك عبد الله الثاني ما يحدث في غزة بأنه "أوضح مظاهر الانحدار الأخلاقي"، متسائلا كيف تحول ما كان يعد فعلا وحشيا –كقصف المستشفيات– إلى مشهد متكرر وعادي، في ظل صمت عالمي مخز. وقال إن استخدام المجاعة كسلاح ضد الأطفال، واستهداف المدنيين والكوادر الطبية، يكشف خذلانا مروعا لغزة وللقيم الإنسانية.

"عام 2023، أثارت أولى الضربات الإسرائيلية على مستشفى في غزة صدمة عالمية، لكن مع مرور الوقت، بات الرعب مألوفا. فقد وثقت منظمة الصحة العالمية نحو 700 هجوم على منشآت صحية، دون أن يحرك ذلك ساكنا. كيف غدت المجاعة سلاحا موجها للأطفال؟ وكيف أصبح استهداف الأطباء والصحفيين مشهدا اعتياديا؟ مرور عشرين شهرا على هذه الوحشية يكشف التآكل الأخلاقي للمجتمع الدولي، حين تتحول القيم إلى شعارات فارغة. نحن اليوم أمام لحظة حاسمة: إما أن نختار المبادئ، أو نترك العالم ينهار تحت وطأة القوة العمياء. غزة لم تعد قضية محلية، بل اختبار لهوية الإنسانية كلها".

مفترق طرق تاريخي: بين حكم القانون أو حكم القوة

أكد الملك أن العالم أمام مفترق حاسم: إما العودة إلى القانون الدولي والمبادئ، أو الانزلاق إلى منطق القوة وتبرير الوحشية. ودعا إلى تجديد الالتزام بالقيم، محذرا من أن الفشل في التحرك الحاسم يعني التواطؤ في إعادة تعريف معنى "الإنسانية" بشكل مشوه.

القضية الفلسطينية: لا أمن عالمي دون حل عادل

أعاد الملك التأكيد على أن لا أمن عالمي مستقر دون حل جذري للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ودعا إلى تمكين الفلسطينيين من نيل حقوقهم في الحرية والسيادة، مؤكدا أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هو الطريق الوحيد لإنهاء النزاع المتفاقم، لا سيما في ظل التدهور الخطير في الضفة الغربية وتوسع الهجمات إلى إيران.

دعوة أوروبية للتحرك وشراكة أردنية ثابتة

دعا الملك أوروبا إلى استعادة دورها القيادي الأخلاقي، واختيار الطريق الصحيح في عام وصفه بعام "القرارات المصيرية". وأكد أن الأردن سيبقى شريكا موثوقا لأوروبا في دعم التنمية وضمان الأمن العالمي، مستشهدا بالدروس التاريخية التي أثبتت أن فقدان الأمل لا يبقى داخل حدود الدول.

في الختام: السلام خيار بحاجة إلى شجاعة وإرادة

اختتم الملك خطابه بدعوة شخصية وإنسانية لاختيار طريق السلام، مؤكدا أن المستقبل لن يبنى فقط على الإنجازات التقنية أو الانتصارات السياسية، بل على الخيارات الأخلاقية التي يتخذها القادة والشعوب يوميا. وقال: "لقد سلكنا طريق السلام من قبل، ويمكننا أن نسلكه مجددا، إذا تحلينا بالشجاعة اللازمة".

اقرأ المزيد.. الملك يترأس اجتماعا لمجلس الأمن القومي لبحث التصعيد الإقليمي

شخصيات ذكرت في هذا المقال
00:00:00