مؤتمر الإسلام السياسي يكشف صدمة السلطة لدى الحركات الإسلامية

الصورة
المصدر

ناقش باحثون خلال مؤتمر "الإسلام السياسي بعد عقد من الربيع العربي"،الذي  عقد يوم الأحد، تجارب عربية مرت بها الحركات الإسلامية خلال الفترات الماضية ، وبالذات التجارب التونسية و المغربية والمصرية، وما رافق الخطاب الإسلامي من قمع واعتقال وتهديد ومعارضة،

و شهدت الجلسة الأولى من المؤتمر الذي نظمه معهد السياسة والمجتمع في عمّان، بالتعاون مع مؤسسة (فريدريش أيبرت) الألمانية، وبحضور نخبة مميزة من الباحثين والدارسين العرب في حقل الإسلام السياسي ، وحملت عنوان "الإسلاميون وأزمة السلطة" مناقشة ثلاث تجارب؛ التونسية والمغربية والمصرية (قبل تدخل الجيش في 30 يونيو/ حزيران 2013)، وقدّمت فيها أوراق مرجعية للحالات المدروسة وخلفية للمؤتمر بأكمله.

و في الورقتين اللتين قدمهما الباحثين التونسي صلاح الدين الجورشي، والمغربي، عبد الحكيم أبو اللوز، بدا واضحا أنّ المشهد ليس وردياً تماماً، في كلا الحالتين. أمّا ورقة الباحث المصري، أحمد زغلول شلاطة، فيكشف عن التجربة المصرية و حجم الاختلالات والأزمات الداخلية الكبيرة التي تعاني منها جماعة الإخوان في مصر، والانقسامات الحالية بين تيار يذهب نحو تبنّي الخطاب الثوري، وفي أحيان أخرى إلى العمل العنيف، وتيار الشيوخ الذي يتمسّك بالطريقة الإصلاحية التقليدية، ويخشى الانجرار إلى أفكار سيد قطب مرّة أخرى.

دراسة التجارب بعمق أكبر



و يتساءل الباحث خليل العناني في منهجية قراءة "سلوك الإسلاميين" في الحكم، فيما إذا كانوا بالفعل استلموا الحكم أم أنّهم فقط شركاء وبمسؤوليات و شروط محدودة وصعبة للعمل وتحقيق ما أرادوا؟

و قال العناني، من الخطأ أن يُختزل البحث العلمي في تقييم الإسلاميين أو محاكمتهم، بل المطلوب دراسة التجارب بعمق أكبر، والغوص أكثر في تلك التجارب، وهو الأمر الذي أشارت إليه هبة رؤوف عزت، عندما طرحت أسئلة دقيقة عن عملية اتخاذ القرار في جماعة الإخوان في مصر خلال مرحلة الرئيس الراحل محمد مرسي، إذ وصفت ذلك بـ "الصندوق الأسود"، أي ضرورة البحث عن التحولات الداخلية البنيوية وآليات القرار خلال تلك المرحلة، لأنّها تمنح للدارسين والباحثين صورة أكثر عمقاً وتفصيلاً في قراءة ما حدث مع الإسلاميين، أو لماذا حدث ذلك!

الخطاب الإسلامي والانخراط بالتجربة الديمقراطية.

ويرى مدير مركز معهد السياسة والمجتمع الدكتور محمد أبو رمان أن ثمّة ملاحظات رئيسية على هامش الجلسة ؛ في مقدمتها الخطاب الإسلامي في ظل الانخراط في الديمقراطية وفي تجربة الحكم، عندما يتخلّى الإسلاميون عن الشعارات والمقولات الجاهزة التي كانوا يقدّمونها في المرحلة السابقة، كما حدث في تونس والمغرب، بينما تجدهم اليوم في الحكم يضطرّون إلى القبول بتنازلات وسياسات كانوا يقفون ضدها بقوة سابقاً، ولعلّ المثال البارز على ذلك يتمثل بقبول رئيس وزراء المغرب، أحد القيادات الإسلامية البارزة ليس فقط مغربياً بل عربياً، سعد الدين العثماني، بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهو الموقف الذي لم يكن يتخيّله الإسلاميون قبل عقد.

ويقول أبو رمان " دفعتني هذه التحولات إلى سؤال الباحثين ، فيما إذا كانت هذه التحولات سلبية أم إيجابية؛ بمعنى أنّ الإسلاميين أصبحوا أكثر واقعية وأقل مثالية، ويتمتعون بفكر براغماتي، يجعلهم قادرين فعلاً على الانتقال من مساحة الخطاب إلى مساحة الفعل السياسي الحقيقي"، لافتا إلى أن هذا يدفعهم (كما حدث في تونس والمغرب وتحذو حذوهم حركات أخرى) إلى الفصل بين الدعوي والسياسي، ويتحوّلون إلى أحزاب سياسية، على غرار تجارب العالم الأخرى، عندما تحولت الحركات الدينية إلى أحزاب مسيحية ديمقراطية، ما يتطابق مع توقعات الباحث الأميركي، ناثان براون، أو أطروحة عالم الاجتماع، آصف بيات، في كتابه "ما بعد الإسلاموية"، الذي دافع فيه عن تخلي الإسلاميين عن أيديولوجيتهم التقليدية، والتحول إلى أحزاب سياسية، كالأحزاب البرامجية الأخرى؟

تطوّر تلقائي للحركات الإسلامية



ويؤكد الباحث هشام جعفر،  أنّ هذا الطريق يقود إلى تطوّر تلقائي للحركات الإسلامية، ما يعني أنّنا ندفع بالمسار الديمقراطي إلى الأمام في الدول العربية، ونتخلص من الشكوك والهواجس تجاه الإسلاميين، ونبني الآليات المطلوبة لتجنب الوقوع، فيما حدث في تجارب عربية، "فيما ان الأمر ليس بهذه السهولة"، كما يؤكّد كل من صلاح الجورشي وعبد الحكيم أبو اللوز، فالإسلاميون تشكلوا خلال العقود الماضية عبر هويةٍ معينة، وتكونت لديهم قاعدة اجتماعية مرتبطة بذلك الخطاب، ما يؤدّي إلى فقدانهم هويتهم الفكرية نفسها، بخاصة عندما نتحدّث عن الجانب الأخلاقي الذي طالما كان جزءاً بنيوياً من خطاب الإسلاميين، ويميزهم عن الآخرين، وهو ما يضع التجربتين، التونسية والمغربية، اليوم على محكّ حقيقي ومنعرج خطير، قد يؤدي إلى نتائج عكسية في أوساط الحركات نفسها، فضلاً عن القاعدة الاجتماعية الداعمة لهما.

موضوع صراع الأجيال في أوساط الحركات الإسلامية، يلتقطه كل من أمال قرامي من تونس وهبة رؤوف من مصر،و خليل العناني الذي يرصد أهمية الجانب السيكولوجي في الحالة المصرية، بخاصة لدى جيل الشباب وردود فعله على ما حدث هناك، وأيضاً في تونس والمغرب، فلدى جيل الشباب رأي ومواقف في تلك البلاد، ويزاحم القيادات التاريخية التقليدية في بناء تصور للمرحلة الحالية والمقبلة.

أسئلة عديدة طرحها المؤتمر منها مدى قدرة خطاب الإسلاميين وسلوكهم (الذي تشكّل مع المرحلة السابقة من قمع واعتقال وتهديد ومعارضة) على تجاوز تلك المرحلة والخروج بتصوّرات جديدة قادرة على بناء بديل يتناسب مع ما حدث في الربيع العربي؟

 

00:00:00