ماذا يريد كيان الاحتلال من نساء غور الصافي

الصورة

بقلم: لين غرايبة

آخر تحديث

في ذكرى معركة الكرامة نشرت المنصات "الإسرائيلية" التي تستهدف المشاهد العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا في غور الصافي لِسيدات أردنيات يجري بينهن وبين سيدات "إسرائيليات" تعاون في ادّعاءٍ ساقط يهدف إلى برنامج تنموي إسرائيلي "تسلم إيديك"، يمكِّن المرأة "في المنطقة المشتركة" بين الضفتين وتشغيل النساء الأردنيات "الفقيرات" بالاستفادة من "خبرة وفن الإسرائيليات".

المدخل الاقتصادي كان أسهل مدخل للمجتمع الأردني بنظر المحتل، في حين أن صفقة القرن مرفوضة على المستوى الرسمي والشعبي الأردني وأنه لا مال ولا سلام يجعل من كيان الاحتلال دولة صديقة وُيشرعن سياساتها التعسفية بحق الفلسطينيين وأطماعها في الأردن

المقطع يُسلّط الضوء على المرأة الأردنية المهمَّشة اقتصادياً ضمن حالة الفقر المجتمعي الذي يطال شريحةً واسعة من الأردنيين.

يعاني غور الصافي من فقر في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبنى التحتية مما يجعله بيئةً مرحِّبة لتلقي المساعدات والمشاريع التنموية.

تُصوَّر المرأة الأردنية في المقطع وهي تستقبل السيدات الإسرائيليات بعناق وترحيب شديد وابتسامات وتقارب بينهنّ في تركيز كبير على فكرة أن ما يجمع هاتين المجموعتين من السيدات هو حاجتهنَّ للعمل وأن لا فرق بينهنّ فكلهنّ نساء.

يصوِّر لنا الاحتلال شكلاً آخراً من التقارب والتطبيع المُبرَّر ضمن الإطار الاقتصادي المبني على النوع الاجتماعي والذي يُشكل مشكلة حقيقية لدى الأردنيين.

أن تجد المرأة الأردنية ملجأ اقتصاديا عند العدو ضمن مفهوم التمكين الاقتصادي، وفي حدود منطقة شهدت معركة طاحنة بين جيش الاحتلال والجيش العربي الأردني الذي قدم شهداء للقضية والوطن، هو بحد ذاته إذعانٌ وانتكاسة وفشل اجتماعي وسياسي وهوّياتي

و هناك ثلاث مشاكل أساسية يشكلها هذا النوع من التقارب المموَّل إعلاميًا من دولة الاحتلال على المستوى المحلي، وأخرى أساسية على المستوى العربي.

المشكلة الأولى أن المدخل الاقتصادي كان أسهل مدخل للمجتمع الأردني بنظر المحتل، في حين أن صفقة القرن مرفوضة على المستوى الرسمي والشعبي الأردني وأنه لا مال ولا سلام يجعل من كيان الاحتلال دولة صديقة وُيشرعن سياساتها التعسفية بحق الفلسطينيين وأطماعها في الأردن، إلا أن المشاريع الإسرائيلية تتسرب على الأراضي الأردنية من خلال الجماعات والأفراد بل وأهالي المنطقة الحدودية، وهذا بحد ذاته يشكل تساؤلاً حول دور الأردن الرسمي حول ما إن كان راعيا لهذه المشاريع أم غافلا عنها، إذ أنه في كلتا الحالتين يشكل خطرا و تهديدا حقيقيا لواحدة من ثوابت الثقة والشرعية السياسية التي يتشاركها الأردني مع دولته. فلماذا يرفض الأردن الرسمي صفقة القرن ويقبل بالمشاريع الإسرائيلية على أراضيه؟ وهل يشترك الأردني ودولته في قيمهم ومواقفهم تجاه العدو الذي تطاول على السيادة الأردنية في عام ١٩٦٨ وقتل أبناء الأردنيين؟

استهداف المرأة بشكل خاص

المشكلة الثانية المتشكّلة في هذا النوع من المشاريع أنه يستهدف المرأة بشكل خاص، حيث يصوِّر لنا الفيديو النسوة الأردنيات وهن يتحدثن عن بداية عملهن مع السيدات الإسرائيليات والصعوبات والتحديات التي واجهنها مع ذويهنّ، فلم تتقبل العائلات الأردنية أن يتعاون أفرادها مع مشاريع مقدمة من دولة الاحتلال، لكن مع مرور الوقت، وحسب رواية كلا الطرفين في المقطع المصور، بدأت العائلات تتقبل هذه الفكرة، بل وتجرأت النساء الأردنيات على دعوة الإسرائيليات إلى منازلهنّ واستضافتهنّ حول موائدهنّ.

