قانوني، كاتب
فخ العتبة الانتخابية في القوائم النسبية المغلقة
هنا لا أناقش التعديلات الدستورية التي دفعتها الحكومة إلى مجلس النواب خارج أعمال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وإن كانت هذه التعديلات تنتقص من سلطات رئيس الحكومة المنتخب القادم في عام 2032 إلاّ أنني أظن في هذه المرحلة السياسية أنّ هذه التعديلات الدستورية ضرورة من ضرورات استمرار الاستقرار السياسي في الأردن وذلك بوضع ملف العلاقات الخارجية والأمن الداخلي بيد الملك فهذه ملفات يجب أنْ تبقى بيد الملك حتى تنضج الأحزاب السياسية وترشد في ظل أحزاب سياسية لها امتدادات خارجية وإيدلوجيا عابرة للحدود، فهذه الامتدادات يمكن أنْ تضر بالعلاقات الخارجية الأردنية والأمن الداخلي الوطني، لكن هذه السلطات يمكن أنْ تبقى بيد الملك لفترة زمنية مؤقتة ثم تعود إلى الشعب والرئيس المنتخب مرة أخرى بعد أنْ تنضج التجربة وتتحول الأحزاب التي ستنضجها التجربة إلى أحزاب وطنية برامجية تتجاوز الأيدلوجيا.
الحديث هنا يخص العتبة الانتخابية في مسودة قانون الانتخاب المقدم من اللجنة الملكية والموجود أمام مجلس النواب، مسودة القانون نصت على أنه في عام 2032 سيكون لدينا ما لا يقل عن 65% من مقاعد المجلس يتم انتخابها على القوائم الحزبية المغلقة وبعتبة انتخابية مقدراها 2.5%، وأما المقاعد المتبقية يتم انتخابها على القوائم النسبية المفتوحة وبعتبة انتخابية مقدارها 7.5% تكون مفتوحة للمستقلين والأحزاب لتترشح عليها.
بلا شك أنْ تخصيص عتبة انتخابية في القوائم الحزبية المغلقة شيء يحسن الحياة السياسية لكن عندما جعلت هذه العتبة الانتخابية 2.5% تم تفريغ كل أعمال اللجنة الملكية من محتواها والهدف المنشود منها بالوصول إلى الحكومة برلمانية تتشكل من أكبر الأحزاب أو التحالفات تحت قبة المجلس، لكن صياغة هذه المسودة بهذه الطريقة لن يكون لدينا أي كتلة كبيرة وقوية مؤثرة داخل مجلس النواب وسيكون لدينا برلمان معلق بالمعنى السياسي.
في انتخابات 2032 لو تم الإدلاء بـ 2 مليون صوت فهذا يعني أنّ العتبة الانتخابية ستكون 50 ألف صوت، مع العلم لدينا 50 حزبا مرخصا و16 حزبا تحت الترخيص والعدد سوف يزداد خلال الأشهر القادمة.
لو ترشح للانتخابات الـ 66 حزبا بلا شك بأنه بإمكان نصف هذه الأحزاب أن تتجاوز العتبة الانتخابية، وبذلك يكون لدينا 90 مقعدا على 30 إلى 40 حزبا.
سيكون من حق القائمة أنْ ترشح أشخاص بعدد المقاعد المخصصة للقوائم الحزبية، وبذلك يحق لكل حزب أن يرشح 90 شخصا ومعلوم أنّ الرابط العشائرية لا زال عاملا مهما من عوامل الانتخاب وأنّ أصغر العشائر تملك ما لا يقل عن 250 إلى 1000 صوت وأن معظم المرشحين داخل القائمة سوف يجمع أصوات عشيرته فهذا يعني أن نصف الأحزاب التي سوف تترشح على الانتخابات سوف تتجاوز العتبة الانتخابية وستحصل على مقعد وبذلك يكون لدينا 90 مقعدا لـ 30 الى 40 حزبا، بلا شك أن الفرز الحزبي سيكون أفضل لكن بالنهاية لا يوجد أي تكتل حزبي تحت القبة وسوف نبقى نعاني من النائب الفرد، ولن يوجد لدينا الكتلة أو التحالف أو التيار تحت القبة.
