خطورة الاستقطاب داخل المجتمعات

الصورة

بقلم محمد العودات

المصدر
آخر تحديث

في كل حدث أو تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي أو قرار حكومي نجد البعض يسارع إلى تقسيم المجتمع إلى "دواعش" إسلامية ويرد الآخر بأنهم "دواعش" علمانية، التنابز ووصف بعضهم البعض بوصف المتأسلمين أو فلول"العلمنجية".. بهذه العبارات والتراكيب يتم وصول نهاية الصراع حول أي مسالة اجتماعية تشغل الرأي العام.

في الأردن هناك طبقة اقتصادية ما فوق الطبقات المخملية تشكلت في ربع القرن الأخير، لها حياتها وعادتها وتقاليدها واهتماماتها وتعليمها، وهذه الطبقة طبقة الأقلية، لكنها طبقة الأقلية النافذة، ولدينا طبقة محافظة وبعضها جزء منها متدين، وبعضه متطرف لها اهتماماتها وتقاليدها وعاداتها المكسوة بثوب الدين ولها نظرتها للأمور، مخالفة لكل تلك الطبقة المخملية في كل الأمور سواء كانت السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

هذا التمايز الطبقي في الجانب الاقتصادي أفرز تمايزا في نظرة كل طبقة للجانب السياسي والاجتماعي والاهتمامات والعادات والتقاليد ونمط الحياة، فما يناسب فئة من حيث التحرر واللباس ونمط الحياة والضوابط الاجتماعية لا يناسب الطبقة الأخرى وبالعكس.

هذا الانقسام والاختلاف ليس به ما يخيف أو يثير القلق، إلا أن المخيف هو محاولة توظيف هذا التنوع والاختلاف واستثماره من قبل الأيدولوجيات السياسية المتصارعة ليصبح اختلافا وانقساما اجتماعيا وسياسيا كبيرا، حيث يتم تصنيف فئة الأقلية البرجوازية على أنها من الطبقة العلمانية، ويتم تصنيف فئة الأكثرية الفقيرة المهمشة على أنها من الفئة الإسلامية ويتم استثارة كل تلك الجماهير في حروب لا ناقة لها بها ولا جمل.

الانزلاق إلى الصراع الصفري بين الأيدولوجيات المتصارعة متوهمين أن كل طرف من الأطراف يمكنه أن ينهي الطرف الآخر ويقضي عليه مستخدمين في سبيل ذلك كل وسائل التحريض المحرمة مجتمعيا.

هذا الصراع الصفري يعطي فرصة كبيرة للجهات النافذة التي تريد أن تعطل أي إصلاح سياسي، ولسان حالهم يقول بأنه لو فتحنا المجال للحرية والديمقراطية فإننا سوف نصل إلى حروب إبادة بين تلك الأيديولوجيات، وأن القائمين على الشأن الحالي هم أفضل خيار ليحمي الجميع من الجميع.

على عقلاء التيار المتدين المحافظ والتيار المتحرر، وعلى التيارات الإسلامية والعلمانية أن تضع أوزار الحرب فيما بينها، والتوقف عن جر المجتمع عند أي خلاف بينهم إلى تحريض فئات المجتمع على بعضها البعض وزيادة الانقسام والاستقطاب المجتمعي، مما يخلق مجتمعا هشا قابلا للانزلاق نحو الهواية عند أي منعطف تاريخي أو حدث كبير.

على تلك التيارات المؤدلجة أن تدرك أن لكل طبقة حياتها ومعاشها وتقاليدها ونظرتها الخاصة للدين وفهمها له ورغبتها الالتزام به أو التخفف منه، وعلى الطرف الآخر  أن يدرك أن حرية التدين أقدس الحريات وأعظمها وأهمها، على الأيدولوجيا الإسلامية أن تحترم الحريات الشخصية وأنماط حياة الناس ولا تحرض عليها، وعلى الأيدولوجيا العلمانية أن تكف عن الاستهزاء من التيارات المحافظة الرافضة للتحرر وأنماط الحياة الحديثة أو التغريب الاجتماعي.

في الأردن لدينا تيار إسلامي يؤمن بالحريات السياسية، لأنه يظن أنه المرشح المنظم القادر للوصول إلى الصندوق وبنفس الوقت يحارب الحريات الشخصية ويريد أن يفرض عليها ضوابطه ونمط حياته على اعتبار  أنه يملك الحقيقة الاجتماعية والدينية المطلقة، ولدينا تيار علماني يرفض الحريات السياسية ويعمل مع تيار الدولة العميق في تعطيل أي إصلاح سياسي منشود بحجة الخوف من صعود اختيارات الإسلامية ويجد اهتمامه منصب على إطلاق الحريات الشخصية ولو كان غير ما تريد أغلبية المجتمع.

على التيارات السياسية المؤدلجة ترك المجتمع يعيش وفقا للنمط الذي يريد، ما دام لا يخالف القانون، والانتقال من الصراع الأيدولوجيا الاجتماعي إلى التنافس البرامجي الذي يساعد الدولة والمجتمع على الخروج من أزمته الخانقة في كل مجالات الحياة التي نعيش.

الأكثر قراءة
00:00:00