فلسطينيو سوريا في مخيم الحديقة معاناة ومصير مجهول
محطة جديدة من محطات اللجوء الفلسطيني في مخيم الحديقة الذي لا يوحي الاسم بأنه حدائق غناء تفوح منها رائحة الزهور الجميلة، إلا أن واقع المخيم الأليم يضرب بما سبق عرض الحائط، فالواقع مرير والمستقبل مجهول.
مخيم الحديقة على أطراف مدينة الرمثا وباتجاه حدود جابر القريبة من المكان الذي لجأ منه الفلسطينيون والسوريون، يقبع اللاجئون الفلسطينيون ممن يحملون وثيقة سفر سورية وهم الأغلبية، والسوريون في مخيمهم داخل كرافانات تضاعف من حرارة الصيف اللاهبة، على أمل الخلاص والعودة إلى الديار التي خرجوا منها.
المخيم يضم 713 لاجئا من الفلسطينيين والسوريين
هذا المخيم الذي زاره فريق من حسنى يضم 713 فردا، لم يسمع به الكثير من الناس كونه خصص للفلسطينيين الذين لجأوا من سوريا، وما يزال حتى اللحظة مستترا، لا يشعر الكثير بمعاناة قاطنيه الباحثين عن مخرج قريب.
مع بداية تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن، في منتصف شهر آذار/ مارس من 2011، واستجابة الأردن للأعداد المتزايدة من اللاجئين، وتحمله عبء استضافتهم، كان منهم لاجئون فلسطينيون يبحثون عن الأمان، ويجازفون بأرواحهم إلى جانب إخوانهم السوريين الذين تحملوا مشقة اللجوء عبر الحدود والأسلاك الشائكة.
طارق محمد 33 عاما من سكان منطقة ركن الدين في دمشق، الذي يقطن في مخيم الحديقة في الرمثا يقول: دخلت إلى الأردن من منطقة تل شهاب بتاريخ 13/1 /عام 2013، عن طريق الشريط الحدودي، وكانت ترافقني زوجتي، وابنتي البالغة من العمر سنة و3 أشهر، استقبلنا الجيش الأردني ولم يسألنا عن أوراقنا الثبوتية، فلم يكن اللجوء في بداية الأزمة بالأمر الصعب ، فتمت الإجراءات بكل سهولة ودون أي ضغوط، وتم تحويلنا مباشرة إلى مخيم رباع السرحان الذي يبعد 17 كيلومترا عن مخيم الزعتري الأكبر للاجئين السوريين في الأردن.
يروي طارق قصته مع اللجوء.. "لم يكن البقاء ممكنا في ذلك الوقت، فالمحظوظ من يخرج خوفا من أن تحدث حرب أهلية، ونحن كفلسطينيين لا نريد أن نكون طرفا فيها ومع أي جهة ضد أخرى، لذلك توجهنا عبر الحدود مثلنا مثل السوريين الذين عانوا ويلات الحرب متجهين صوب الأردن، واستقبلنا الجيش الأردني ووفر لنا الحماية".
يتابع.. عندما دخلت إلى الأردن لم يكن لدى أي أوراق ثبوتية، فزوجتي سورية، وسهلت الحكومة الأردنية الأمور لنا كثيرا، ودخلت إلى مخيم الزعتري، وسجلت في المفوضية كوني لاجئا سوريا، في ذلك الوقت لم يكن المخيم مهيئا، وكانت الأجواء باردة جدا، فلم أتحمل الوضع لأن لدي طفلة صغيرة، لذلك هربت من المخيم، واستأجرت منزلا في الرمثا، وبعت ما توفر لدى زوجتي من ذهب حتى أوفر احتياجاتنا وأي مستلزمات يومية للبيت، وخلال وجودي في هذه المدينة عملت في مطعم، وبقيت مدة طويلة هناك حتى صادفتني مشكلة أثناء وجودي في الرمثا، إذ ذهبت مع مجموعة من الأصدقاء إلى مدينة إربد وألقي القبض علي في قضية احتيال مع شبان أردنيين، ونتيجتها دخلت سجن باب الهوا لمدة 35 يوما.
