قانوني، كاتب
هل الإسلام السياسي قادر على استعادة قوته
في أثناء تواجدي في الأردن تشرفت بدعوة من جمعية الإصلاح الثقافية في منطقة الصريح للحديث عن مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة العربية.
استعرضت دراسة مستقبلية للدكتور وليد عبد الحي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة اليرموك والتي أعدها في عام ٢٠١٥ عن مستقبل الإسلام السياسي لصالح جامعة القدس والتي خلص فيها إلى أن الإسلام السياسي سيكون في أضعف حالاته فيما بين الأعوام ٢٠٢٠ إلى ٢٠٢٢.
ثم استعرضت الدلائل على الأرض التي تؤيد صحة هذه الدراسة بعد سنوات من صدورها من خلال النتائج الانتخابية لعام 2020 والتي أوضحت أن القوة التصويتية للإسلام السياسي تراجعت في أربعة بلدان عربية في انتخابات ٢٠٢٠ مقارنة مع انتخابات ٢٠١٦.
ففي تونس تراجعت حصة حزب النهضة في البرلمان في عام 2014، من 69 مقعدا إلى ٥٢ مقعدا في عام 2020 بنسبة تراجع بلغت 25% تقريبا، وتراجعت حصة حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن من ١٦٠ ألف صوت إلى ٨٥ ألف صوت ومن 16 مقعدا إلى 8 مقاعد بنسبة تراجع بلغت 50%، وتراجع حزب العدالة والتنمية المغربي من ١٢٥ مقعدا إلى ١٢ مقعدا بنسبة تراجع بلغت 90% وتراجع تجمع حدس في الكويت من ٤ مقاعد إلى ٣ مقاعد بنسبة تراجع بلغت 25%.
بعد انتهاء المحاضرة بادر الشيخ عبد الرحيم العكور الوزير الأسبق وهو من قدم الفقرة الأولى من الندوة إلى السؤال هل تعتقد أن الإسلام السياسي قادر على أن يستعيد قوته؟ ، الوقت كان أضيق بكثير من الإجابة على هذا السؤال الكبير، فأضمرت في نفسي أن الجواب يحتاج مقالا مفصلا.
الجواب بكل تأكيد لن يستطيع الإسلام السياسي استعادة قوته بالصيغة الحالية التي قدم بها نفسه على مدار ستة عقود وأن هناك فرقا ما بين مرحلة الاستهداف الأولى التي تعرض لها في زمن عبد الناصر، ومرحلة الاستهداف التي يتعرض لها بعد الربيع العربي من عدة وجوه: -
- في مرحلة استهداف فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في مصر استطاعت جماعة الإخوان المسلمين العمود الفقري للإسلام السياسي أن تجد لها متنفسا آخر في دول الخليج العربي والأردن؛ مستفيدة من حالة الصراع ما بين الأنظمة الملكية والأنظمة الجمهورية اليسارية فوجدت لها موطأ قدم وإعادة تموضع وتنظيم صفوفها ووجدت في المحنة فرصة سانحة لمساحات جديدة للعمل وإعادة تنظيم الصفوف والاستفادة من الوفرة المالية في دول الخليج.
لكن في هذه المرحلة أصبح الحضن الدافئ للإخوان من أشد الخصوم لهم بعد الربيع العربي ولا تكاد تجد أي دولة عربية على توافق أو احتضان مع الإخوان إلا دولة عربية واحدة وقد لاحظنا في المرحلة الأخيرة حجم الاستدارات السياسية الكبيرة في تصالحها مع دول المقاطعة العربية وهذا أيضا ما فعلته تركيا التي جمدت نشاط الإخوان وأوقفت منابرهم الإعلامية وانفتحت على مصر ودول الخليج العربي.
- كان في وفاة خصم الإسلاميين اللدود الرئيس المصري جمال عبد الناصر فرصة بصعود الرئيس أنور السادات الذي وجد في الإفراج عن الإخوان وإعادة ترسيم العلاقة معهم وسيلة في التخلص من رجالات عبد الناصر في أجهزة الدولة، فاستفادت جماعة الإخوان من هذه الفرصة في إعادة تركيب أجزاء التنظيم المقطعة والانطلاق مرة أخرى ، وإن كان هذا الخيار قد يتكرر مرة أخرى فالتحولات السياسية التي ترث الأنظمة اللاديمقراطية المحكومة بحكم الفرد الواحد قد تكون كبيرة حد التناقض في حالة انتقال السلطة من شخص لآخر لغياب حكم المؤسسات، إلا أن مرحلة التجريف الحالية تمتاز بأن بؤر العداء متعددة وموزعة على جميع الأقاليم العربية؛ فحتى لو حدث تحول سياسي في بلد عربي فإن بؤر العداء والتجريف للإسلام السياسية سوف تبقى في باقي الأقاليم العربية مما يعني عدم تكرار مشهد السبعينيات وما جرى من الاستفادة من مرحلة السادات ورحيل عبد الناصر.
