الباص السريع أسرع من أن يصل!
أكثر من 30 دقيقة قضيتها اليوم في منطقة دوار المشاغل، بانتظار الباص السريع للتوجه إلى دوار المدينة الرياضية، وهو ما جعلني أعود إلى الوراء قليلا، وتحديدا إلى العام 2021، فهل تذكرون الحملة الإعلانية التي أطلقتها أمانة عمان آنذاك تزامنا مع بدء التشغيل التجريبي للباص السريع؟
جواد رجل أعمال يستخدم الباص السريع
كان هدف تلك الحملة حث الناس على استخدام الباص السريع، حيث علقت الأمانة صور أشخاص كُتِب عليها على سبيل المثال: جواد رجل أعمال نجاحه في إدارة الوقت بفضل استخدام الباص السريع، وغيرها من العبارات التي عددت مزايا استخدامه، وعلى رأسها دقة المواعيد واغتنام الوقت، وفي المقابل تنوعت ردود الفعل ما بين مرحب ومشكك، واتفق الجميع على أن التجربة خير برهان.
11 عاما قبل أن يرى النور
الباص السريع.. أحد المشاريع الأكثر جدلية في الأردن، فلو عدنا إلى الوراء قليلا لوجدنا أنه استغرق 11 عاما من لحظة وضع حجر الأساس للمشروع عام 2010 وحتى افتتاحه بشكل تجريبي وبخط واحد فقط عام 2021، وما زال العمل جاريا على المسار الواصل بين الزرقاء وعمان حتى هذه اللحظة.
رغم أن الباص السريع ما يزال حتى اليوم في المرحلة التجريبية، إلا أنني لاحظت ازدياد عدد مستخدميه بشكل ملحوظ، بمختلف فئاتهم، مثل الطلبة الجامعيين، والموظفين، وحتى بعض طلبة المدارس الذين وجدوا أنه خيار جيد للوصول إلى مدارسهم، لكن تجربتي الأخيرة (نصف ساعة انتظار) كانت مختلفة فعلا.
30 دقيقة انتظار
كما تعلمون فالطريق من دوار المشاغل إلى دوار المدينة الرياضية لا يستغرق سوى 5 دقائق بالسيارة في أيام العطل، لكن في أوقات الأزمات الصباحية قد يستغرق 30 دقيقة وربما أكثر، وقد حاولت أن أكون ذكيا واستذكرت ميزات الباص السريع التي تكرر الحديث عنها مرار، وأهمها تجنب أزمات السير، وفعلا ذهبت لأقرب موقف في مسار الباص السريع، ووجدت هناك من سبقني بالانتظار، واصطففت إلى جانبهم.
بعد ما يقارب 7 دقائق من قدومي إلى الموقف، وصل أول باص لكنه كان ممتلئا عن آخره، وقد اصطفت الفتيات عند باب الباص من الداخل، بينما يتراكم الشباب بجانب بعضهم عند الباب الخلفي للباص، ولا يمكن له أن يتسع أكثر، لكنني انتظرت برفقة نحو 20 شخصا، ونحن على أمل أن يأتي باص آخر يتسع لنا، مرت الحافلة الثانية والثالثة، بل 5 حافلات، دون أن تتوقف أي منها لحمل الركاب؛ لأن كل واحدة كانت ممتلئة عن آخرها، وأعني هنا أن جميع المقاعد ممتلئة وأن الركاب الواقفين أكثر من 50 شخصا بتقديري، وهو أعلى من الطاقة الاستيعابية للباص.
هل أركب تكسي أم أنتظر الباص السريع؟
حاولت أن أكون مواطنا مبادرا.. حملت الهاتف واتصلت برقم الباص السريع، ونقلت له المشكلة وأبلغته عن موقعنا بالضبط، وتبين أن الباص يحمّل الركاب من المحطات التي قبلنا ثم يأتي ممتلئا، ولا عزاء لمن هم في المحطات التالية، لكن الموظف وعدني بأن يحاول حل المشكلة.
هنا وقفت لأفكر، هل أذهب لأركب "تكسي" لعلي أحاول تدارك الموقف، وألحق الموعد الذي التزمت به؟ لكنني هنا كنت أتذكر أيضا أزمة السير الخانقة في الشوارع، فأعود للتفكير بخيار الباص السريع الذي سيتجاوز أزمة السير، لكنه لن يأتي أصلا فيما يبدو!
وبالمحصلة فإن الوقت الذي كنت سأوفره بالباص السريع بدل أزمة الطريق كان ربما ثلث ساعة، لكنني تأخرت أكثر من نصف ساعة، وأنا أنتظر قدوم "الباص السريع"!
مشهد علب السردين ليس حصرا على "الكوستر"
بينما أنا في هذه الحالة، مر باص جديد وممتلئ كالعادة، لكنه فاجأنا وتوقف -ربما حزنا- على منظر طالبات وطلاب الجامعة الأردنية الذين تأخروا عن محاضراتهم، والموظفين الذين بدؤوا يحسبون حسابا لتبرير هذا التأخر لمدير العمل، المهم حاول (السائق المتعاون) أن يحمّل الركاب في الباص الممتلئ أصلا، وفق نظام مبتكر يصح أن نسميه "علب السردين" لكنه فعل ما بوسعه.
تجمعنا حول باب الباص، نجح البعض بالركوب -ومنهم أنا- وفشل كثيرون لينتظروا دورهم بالباص القادم إن أتى، ويئس البعض من الانتظار وذهبوا لأخذ "تكسي" على وجه السرعة، لعل أزمة السير في طريق "التكسي" تستغرق وقتا أقل من انتظار الباص السريع!
وأثناء ركوبي للباص المزدحم السريع، كانت تصل لمسامعي كلمات يقولها بعض الركاب معبرين عن استيائهم، فجميعهم وثقوا بالباص السريع ويرون أنه يمثل حلا حقيقيا لمشكلة أزمات السير الخانقة، لكن "الباص السريع" خيب آمالهم هذه المرة.
ثقة لا تحرقها النيران
عن نفسي، كنت أظن أن أمانة عمان لم تكن تتوقع مثل هذا الإقبال من الناس على الباص السريع، ووجدت نفسها مضطرة للتعامل مع عدد كبير من الركاب في أوقات الذروة الضيقة جدا، مثل الفترة الصباحية، لكنني فوجئت بتصريح المدير التنفيذي للنقل في أمانة عمان م. رياض الخرابشة لـ حسنى حول قيام الأمانة بتعديل تردد الباص السريع في مساري 99 و100 عبر المباعدة بين مواعيد انطلاق الباصات، وإلغاء مسار الباص السريع رقم 98 مؤقتا في فترة عطلة الجامعات، دون إخبار المواطنين بذلك، وهذا ما جعلني أتساءل: ألهذه الدرجة لا تكترث أمانة عمان بآراء الناس وانطباعاتهم حول الباص السريع، وهل حصد أكواما من الثقة لا تحرقها النيران، دفعت لإلغاء مسار للباص السريع وتعديل تردد مسارين آخرين، حتى دون إخبار الناس بذلك؟!