هذه الحادثة كشفت أمري كوني سوريا من أصل فلسطيني، واستعنت بمحامية حتى أقوم بتسوية أوضاعي واتصلت مع أهلي في سوريا لإحضار بعض الأوراق الثبوتية، تم إيداعي في مخيم الحدائق بتاريخ 3 نيسان الماضي 2022 بعد أن تم تسوية أوضاعي القانونية أصبح لدى الآن رقم داخل المخيم.
لاجئون يخافون من المستقبل المجهول.
يتمنى طارق الذي أصبح لديه 5 بنات خلال وجوده في الأردن، أن لا يتم تهجيره ومن معه من الفلسطينيين السوريين بشكل قسري، "فنحن نخاف من المستقبل المجهول، ولا نعرف أي مصير ينتظرنا، وخاصة أننا تعودنا على الهجرة منذ عام 48 عندما خرج أهلي من مدينة عكا، ولم نتوقف عن تلك الحالة".
حاولت الاتصال مع الأونروا من أجل تثبيت استقراري فأنا لا أبحث عن هجرة جديدة، فكما عاش جدي مهاجرا وأبي كذلك، سابقي مثلهم أتقبل وضعي أينما حللت أبحث عن الأمان والاستقرار.
لكل واحد من اللاجئين ال 713 في المخيم قصة، فكل ما يتمناه اللاجئ الفلسطيني أحمد الخطيب وزوجته الأردنية التي تحمل رقما وطنيا، أن يخرج من المخيم، لا لأي شيء سوى البحث عن عمل وخاصة أن لديه ولدين تجاوزا العشرين عاما.
ويتابع.. يحكمنا في المخيم نظام إجازات، زوجتي كونها أردنية يمكنها الخروج، ولكن لا تستطيع أن تتركنا وحدنا، ولكن حسب التعليمات يمكنها أن تأخذ شهرا لها ولأولادها، ويمكن أن نأخذ إجازة لمدة أسبوع ويمكن تجديدها، متمنيا الخروج من المخيم وخاصة أن المعونات التي تقدم لهم لا تكفي، ولا تسد 20% من حاجاتهم، لافتا إلى أنه تقدم بطلب للخروج من المخيم ولكن لم يتم لغاية الآن الرد على طلبه.
علاقتنا مع إدارة المخيم وأفراد الأمن في المخيم، كما يقول الخطيب، علاقة أخوية، "والكثير منهم يقدمون لنا المساعدة، ولكن الأمر ليس بيدهم، فالوضع صعب يستدعي تدخلا من الجهات الرسمية والمؤسسات المعنية لحل هذه المشكلة، وخاصة أننا لا نستطيع العودة إلى سوريا، فعائلتنا أصبحت مشتتة، والدتي متوفية، وأبي يعيش مع أخي في سوريا، ولي أخ يعيش في لبنان، وآخر في مصر ولا نعرف أي أخبار عنه، وأقاربي يعيشون الآن في كندا ومنهم من خرج من مخيم اليرموك، وذهب إلى النروج والسويد وألمانيا، ولا أستطيع أن أذهب إلى هناك، فأنا فضلت أن أعيش في دولة عربية، وما شجعني أن زوجتي أردنية ولا فرق بين الشعبين الأردني والفلسطيني".
أما زوجة أحمد الخطيب الأردنية، فزواجها منه حتم عليها أن تعيش المعاناة التي يعيشها الفلسطيني، رغم أنه يمكنها الخروج من المخيم، ولكنها لا تستطيع أن تترك زوجها وأولادها، وتتمنى الخروج من المخيم لتعيش إلى جوار أهلها في عمان أو أن تخرج بإجازة مطولة من المخيم، كما تقول.
19 أردنية داخل مخيم الحديقة.
