عقيد متقاعد من القوات المسلحة - الجيش العربي مقدم برنامج "فرصة وطن" على إذاعة حُسنى
ذكرى معركة الكرامة تفاصيل ومبررات العملية العسكرية
تصادف اليوم الإثنين، الذكرى الـ54 لـ معركة الكرامة الخالدة، حيث قام جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم 21 آذار/مارس عام 1968، بالهجوم على بلدة الكرامة لتندلع معركة سجل فيها الجيش العربي أول انتصار عربي على الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة حزيران عام 1967.
الخبير في الشأن العسكري الدكتور محمد المقابلة يتابع تحليله لسير المعركة مسجلا تفاصيلها.
الموقف الإسرائيلي قبل معركة الكرامة
كانت القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية تخطط لتلك المعركة منذ أشهر وليس كما يدّعون أنهم اتخذوا القرار بشن الهجوم قبل أيام فقط وبالتحديد في 18/3/68. فقد أعلنت القيادة العسكرية الإسرائيلية أن مجموعة من الإرهابيين المخربين (الفدائيين) قدموا من شرق الأردن في صباح يوم 18/3/69 وقامت بتفجير باص طلاب من مدرسة هرتزليا حيث انفجر لغم أرضي تم وضعه على الطريق قرب "بيراورا" إلى الشمال من إيلات وقتل في ذلك التفجير رجلان وأصيب 28 طالبا.
ولكن الحقيقة أن الكيان الصهيوني كان يعد لتلك المعركة منذ فترة من الزمن فقد كانوا يقصفون القرى الأردنية بالطائرات يوميا حتى وصل بهم الأمر في 15 شباط/69 بأن قصفوا سيارة عسكرية أردنية في منطقة قريبة من أم قيس أدت إلى استشهاد عدد من الضباط والجنود وكان من بينهم الشهيد الرائد منصور كريشان.
ويؤكد هذه الحقيقة التقارير الاستخبارية الأردنية كانت ترصد وتتابع تحركات العدو وبحجم عسكري كبير يزيد على 30 ألف مقاتل مع كافة المعدات والتجهيزات العسكرية على طول الحدود الأردنية، ومن المؤكد أن هذه التحركات وبهذا الحجم تحتاج إلى أسابيع وليس أيام، وهناك دليل آخر على عدم صحة ادعائهم السابق فقد ذكر السفير البريطاني في تل أبيب في برقية عاجلة أرسلها إلى لندن في 21 آذار/68 جاء فيها:
(إن الهجوم الإسرائيلي على شرق الأردن ليس انتقاما لحادثة تفجير باص طلاب الذي وقع في 18/3/69 كما يدعون ونسبة إلى إرهابين (فدائيين) قدموا من شرق الأردن وأنني أرى أن هذا الهجوم ليس مجرد عمل استنزافي أو رغبة في إعطاء الأردن درسا قاسيا بل يظهر أنه موجه لعمل أكبر من ذلك...).
وكذلك كانت قيادة العدو السياسية تعقد المؤتمرات الصحفية وتخرج على معظم وسائل الإعلام العالمية يوميا تتحدث عن العلميات التخريبية (الفدائية) التي يقوم بها" المخربون القادمون من شرق الأردن وأن ملك الأردن عاجز عن السيطرة على ضباطه وحكومته". بالإضافة إلى مخاطبة الأمم المتحدة وتقديم الشكاوي ضد الأردن، وكل ذلك التخطيط والمكر كان تمهيدا لتهيئة الرأي العام الدولي للقبول في الخطوات العسكرية الاحتلالية التي سيقوم بها العدو الإسرائيلي باتجاه الأردن.
ولا بد لي أن أشير إلى أنه في نفس الوقت كان هناك تواطؤ من قبل ضابط الاستخبارات البريطاني في السفارة البريطانية في عمان، وأجد هذا واضحا جليا من خلال البرقيات والتقارير التي كان يرسلها إلى لندن. ففي إحدى البرقيات السرية والتي نشرت في الأرشيف الوطني البريطاني عام 1998 نجده يقول:
(من خلال استطلاعنا وتحليلنا للمعلومات أجد أنه من الواضح أن الجيش الأردني يتعاون بشكل كبير وعلني مع حركة فتح الفلسطينية المتواجدة على حدود شرق الأردن...).
وفي هذا تحريض واضح على ضرب الجيش الأردني وتأييد للهجوم الإسرائيلي.
