​ التطرف بين رؤيتين العلمانية والإسلامية

الصورة

بقلم صالح نصيرات

آخر تحديث

مع أنني لا أحب كلمة التطرف ، لكني أرى أنها تحمل دوما دلالات أيديولوجية أكثر منها دلالات اجتماعية ونفسية وحتى سياسية.

لقد ظهرت هذه الكلمة بمعناها الحديث بشكل كبير بعد الثورة الإيرانية عام 79، حيث كنت في الولايات المتحدة وأصبح الخطاب الأمريكي خاصة والغربي بعامة مسكونا بمثل هذه الكلمات، فالتشدد أو التطرف يعني شيئا واحدا، هو السلوك الإسلامي المناقض للسلوك العلماني الغربي. 

وتوسع الخطاب الغربي وأصبح ينظر إلى كل من يصلي أو يمارس عباداته من الرجال والنساء متطرفا.

وأدى ذلك إلى نشوء حالة الرهاب والخوف من الإسلام والمسلمين.

ولأن تلك الكلمات "تطرف وتشدد وتخلف" أصبحت مصطلحات مخصصة للحديث عن الإسلام و المسلمين، أي أن كل واحد يستطيع اتخاذها وسيلة لتحقير المسلم والنيل منه، وهذا الاقتران مقصود من قبل عامة العلمانيين والليبراليين واليساريين.

ولأن هؤلاء يقيسون كل شيء بمقياس محدد صنعوه بأنفسهم واستخدموه للنيل من خصومهم في الفكر و السياسية، فقد استخدموه في كثير من الحالات بشكل متعسف، ولأن لكل مقياس مؤشرات، فقد وضعوا مؤشرات تخص ما يؤمنون به من قيم وأفكار، إذ نجد أن معنى التطرف عندهم يبدأ من مجرد إقامة الشعائر الدينية ويصل إلى كل من يطالب بالإسلام دينا شاملا للحياة في كل مناحيها.

فأصبح كل مسلم -تقريبا- متطرفا في نظر عامة العلمانيين وخصوم التيارات الإسلامية.

ولأن العلمانيين -عادة- يرفعون عقيرتهم بالتباكي على حقوق المرأة و الحيوان والإنسان، فإن حجاب المرأة والحديث عن العفة أو الالتزام بمتطلبات الدين من مناسك وعبادات مشروعة في الإسلام، أصبح في نظرهم متطرفا.

ومع سيطرة العلمانيين على الإعلام في الشرق و الغرب، فإن من السهل عليهم أن يجعلوا من أي مصطلح سلبي يخص المسلمين مصطلحا مقبولا، بحيث تصبح المناقشة والحوار حوله أمرا غير مقبول، فيمارس دعاة حقوق الإنسان وحرية التعبير استبدادا حقيقيا، وقمعا لكل مخالف، وبهذه الممارسة سقط العلمانيون في مستنقع التحالف مع المستبدين، دون النظر إلى خطورة هذا التحالف على فكرهم أولا، ولذلك فإن هناك ردة فعل حقيقية في المجتمعات العربية والإسلامية تجاه هذا التطرف العلماني، إذ ما زالت تلك المجتمعات تحتفظ بقيم وممارسات إسلامية رغم كل التزييف الذي يمارسه الإعلام المنسلخ عن هوية الأمة.

إن من المهم تحرير هذا المصطلح، بحيث يطلق على من تتوفر فيه صفات تهدد قيم المجتمع الإسلامي التي توارثها وأصبحت جزءا من هويته لا العكس، فالمتطرف هو من يهدد أمن المجتمع بفكر دخيل، وقيم غريبة، وممارسات تتناقض مع الثابت من القرآن الكريم و الصحيح من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

فالدعوة لإسقاط شعيرة من شعائر الإسلام تطرفا، وحذف الآيات القرآنية ورموز الإسلام من الصحابة والتابعين والقادة المسلمين والوطنيين من المناهج تطرفا، ومحاربة دور تحفيظ القرآن تطرفا، والدعوة للإباحية والفن المشجع على التحلل يعتبر تطرفا، والتدخل في شريعة الإسلام وإبعادها قسرا عن حياة المسلمين تطرفا، وسرقة أموال الأمة تطرفا، والتغول على حياة الناس ومنعهم من التعبير عما يؤمنون به تطرف، والاستبداد  بأي اسم تطرفا.

لأن هذه الممارسات خروج صريح على معايير المجتمع المسلم ومقاييسه التي لا تأتي من اجتهادات البشر بل من نصوص صريحة وقطعية في كتاب الله سبحانه وتعالى.

الأكثر قراءة
00:00:00