يبلغ عدد الأردنيات اللاتي يعشن في مخيم الحديقة في الرمثا 19 أردنية يحملن أرقاما وطنية يمكنهن الخروج من المخيم ولكن هل يمكن للأم أن تترك طفلها الفلسطيني وهل يمكن للزوجة أن تبتعد عن زوجها؟.
أكثر ما يؤرق محمد أحمد مصالحة 40 سنة ولديه أربع بنات وولد، حالة ابنه المصاب بالشلل الدماغي البالغ من العمر 14 عاما، فهو بين نار وضعه المحزن في المخيم، ونار تأمين علاج واحتياجات ابنه الذي صعب علينا رؤيته وهو يتلوى على أرضية الكرافان الحارة، فلا ندري أهو ألم المرض أم شكوى من الحال.
يحصل مصالحة على مبلغ 590 ديناراً أردنيا كل ثلاثة أشهر و161 دينارا شهريا، ليعيش مع أبنائه، لكن ما يثقل كاهله ابنه المصاب بالشلل الدماغي الذي لم يبق وسيلة إلا وطرقها بحثا عن علاج يمكن أن يسهم في تحسين وضعه.
وفي الوقت الحالي يبقى مصالحه وعائلته داخل أسوار المخيم لا تشغله العودة إلى سوريا، نظرا لصعوبة الأوضاع هناك.
مصاب بالشلل الدماغي يعيش في المخيم، ويحتاج إلى علاج.
يصف مصالحه حال ولده قائلا "إن ابني يحتاج إلى علاج وتأهيل على نحو مستمر، ولا أستطيع رؤيته يتقلب أمامي بحركات لا إرادية، فاليوم خرجت زوجتي من المخيم في إجازة لزيارة أهلها كونها تحمل الجنسية السورية، وكما ترون لا يمكنني تركه وحيدا ففي أي لحظة يمكن أن تحصل له تشنجات أو مضاعفات".
مشكلة أخرى تواجهنا في المخيم وهي التعليم، كما يروي لنا المصالحة، "فأنا ما زلت أنتظر إصدار شهادات ميلاد لبناتي بعد تسوية أوضاعي حتى يلتحقن في المدارس، ولا احرمهن من التعليم".
بائعة متجولة داخل المخيم.
أمونة جمعة علي 41 سنة، فلسطينية تعيش وحدها في المخيم، دخلت إلى الأردن عن طريق الشريط الحدودي مع "بيت حماها" الذين يحملون الجنسية السورية، بقيت مع زوجها السوري لفترة إلى أن حصلت على الطلاق حديثا، تقول كنا في بداية الأزمة في مخيم الأزرق، وهربنا منه لأننا لم نستطع تحمل الظروف الصعبة بداخله، بعد طلاقي لم أجد مكانا ألوذ إليه سوى مخيم الحدائق الخاص باللاجئين الفلسطينيين أصحاب الوثائق السورية، فقد دخلت إليه بإرادتي، وما أحصل عليه من معونات لا تكفيني، اضطررت إلى عمل مشروعي الخاص داخل المخيم، حيث أقوم ببيع المنظفات والأدوات المنزلية لمن يرغب من اللاجئين، حيث تعاقدت مع إحدى الشركات التي تقوم بتوريد مثل هذه المواد لي في المخيم بعد أن حصلت على إذن رسمي من إدارة المخيم.
"الآن في ظل الأوضاع والظروف الصعبة في المخيم، ولعدم رغبتي العودة إلى سوريا أفضل الهجرة خارج الوطن العربي"، كما تقول أمونة.
رحلة عذاب للوصول إلى مخيم الحديقة
وتتحدث صباح زكي ذات الخمسين عاما ولديها أربع بنات وولد، عن رحلة معاناتها ودخولها إلى الأردن مشيا على الأقدام في عام 2013 من درعا، مدعية أنها سورية، إذ تقول ذهبنا في البداية إلى مخيم الزعتري، وبقينا لمدة 5 شهور، ثم هربنا إلى عمان، وأقمنا في منطقة صويلح، وبعدها اتجهنا للسكن في بلدة الطرة في الرمثا، وفي عام 2016 تم الحاقنا من قبل قوات الأمن إلى مخيم الحدائق بعد كشفهم لنا أننا من الفلسطينيين، وذلك عن طريق إحدى بناتي بالخطأ.