بعد أن أنهى الكيان الصهيوني حشده السياسي أمام دول العالم وأتم حشده العسكري على الحدود الأردنية والذي لا يقل عن 30 ألف جندي من كافة صنوف القتال الأرضية والجوية وتحديدا في 20/3/68 أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي "ليفي اشكول" ببيان رسمي في الكنيست أعلن فيه ضرورة ومبررات الهجوم الإسرائيلي على الأردن، وتحدث عن حجم العمليات التخريبية (الفدائية) القادمة من شرق الأردن وعن تورط الحكومة والجيش الأردني بدعمها ومساندتها.
استخدام العمليات النفسية من قبل العدو (الحرب النفسية)
إن الحرب النفسية جزء لا يتجزأ من المعركة العسكرية ويخطط لها قبل وأثناء وبعد المعركة العسكرية. وهي نوع من العمليات المعلوماتية التي تهدف إلى التأثير على الجنود والمدنيين وصنّاع القرار.
فقد أطلق العدو الصهيوني قبل معركة الكرامة معركة نفسية أسماها "خطة جهنم"، وكان هدفها هو إحداث تغيير في آراء وعواطف وسلوك القادة والجنود من أبناء القوات المسلحة الأردنية. وكذلك التأثير في مشاعر وسلوكيات أفراد المقاومة من الفدائيين وكذلك المدنيين من السكان.
استخدام العمليات النفسية أثناء المعركة
قامت طائرات العدو الإسرائيلي في صباح يوم 21/3/68 و في تمام الساعة السادسة صباحا بإلقاء آلاف المنشورات الورقية فوق مناطق السكان المدنيين في منطقة الكرامة والأغوار على طول الحدود الأردنية. وكذلك بدأت بالبث الإذاعي على شكل نداءات متكررة موجهة إلى الأردنيين. و جاء فيها:
(إلى سكان الأردن: إن العملية التي يقوم بها جيش الدفاع الإسرائيلي في منطقتكم موجّهة ضد المخربين الذين يحاولون الضرر بكم وبإسرائيل، ليس لدينا أي شيء ضد المواطنين الآمنين. الذين يودون العيش في سلام، لا تمدوا يد العون أو المساعدة للمخربين، فالمخربون هم أعداؤكم اطردوهم من مناطقكم.)
وكذلك ألقيت منشورات كثيرة جدا تخاطب الجنود الأردنيين وتبث بينهم وبين الفدائيين الفتنة والفرقة والتنازع. إلا أن هذه العمليات النفسية باءت بالفشل ولم تحقق أهدافها.
العمليات العسكرية الإسرائيلية
قام العدو الإسرائيلي بحشد قواته القتالية على أربعة مقتربات للهجوم على الأردن وهي:
-
القتال على محور العارضة (جسر الأمير محمد).
-
القتال على محور وادي شعيب ( جسر الملك حسين). وكان الهجوم الرئيسي على هذا المقترب.
-
القتال على محور سويمة.
-
محور غور الصافي ( تضليلي).
كان حجم القوات الإسرائيلية المعادية المهاجمة 15 ألف مقاتل بأقل تقدير وتم تأمين قوات احتياط بمثل هذا الحجم و يزيد.
أما بالنسبة لقواتنا المسلحة الباسلة فقد أتمت التحضيرات اللازمة واتخذت الفرقة الأولى بقيادة البطل مشهور حديثة الجازي الوضعية النهائية للدفاع عن منطقة الواجب في مساء يوم الأربعاء 20/3/1968. وكما يلي:
-
لواء القادسية – محور العارضة بقيادة العميد البطل قاسم المعايطة رحمه الله تعالى.
-
لواء الأميرة عالية-محور وادي شعيب بقيادة العقيد البطل كاسب صفوق الجازي رحمه الله تعالى.
-
لواء حطين- محور سويمة بقيادة العميد البطل بهجت المحيسن رحمه الله تعالى.
حجم ودور الفدائيين في معركة الكرامة
تشير معظم التقارير الاستخبارية في الأرشيف البريطاني إلى أن عدد الفدائيين في منطقة غور الأردن كان لا يتجاوز ألف فدائي مسلحين ببنادق ورشاشات وقليل من مدافع الهاون.
