التعصب من الملاعب إلى خارج أسوار المدرجات

الصورة
المصدر

من المحزن أن نصل إلى هذا المستوى من السلوكيات في لعبة كرة القدم، أن ينتقل التعصب من الملاعب إلى خارج أسوار المدرجات، وتكون استجابتنا للعبة، الحديث عن أمراضها لدى فئة من الجماهير التي لا تعرف معنى الرياضة ولا تهتم بها ولا في مضامينها، فما حدث بعد مباراة الوحدات والفيصلي في كأس الأردن، شكّل صدمة كبيرة لدى مختلف الأوساط الرياضية الأردنية والعربية وحتى العالمية، أن تنتهي مباراة كرة قدم؛ مدرجاتها خاوية وفارغة من الجمهور، بوفاة طفل صغير ودون أي ذنب سوى أنه وجد مساحة ضئيلة أو فرجة بسيطة من الفرح، لم يهنأ بعفويتها، فيتلقفه حجر مسته الكراهية والحقد والعصبية البغيضة.

كرة القدم.. من المتعة إلى التعصب

هل يمكن أن نتخيل أن هذه اللعبة الشعبية، أو ممارسة لعبة رياضية تجلب لنا الفرح والمحبة والألفة وبث السعادة لدى الناس، أن تصبح في مجتمعاتنا أكثر جحيما ورعبا وحقدا، بعد ما وصلت له من عصبية واحتقان؛ بقينا لسنوات نغض الطرف عنها ولا نتجرأ الحديث عنها بصراحة، لأنها تمس الوحدة الوطنية، ووصلنا إلى مرحلة خطيرة أصبحت فيها كرة القدم تهدد السلم المجتمعي، وهي مرحلة لا نريدها أن تكبر ولا أن تتطور لأن عواقبها خطيرة على الشعب وعلى مستوى اللعبة التي تنحدر مستوياتها ولا نجد لنا فيها مكانا بين الدول على مستوى العالم، وفشلنا في وضع بصمة لنا على خارطة الكرة العالمية، ويمكن أن تصل الأمور إلى أكبر من ذلك حيث تمتثل الدول إلى قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، الذي لا يسمح لأي دولة أن تخترق قوانينه وأنظمته، وهناك دول عديدة تم حرمانها من المشاركة في البطولات العالمية لأسباب عديدة تؤثر على اللعبة.

الدولة ظلت بعيدة عن المشكلة وهي تعرف تلك الممارسات التي لا تقف عند الملاعب بل امتدت إلى الشوارع والبيوت وداخل المؤسسات الرسمية، ووصلنا مرحلة صار فيها الفرز بين أفراد المجتمع على أساس أنك وحداتي أم فيصلاوي، فيتم التعامل معك ضمن هذا الإطار.

في خضم هذا الواقع المر والأليم، علينا أن نكون أكثر شجاعة ونضع يدنا على الجرح ونبدأ بخطوة واحدة على الأقل، كي لا نصل إلى مرحلة خطيرة في المستقبل تؤثر على بنيان المجتمع, فالمسؤولية تقع على العديد من الجهات وأهمها وزارات الشباب والتربية والأوقاف وغيرها، والاتحادات الرياضية وبالذات اتحاد كرة القدم الذي لم يحسن التعامل مع شغب الملاعب الذي ظل لسنوات خامنا في ملاعبنا، وبدأ يكبر في غياب تطبيق القوانين الصارمة ليتحول من شغب إلى حالة مجتمعية من التعصب والعنف والاحتقان والكراهية، ليصل إلى مرحلة القتل الأحمق، في وقت كانت دول عديدة تضع الخطط والاستراتيجيات طويلة الأمد للتخلص من هذه المشاكل التي تحدث في المدرجات وخارجها، وتبدأ من تصميم الملاعب بحيث لا تشتبك الجماهير المتنافسة مع بعضها البعض، لا داخل المدرجات ولا حتى خارجها من خلال توفير ممرات آمنة عند انتهاء المباراة، وكذلك تنفيذ برامج توعوية للجماهير وللإداريين وحتى لرؤساء الأندية، الذين يجب أن يلتحقوا بدورات تدريبية ونحن نعرف أن منهم لا يعرف اللعبة ولم يسبق أن مارس لعبة رياضة، وبدورهم تقع عليهم مسؤولية كبيرة في توعية الجماهير في التعامل مع المباريات والتعرف على أخلاقيات اللعبة، وتطبيق قوانين صارمة في هذا الاتجاه منها منع الأشخاص الذين يثيرون الفتن من دخول الملاعب، بدل أن تترك الأمور بين فئة حاقدة تحاول أن تدير المشهد الرياضي.

الحديث ربما يكون طويلا في هذا الاتجاه، لكننا نحتاج إلى تغييرات جذرية منهجية لمنع هذا الاحتقان والرعب الذي يحصل لنحمي أبنائنا، كي لا يسقطوا في التعصب ووحل الحقد والفتن  والإقليمية، وخاصة أننا بدأنا في الإصلاح وتحديث منظومتنا السياسية، وإصلاح المنظومة الرياضية أهمها.

دلالات
الأكثر قراءة
00:00:00