الأحزاب الوطنية الوسطية.. وضرورة ميلاد الكتلة السياسية الحرجة

الصورة

بقلم: محمد العودات

آخر تحديث

نعلم علم اليقين أن مجلس النواب لن يقوم بتعديل أي من مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وأن الحكومة البرلمانية، والبرلمان الحزبي سيكون أمرا واقعا في عام 2032.

صحيح أن البرلمان سيولد كبرلمان معلق تتوزع مقاعده على عشرات الأحزاب، وصحيح أن الحكومات القادمة ستكون حكومات ائتلافية، حكومات تقاسم السلطة دون انسجام في البرامج، ما لم يتم رفع العتبة الانتخابية في القوائم الحزبية المغلقة لتكون بين 5% إلى 7.5% وهذا الذي لن يفعله مجلس النواب على الغالب وفقا للمجرى العادي للأمور ، مما يستدعي من العاملين في المجال السياسي ممارسة ضغوط على المجلس لإجراء هذه التعديلات.

انعكاسات مخرجات اللجنة الملكية بدأت تظهر على سطح الحياة السياسية الأردنية مبكرا، إذ نشهد حالة نشطة لتكوين وتأسيس الأحزاب السياسية من القيادات ورجال الدولة الذين شاركوا في إدارة فشل المرحلة السابقة، يتزامن ذلك مع حالة تشكيك من الأحزاب التقليدية اليسارية واليمينية التي تجد في تأسيس الأحزاب من قبل رجال السلطة التفافا على الحياة السياسية وإعادة التموضع بثوب سلطة الشعب، وترى أن هذه الشخصيات كانت جزءا أساسيا من المشكلة، فكيف ستكون جزء من الحل؟!

في المقابل تطلق الشخصيات المحسوبة على الدولة العميقة التشكيك في الأحزاب التقليدية بأنها أحزاب أيدولوجية بعيدة كل البعد عن العمل البرامجي، وأحزاب فقيرة في خبرات إدارة الدولة، كما يصفونها بأنها أحزاب لها امتدادات خارجية لا تدين بالولاء للوطن ولا قيادته السياسية، وأن صعود هذا النوع من العمل الحزبي سيدخل الأردن في أزمات إقليمية ويلحق الضرر الكبير في علاقات الأردن الخارجية وتحالفاته وما يترتب عليها من ظروف اقتصادية صعبة على حياة الشعب الأردني.

ميلاد كتلة سياسية حرجة

حالة التشكيك والتخوين ونشر عدم اليقين هي سيدة الموقف بين الكتل السياسية التقليدية والأحزاب الناشئة المحسوبة على الدولة العميقة، كما أن هناك فقدان ثقة كبير بين الأحزاب التقليدية اليسارية العلمانية، والليبرالية العلمانية والأحزاب اليمينية الإسلامية، كل ذلك المشهد والصراع الصفري الموجود على الساحة بين كل هؤلاء الفرقاء الموجودين على الأرض يستلزم ميلاد كتلة سياسية حرجة خارج هذه الاستقطابات، وخارج هذا الصراع الكلي الذي أورث الدولة كل هذا التخلف السياسي وتعطيل دواليب الحياة ونماء الدولة واحتكار السلطة.

نحن بحاجة ماسة في هذا الظرف السياسي الجديد إلى ميلاد كتلة سياسية خارج هذا المشهد السياسي، كتلة ذات برنامج وطني برامجي تفصيلي يعنى بحاجات الناس الأساسية من تعليم مدرسي وجامعي وصحة وعمل وبنية تحتية، برنامج يكافح الفقر والبطالة والمرض والجهل ويحسن من ظروف معاش الناس ورفاههم.

الخطابات الثورية والخطابات الأممية لن تكون قادرة على حل مشاكل الشعب الأردني واحتياجاته، نحن بحاجة إلى أحزاب أردنية وطنية برامجية بعيدة عن الطوباوية السياسية والإغراق بالمثالية، تتعامل مع الواقع كما هو وتعالج مشاكله بما هو متاح وفقا لقدرات الأردن ومكانته الجيوستراتيجية، بعيدا عن تقزيم الإمكانيات أو تهويلها وبعيدا عن بيع الوهم وتضخم الذات.

"كتلة تؤمن بالبرامجية وتتجاوز الأيديولوجيات القديمة"

تقوم فلسفة الدولة والإدارة في العصر الحديث على تلبية حاجات الناس وإدارة المال العام وإعادة توزيع الثروة بعدالة، واحتكار العنف ليكون بيد الدولة وحدها، بما يضبط حياة الناس ويحقق رفاه الإنسان ويحسن من ظروف معاشه، وكل ذلك لن يستطيع القيام به إلا كتلة سياسية جديدة تؤمن بالبرامجية وتتجاوز الأيديولوجيات القديمة وتتجاوز شخصيات الدولة العميقة التي أوصلتنا إلى الحالة التي أصبحنا عليها الآن، فمن المعلوم أن الأيدولوجيات القديمة ليس من السهل وليس بالإمكان تبديل عقائدها السياسية وطرائق تفكيرها، وأن رجال الدولة العميقة إن وصلوا بمظلة الإرادة الشعبية وتم منحهم فرصة جديدة بثوب جديد سيعيثون مزيدا من الخراب والدمار، فلا يمكن أن تعمل بذات الأشخاص وذات الأفكار والمنطلقات وتحصل على نتائج مختلفة عما وصلت إليه من إخفاق.

المطلوب من الشخصيات والأحزاب والأفكار الوطنية البرامجية أن تخرج من دائرة الدفاع عن النفس وتشكيك الدولة العميقة والأيدولوجيات القديمة بها، تخرج لمربع التبشير بمنهج البناء البرامجي الواقعي المولود من رحم الواقع الذي يعيشه الأردن، تخاطب الشعب بواقعية لتحصل على تأييده ليساعدها في الوصول للسلطة وبناء أردن جديد يقوم على البناء والواقعية واستثمار كل ما هو متاح على الأرض، بعيدا عن تجريب من فشل وبعيدا عن أفكار أممية وقومية أثبتت فشلها في كل موقع تم تجريبها به من أقطار عربية محيطة.

الأكثر قراءة
00:00:00