وللتوثيق التاريخي يذكر "الان هارت" وهو صحفي بريطاني وكاتب سيرة ياسر عرفات وهو من الصحفيين الذين حاربوا الصهيونية وحذروا الغرب من خطرها ومخططاتها الاستعمارية. يقول:
"أبلغه المرحوم ياسر عرفات بأنه قبل بدء المعركة بـ(48) ساعة طلب الفريق عامر خماش رئيس الأركان الأردني الالتقاء مع قادة الفصائل الفلسطينية المقاتلة فذهب ياسر عرفات ومعه صلاح خلف (أبو إياد) كممثلين للفصائل للقاء الفريق عامر خماش، حيث قام الفريق خماش بإبلاغهم عن الاستعدادات الإسرائيلية لشن هجوم على طول الجبهة الشرقية وأنه يتوقع أن يكون الهجوم بعد يومين وسيكون الهجوم الرئيسي على جسر الملك حسين والوصول إلى منطقة الكرامة لسحق المقاومة والوصول إلى السلط بعد ذلك. وطلب منهما الخروج من منطقة الكرامة والرجوع إلى الخلف باتجاه السلط خوفا عليهم من الإبادة وأن الجيش الأردني سيقوم بتغطية خروجهم وتأمين وصولهم".
ويتابع "آلان هارت": إلا أن ياسر عرفات رفض ذلك وأبلغ الفريق خماش أن قرار "فتح" الثبات وعدم الخروج.
بينما اتخذ القائد العسكري للجبهة الشعبية أحمد زعرور والقائد الميداني أحمد جبريل القرار بالانسحاب والرجوع إلى منطقة السلط وقال أحمد جبريل: (إن الحفاظ على الذات هو أعقل الخيارات".
ثم يتابع "آلان هارت": وقال لي ياسر عرفات بأنه كان عدد عناصر فتح في منطقة العمليات 220 عنصرا فقط، وبقي معه 80 عنصرا من قوات التحرير الشعبية، وبذلك فإن المجموع الكلي للفدائيين في منطقة الكرامة ومحيطها 300 عنصر. مسلحين بـ(أسلحة رشاشة-وألغام مضادة للدبابات-سبع قاذفات مضادة للدروع-مدفع هاون82ملم عدد2-رشاش دوشكةعيار12.7ملم عدد واحد.
وكنت قد أجريت لقاء مع العقيد المتقاعد أحمد الحاج علي أبو عامر رحمه الله قبل وفاته وفي برنامجي فرصة وطن، الذي يذاع على أثير إذاعة حسنى وقد سألته عن حجم ودور الفدائيين في معركة الكرامة فقال لي إنه التقى بقادتهم هو والفريق مشهور حديثة الجازي قبل المعركة بيوم واحد وأنهم نسقوا معهم خطوات القتال القادمة وقال إن عددهم لم يكن يتجاوز 300 عنصر. وهذا يتفق تماما مع ما ورد على لسان "آلان هارت".
وهنا لا بد أن أقول إن الفدائيين الذين شاركوا في معركة الكرامة رغم قلة عددهم وسلاحهم إلا أنهم أبلوا بلاء عظيما ولم يهابوا الموت أو الأسر.
البيان رقم واحد
صرح ناطق عسكري أردني بما يلي: في تمام الساعة الخامسة والنصف من صباح اليوم قام العدو بشن هجوم على منطقة نهر الأردن الجنوبية وعبرت قواته النهر إلى الشرق في كل من منطقة جسر الأمير محمد (دامية) وجسر الملك حسين واشتبكت مع قواتنا ولا تزال مشتبكة معها بجميع الأسلحة.
كما اشتركت طائرات الهيلوكبتر من قبل العدو في العملية، وقد دمر للعدو لغاية الآن أربع دبابات وأعداد من ناقلات الجنود المجنزرة والآليات الأخرى وما زالت المعركة قائمة بين قواتنا وقوات العدو حتى هذه اللحظة.
إذن بدأ عدوان إسرائيلي جديد على الأردن، كيف واجه جيشنا العربي ذلك العدوان الغاشم وبهذه القوة النارية الأرضية والجوية وبهذا التفوق العددي؟ وما دور المدفعية الأردنية في صد الهجوم؟ وما هي أهداف هذا العدوان الحقيقية؟ ماذا لو لا سمح الله نجح هذا العدوان في تحقيق أهدافه؟
كل هذه الأسئلة وغيرها سنجيب عنها بإذن الله في ملفنا القادم.
اقرأ المزيد.. ظروف ما قبل المعركة