رغم أن الأنباء بدأت ترشَحُ عن صدمة الأهالي وعدم معرفتهم بما دار، يُشكِّل هذا النوع من العلاقة مع المحتل خطرًا اجتماعيا بكونه يعمل على التقبل الاجتماعي وزعزعة الصورة المتخيَّلة عند المجتمع الأردني عن عدوه اللدود، بأن هذا العدو قد يكون إمرأة لطيفة متواضعة تحب الخير والعمل وتساهم في تمكين المرأة الأردنية اقتصاديا، المرأة الأردنية التي بات مفهوم التمكين الاقتصادي لديها مرتكزًا على ما تقدِّمه المنظمات غير الحكومية وصندوق المرأة من مساعدات ومشاريع اقتصادية.

إن هذا بحد ذاته يعمل على تمييع القضية في نفوس أبناء هؤلاء السيدات، الذين خلت مناهجهم التعليمية في المدارس من تأصيل للقضية الفلسطينية في وجدانهم و عدم اعتبارها قضية تمس الأردني في هويته وعقيدته ومجتمعه ودولته

ركاكة المبادئ أمام الفقر

المشكلة الثالثة، "والتي يحاول العدو تثبيتها عبر تأليفها وإخراجها بشكل سينمائي" في هذا النوع من المشاريع هي أن يُصور الهوية الأردنية و بوصلتها المرتبطة بالقضية الفلسطينية ركيكةً مقابل الفقر وتردي المستوى المعيشي والاقتصادي. هذا ليس المشروع الأول التنموي التعاوني بين دولة الاحتلال والأردن الرسمي أو المجتمعات المحلية في المنطقة الحدودية، ففي عام 2017 وظفت "إسرائيل" ما يقارب 500 أردني في إيلات، عدا عن التعاونات الاقتصادية والتكنولوجية على المستوى الرسمي الأردني - الإسرائيلي في قطاع الزراعة التي تتفاخر بنشرها مواقع عبرية و إسرائيلية باللغة الإنجليزية.

الكشف عن الركاكة والخلخلة في مفاهيم أساسية عند البعض لا يعني بالتأكيد أنه الطابع العام لدى الأردنيين، لكنه يشكل إنذار خطر على المجتمع الأردني، فبوابة الأردن الحدودية مع العدو والتي شهدت حربًا معه، يستقبل أهلوها العدو في منازلهم، تتساءل سيدة إسرائيلية في الفيديو "أين الحدود؟ لا يمكن رويتها، إنها في مخيلتنا فقط، أنا أرى واديًا واحدًا، تقصد وادي الأردن".

يأتي الإسرائيلي إلى الأردن بوصفه سائحًا طامعًا في هذه الأرض، ويأتي أيضًا بوصفه مموِّلا بصورة طبقية، تقول للمشاهد العربي بأن إسرائيل مستعدة لتقديم العون والمساعدة للمحتاجين في الوطن العربي.

إضعاف حجة الأردن الرسمي في تخوفه من التقارب العربي الإسرائيلي

المشكلة الأخيرة التي يشكلها هذا النوع من التمويل على المستوى العربي الرسمي، أنه يُضعف حجة الأردن الرسمي في تخوفه من التقارب العربي الإسرائيلي الأخير الذي شهدناه في المنطقة.

تضع إسرائيل الأردن الرسمي موضع سخرية واستهزاء في صحفها وأخبارها المحلية عندما تتحدث عن العلاقات الودية بين الطرفين والتعاون الذي بينهم على مختلف الأصعدة بصورة إيجابية، وينصّب الإعلام الإسرائيلي نفسه حكَما على السياسة الأردنية الداخلية، ويتخذ موقفا مناصرا للمتظاهرين الأردنيين بوصف "إسرائيل" دولة ديمقراطية تدعم الحقوق السياسية والحريات العامة في الشرق الأوسط.

في هذا الإطار أيضا، من الخطير جدًا أن يُقدَّم الأردني بصورة المطبِّع المتسامح مع دولة الاحتلال عند المشاهد العربي الذي تأصل في عقله الجمعي أن الأردني -سواء من غربي النهر أم من شرقيه- هو الأقرب لهذه القضية، وهو الحامي والمدافع، وأن عمان والقدس تقعان على خط واحد.

 في ظل تعسف وتفرقة عنصرية ممنهجة ضد العربي والفلسطيني على أراضيه المحتلة، واستهداف صارخ لهويته ولغته ودينه ومقدساته، تقدم إسرائيل نفسها للوطن العربي على أنها واحة الديمقراطية والبحث العلمي والمشاريع التنموية.

يكمن الخطر الحقيقي في تقبُّل المجتمعات الحالةَ الاستعمارية وتوصيفها وتسميتها بغير حقيقتها.

إن كيان دولة الاحتلال لم ولن يكون إلا استعمارًا دمويًا، عمل على مدار مئة عام على إحلال شتات يهود العالم في فلسطين مكان الإنسان العربي.

ليس فلسطينيو الشتات أو الداخل أو المجنسون في الدول العربية هم وحدهم مسؤولون عن القضية الفلسطينية، هذه قضية حق وعدل ودين مسؤول عنها كل عربي ومسلم، لا تسقط بالتقادم أو بالتطبيع والتخاذل.

الأكثر قراءة
00:00:00