فيما لو تم رفع العتبة الانتخابية لتكون 7.5% فهذا يعني أنه لن يتجاوز العتبة الانتخابية التي تحتاج إلى 150 ألف صوت إلاّ عدد محدود جدا من الأحزاب.
فمثلا لو حصل حزب (أ) على 210 ألف صوت، وحصل حزب (ب) على 153 ألف صوت، ولم تتجاوز باقي الأحزاب العتبة الانتخابية لأنها حصلت على أقل من 150 ألف صوت فهذا يعني أنه سيكون داخل المجلس حزبين فقط ويتم تقسيم المقاعد بينها على النحو التالي:
يتم تجميع الأصوات الناجحة وفي هذه الحالة عددها 363 ألف صوت يتم تقسيمها على المقاعد المخصصة وهي 90 مقعد وبذلك يتم تخصيص مقعد لكل 4033 صوت، وبذلك يحصل الحزب (أ) على 52 مقعد، ويحصل الحزب ب على 37 مقعد، أما المقعد المتبقي فيمنح لأي من الحزبين حسب الباقي الأعلى.
كما أنْ رفع العتبة الانتخابية سوف يجبر الأحزاب على الاندماج وتوسيع قواعدها الحزبية إذ لا يمكن أن تذهب الأحزاب الـ 50 إلى الاندماج ما دامت قادرة على الوصول للمجلس بشكلها الحالي، إذ لا يمكن الوصول إلى حياة حزبية حقيقية ووجود أحزاب محدودة العدد وكبيرة ومؤثرة ولها امتدادات شعبية بدون رفع العتبة الانتخابية.
لا شك أنّ الدولة العميقة عندما أراد الملك الذهاب إلى الإصلاحات السياسية التي تؤدي إلى الحكومة البرلمانية ولم تستطيع منع ذلك عمدت إلى تفجير اللجنة الملكية للإصلاحات السياسية من الداخل لكنها فشلت في ذلك حيث حمى الملك تلك اللجنة وساند عملها، لكن الدولة العميقة والحرس القديم ذهبوا إلى الخطة الثانية في تفريغ هذه المحاولة من محتواها وهدفها المنشود من خلال تخفيض العتبة الانتخابية للقوائم الحزبية المغلقة بحيث يكون لدينا برلمانات معلقة لا يوجد فيها حزب يملك مقاعد أكثر من أصابع اليد الواحدة، لتكون الدولة العميقة والحرس القديم هم من يملكون كل خيوط اللعبة السياسية ويتحكمون بالمشهد لقرن آخر من الحياة السياسية لحفظ مصالهم ومصالح الدوائر المحيطة بهم.
المحزن أنّ المعارضة السطحية ذهبت لتثير الضجة حول التعديلات الدستورية والتفت عن العتبة الانتخابية التي هي العمود الفقري لكل تلك التعديلات، والشيء المحزن أن من مثّلَ الأحزاب في اللجنة الملكية لم يكن كثير منهم مدرك خطورة العتبة الانتخابية والنتائج التي سوف تفرزها وأثرها على المشهد السياسي بعد قرن من الزمان.
للأسف المعارضة الأردنية فيها مجموعات من أغرار العمل السياسي لا تدرك ما تريد، في ذات الوقت الدولة العميقة كانت تعمل على نظام المحاكاة وتحدد شكل المستقبل السياسي الذي يريدون، والمعارضة غارقة في التعديلات الدستورية وتضع نفسها في مواجهة صلاحيات الملك مع أنّ معركة المطالبين في الإصلاح مع الدولة العميقة والحرس القديم الذي لا يريد تعديل او تغيير المشهد السياسي القائم لحفظ مصالحه ونفوذه وليس مع الملك الذي هو الداعم الرئيسي للإصلاحات السياسية من داخل جسم النظام.