- بداية الصعود الملحوظ للإسلام السياسي كان في مرحلة السبعينيات من القرن الماضي على أثر نكسة حزيران عام ٦٧، والخسارة التي ألمت بالحلم العربي القومي في دحر الاحتلال الإسرائيلي، فوجدت الشعوب العربية في نظرية الإسلام السياسي المتكئة على بعض الآثار الدينية في الصراع العربي الإسرائيلي البديل لملىء الفراغ ، إلا أننا نشهد حاليا تداعيا لنظرية الإسلام السياسي من الداخل بعد أن أثبتت هذه النظرية السياسية في دول الربيع العربي أنها غير قادرة على الحياة والبقاء والاستمرار، وعجز القائمين عليها ومن يمثلونها عن اجترار حلول لمشاكل حياة الناس اليومية من عمل وصحة وتعليم وبنية تحتية أو إحداث حالة نهوض في البلاد التي حكموها ، وأن هذه النظرية بدأت بالتآكل لصالح النظرية الغربية في البناء والإصلاح التي تقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية وحكم الشعب وتداول السلطة والدولة الوطنية المدنية والإيمان بالدولة القطرية في مقابل تآكل نظرية الدولة الأممية الإمبراطورية، كما أن الإسلام السياسي في تصوره للدولة الدينية قد وصل إلى النهايات بعد صعود داعش وترجمته تلك النظرية على أرض الواقع بشكل فج يصعب استساغته من قبل الشعوب العربية فتم استهلاك النموذج الحلم الذي كان يبشر به الإسلام السياسي.
- كان لحالة الحرب الباردة في القرن الماضي بين المعسكر الشرقي والغربي فرصة استطاع فيها الإسلام السياسي أن يجد لنفسه مساحة للتحرك على حالة التناقض فتحالف مع الغرب في مواجهة المد الشيوعي، وكانت ساحة أفغانستان المكان الذي ترجمت به هذه المناورات والاستفادة من حالة التناقض ما بين المعسكرين، إلا أنه في الوقت الحاضر يكاد الإسلام السياسي يشكل حالة خصومة مع جميع هذه الدول العظمى، إذ أن لدى الإسلام السياسي مشكلة مع الصين في ملف اليغور ،ومشكلة مع روسيا في كثير من الملفات الداخلية والخارجية ومشكلة مع الغرب الذي يصنف كثير من حركات الإسلام السياسي كمنظمات إرهابية وتدرس بعض الدول الغربية ادراج الاخوان كمنظمة إرهابية
بكل تأكيد أن الإسلام السياسي بصيغته ونظريته السياسية القديمة التي صعدت مع صعود نجم الشهيد سيد قطب وانتشار فكرته أصبح من الماضي وأن عربة التاريخ السياسي قد تجاوزته وأن حركات الإسلام السياسي سوف تتفسخ وتتناسل منها حركات سيميل بعضها نحو الاندماج مع النظريات السياسية الحديثة والأخذ من التجربة العالمية ويسير وفقا للتجربة الغربية باعتبارها التطور الطبيعي لتطور الشعوب سياسيا، لكنها نماذج ستكون نماذج خفيفة الأدلجة بالمفهوم المعروف حاليا ، وستكون نماذج محافظة متدينة متصالحة مع الدين وبذات الوقت أقرب إلى المدنية السياسية وأقرب إلى الإيمان بالدولة القطرية المدنية الحديثة وتشبه النموذج التركي الأردوغاني في الطرح .
هذا لا يعني دوام حالة اللاديمقراطية والحكم المطلق في البيئات التي انتكس فيها الإسلام السياسي، لأن انعدام الديمقراطية علامة من علامات تخلف الشعوب ورجعيتها، ومع عصر ثورة المعلومات والتواصل الاجتماعي سيزول التخلف وستزول معه مظاهره وأعراض اللاديمقراطية.