خبير اقتصادي
عندما يصبح "العبث السياسي" موضة و"غزة" شماعة

أنصتوا! على أرضنا، تدور أحداث دراما غريبة للغاية، مزيج من عبث مستهتر وقلوب تحرقها النيران. يا للهول! تهتف جوقة من العابثين "بمعركة عصيان مدنية"، وصيحات تتخطى كل الخطوط الحمراء للثوابت الوطنية؛ احتجاجا على الحزن الذي يعيشه أهل غزة.
ومع ذلك، فالمشهد مشوه، حبكة ذات مظهر عبثي، إذ يطالب البعض بمسار لم تتنبأ به روحنا؛ فاليد الملكية الأردنية، الثابتة والجريئة، تمد يد العون لمحنة غزة، عون يرى، بحكمة وعون وروح، قصة تروى. هل يمكن لصوت العقل الرقيق أن يكشف هذه الغرابة؟
دعم غزة يتطلب قلبا واحدا
تخيلوا، أيها الأصدقاء الأعزاء، فرقة من العابثين المستهترين الذين بينما يقف الأردن متمسكا بقواعد العدالة الراسخة، وهو الصوت الوحيد في العالم العربي والإسلامي في وجه الاستبداد القاسي، يقررون القيام بـ"عصيان مدني ومظاهرات تخرج عن كل حكمة سياسية"، متحديين أدوات المنطق السليم المزدوجة!
إن دعم فلسطين، من كثبان الصحراء المشمسة إلى تلال جلعاد الخصبة، يتطلب قلبا واحدا وهدفا واحدا.
تأملوا جيدا، أيها السادة والسيدات، في هذا الوضع المحير للغاية؛ أن تهاجم مملكة تدافع عن حق غزة، وترسل الخبز والبلسم تحت ظلمة الليل الكئيب، وتثير الساحة العالمية بقوة دبلوماسية، توبخ مستعمرا يبالغ في خداعه وغطرسته، ويبالغ في حماقته! هنا يتجلى الجنون بوضوح: ترفرف الرايات من أجل قضية غزة، لكنها تصوب معركتها الهزيلة نحو يد الأردن المساعدة، التي تحارب الباطل بكل قوتها! هل يحتجون على ملك لأن قلبه لفلسطين يحترق؟
لعبة شد الحبل.. حيث يغيب المعنى
والآن، لاحظوا فرقة غريبة، إخوتنا في اللغة، الذين بينما يعصر قلب الأردن لفلسطين، وتغنى أنشودته الثابتة في وجه جبروت الظالم، يجدون غضبهم الأعظم على من يرسل الغذاء والدواء! كمهرجين في وليمة، تعد تصرفاتهم من أغرب المشاهد التي شهدتها أرضنا، كبارا وصغارا. يتحدثون عن مآسي غزة بحماس متأجج، ومع ذلك، غالبا ما يطلقون سهامهم وصرخاتهم المريرة، كما لو كانوا يلدغون الدولة التي تساندهم! إنها لعبة شد الحبل التي يلعبونها، حيث يغيب المعنى تماما.
وعلى الرغم من رفرفة الرايات الصاخبة، ورقص مثيري الشغب، يقف نهر الأردن راسخا، كنظرة ثابتة كمنارة. بين المبدأ والقوة، في رقصة رقيقة وجريئة، يظهر للعالم أن الشرف لا يعرف فرصة ثانية. أن الحب الأخوي الحقيقي، وعمق الروح، لا من قبضة الظروف العابرة السطحية، سيرشد أعمالنا النبيلة. فلنضع حدا لهذا العبث العابر، ولنمنح قلوبنا فرصة للوقوف مع المظلومين، بموقف حازم ومخلص.
قلب كل أردني على غزة والضفة
فالحق يقال، قلب كل أردني على غزة والضفة، دمعتنا تسبق كلمتنا عندما نرى الظلم والقهر الذي يحدث بأهلنا هناك. وموقف دولتنا، لا ينكره أحد، صوتنا عال في كل محفل، مساعداتنا لا تنقطع، وجهودنا السياسية والدبلوماسية لا تكل ولا تمل. فبدل أن نكون صفا واحدا متراصا، مثل "حبات المسبحة"، نصبح "كل واحد بغني على ليلاه"!
فيا للعجب! كيف يُعقل أن نعارض حكومة تقف في الصفوف الأمامية دفاعا عن القضية الفلسطينية، ونطالب بإجراءات تتناقض مع مواقفها المشرفة؟
الضغوط الخارجية تتجلى في محاولات بعض القوى فرض أجنداتها على الأردن
أما الضغوط الخارجية، فتتجلى في محاولات بعض القوى فرض أجنداتها على الأردن، مستخدمة أساليب الترغيب والترهيب، ساعية إلى ثنيه عن مواقفه الثابتة. لكن هيهات! فالأردن، بقيادته الهاشمية الحكيمة، وشعبه الأبي، يظل صامدا كالصخر، لا تهزه الرياح العاتية، ولا تغريه الوعود البراقة.
تخيلوا أن جهات عربية وأجنبية عرضت مئات الملايين من الدولارات على الأردن مقابل "كتم صوت" الإخوان المسلمين، فرفضت الأردن بشهامة قائلة: "شكرا، هؤلاء جزء من نسيجنا السياسي!" لكن المفارقة الكوميدية أن الإخوان يشعلون الشارع أحيانا كـ"مهرج حفل زفاف" يرمي يرمي أسهمه النارية في أحضان الحضور!
فالعبث السياسي في الأردن ليس جديدا، لكنه اليوم يصل لدرجة يخيل فيها أن البعض يريد تحويل الوطن إلى "مسرح مفتوح"، حيث يدلي كل بدلوه، بينما القضية الفلسطينية –التي تجمع الأردنيين– تُستخدم كـ"بونص مشاعر" لتمرير أجندات لا علاقة لها بغزة.
فبدلا من العصيان، لماذا لا نعصي "ثقافة التخوين" و"الخطاب المُتناقض"؟ ولنتذكر أن دعم غزة لا يحتاج لشعارات ساخنة، بل لسياسة حكيمة توازن بين القلب والدماغ... فربما يكون ذلك أصعب عبث!
وفي هذا المشهد المعقد، يبرز الأردن كقصة تروى في التوازن بين المبادئ والمصالح، يثبت للعالم أجمع أن السيادة والكرامة لا تباع ولا تشترى، وأن الدعم الحقيقي للأشقاء ينبع من القلب، لا من حسابات السياسة الضيقة.
اللهم احفظ مملكتنا، وامنح غزة الغارقة بالدموع فجر سلام وعدل.
اقرأ المزيد.. عيب عليهم.. تناحرنا يخدم مشروعهم