تتقاضى الأسرة كغيرها معونات من الأونروا ومن المفوضية، ولكن هذه المبالغ لا تكفي، حيث اضطرت ابنتها الكبرى غدير المصري، للعمل خلال فترة كورونا كونها ممرضة داخل المخيم مع هيئات ومنظمات دولية.
وتتابع ابنتها الثانية سكينة دراستها في كلية ناعور في تخصص الجغرافيا، حيث تسكن في عمان خلال فترة الدراسة وفي نهاية الأسبوع تعود لتلتحق بأسرتها في المخيم.
أمنيتها الخروج من المخيم.
ومع أن الأونروا تتكفل بتعليمها، لكنها لا تعتبر أنها تمتلك حريتها فكل ما تتمناه أن تخرج من المخيم، ولا تعيش في أي بلد عربي؛ لأنها لم تحصل على حقوقها.
أما ابنها علي البالغ من العمر 15 عاما، فترك الدراسة لضياع أرواقه الثبوتية، وكل ما يريده الحصول على عمل، ويعتب على الأونروا والمنظمات الدولية الأخرى التي لا تؤهل اللاجئين في مهن، وتحاول تدريبهم وتعليمهم أو تشغيلهم.
يتوزع اللاجئون في مخيم الحديقة، وكان اسمه في السابق "سايبر سيتي" ما بين 120 فلسطينياً يحمل شهادة إخراج قيد من عام 1948، و409 فلسطينيين يحمل وثيقة سفر سورية، 165 سوريا،19 امرأة تحمل جواز سفر أردني ، يبلغ عدد الذكور من مجمل الأعداد داخل المخيم 344 شخصا،369 من الإناث، وفق ما يبين مساعد مدير المخيم المقدم مالك حواتمة لـ حسنى.
ويؤكد حواتمة أن المخيم مهيأ لاستيعاب 560 شخصا يعيشون في كرافانات، وتمت توسعته وفق الأعداد الموجودة.
يستفيد الفلسطينيون في المخيم من خدمات الأونروا التي تقوم بتزويدهم بخدمات الإغاثة والحماية والخدمات الاجتماعية، إذ يتقاضى كل فرد موجود في المخيم 85 دينارا من الأونروا كل ثلاثة أشهر، و23 دينارا من مفوضية اللاجئين، إلى جانب بعض المساعدات من بعض المنظمات الدولية.
تتابع منظمات الإغاثة الدولية داخل المخيم أوضاع اللاجئين، ويقوم طبيب واحد على خدمتهم صحيا مع غياب العنصر النسائي في الكادر الطبي، وخلال جائحة كورونا تم إعطاء اللقاحات للاجئين في المخيم، ووصلت نسبة المطعمين إلى نحو 95%.
اللاجئون المقيمون في المخيم تحكمهم أنظمة وقوانين، ولا يستطيع أي أحد الخروج إلا ضمن نظام إجازات سواء مرضه أو إجازات شهرية أو يومية على أن يعود الشخص إلى داخل المخيم قبل الساعة السابعة مساء.
ما يعيشه الفلسطيني داخل المخيم مسلسل لا ينتهي من المعاناة، فالفلسطيني محكوم عليه أن يبقى لاجئا من مخيم إلى مخيم، ورغم التسهيلات التي تقدمها الحكومة الأردنية في هذا المخيم، إلا أن صعوبة الأوضاع تذكر القاطنين فيه في مأساة اللجوء التي توارثوها أبا عن جد، ولا ذنب لهم سوى أنهم هربوا من الحرب باحثين عن الأمن والسلام.