قانوني، كاتب
منظومتنا الفكرية وتعزيز القابلية للانقسام
بقلم: محمد العودات | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
لا تختلف الشعوب العربية عن باقي شعوب العالم من حيث التنوع الموجود في المجتمعات حسب اللون أو اللغة أو العرق أو اللهجة أو الطبقة الاجتماعية أو الدين، بل يبدو أن الشعوب العربية قد تكون من حيث التركيبة السكانية هي الأقرب للانسجام والوحدة؛ فاللغة واحدة والدين الإسلامي والمسيحي يشكل غالبية معتقدات الشعوب العربية مع وجود أديان لأقليات بسيطة ومع كل ذلك نبدو أكثر المجتمعات العالمية انقساما.
رغبة عارمة في الانقسام!
رغم كل ما يجمعنا من عوامل الوحدة إلا أننا أصبحنا أكثر ميلا ورغبة وبحثا عن الانقسام فيما بينا بل أننا نسعى إليه ونطلبه برغبة منا وإصرار مستغرب! في الوقت الذي تكون فيه بعض الدول العربية منسجمة في اللغة والدين والعادات والتقاليد والعرق، تبحث شعوب هذه الدول بأسلوب محموم ومتقصد عن عوامل الانقسام على أصغر الأمور وأبسطها وتغذيها وتضخمها وتحول تلك التنوعات البسيطة والهامشية إلى عوامل تفكيك للمجتمع تنخر فيه وتنهكه وتجعله هشا ضعيفا قابل للانفجار عند المنعطفات.
من كان لهذا الاختلاف الطائفي في سوريا والعراق ولبنان أن يتحول إلى حرب أهلية ضروس تطحن الأخضر واليابس وتجعل هذه الدول في مصاف الدول المتخلفة والفاشلة وتصل بالدولة اللبنانية إلى حالة الفشل أو اللادولة التي تعيش لولا وجود خلل كبير في منظومتنا الفكرية التي نحمل، ليس العيب في التنوع الديني أو الطائفي أو العرقي أو في اللون أو الأصل أو المنبت، لكن العيب هو في المنظومة الفكرية لدينا في إدارة هذا التنوع وتحويل هذا التنوع من حالة إثراء للمجتمع إلى حالة تآكل وإفشال للدولة والبنية الاجتماعية، المنظومة الفكرية لدينا بها خلل كبير وعميق، هذه المنظومة هي التي جعلتنا نخفق كل هذا الأحقاق في إدارة التنوع البسيط في مجتمعاتنا العربية حتى أصبحت مجتمعاتنا أكثر شعوب الأرض لجوء في العالم.
الفرقة الناجية والعرق النقي
على المستوى الديني أقمنا قناعتنا على مفهوم الفرقة الناجية والتي يرفض منطقها أي تنوع ديني أو طائفي داخل الدين الواحد ويعتقد منظروها أنهم هم الصفوة المصطفاة وأنهم يملكون حق احتكار حب الله وحق احتكار الجنة والنار وعلى الجميع أن يكون شبيها لهم في المعتقدات وفهم نصوص الدين، فنشأ عن هذه النظرية الفكرية في الاحتكار الديني أن رفض حملة هذه النظرية كل ما دون قناعتهم ومعتقداتهم وأفهامهم للنصوص فظهر التكفير والتفسيق والتبديع ثم ترجم كل ذلك إلى حالة من العنف عندما حصل انفلات أمني في بعض أقطار الربيع العربي ووجدنا تطبيق مشوه للدين صدمنا جميعا، فكان هذا التشوه السلوكي هو ترجمة عملية صادقة لنظرية الفرقة الناجية واحتكار الحقيقة.
اجتماعيا بنينا قناعاتنا على أننا العرق النقي الذي نتميز عن باقي الشعوب الإنسانية ونظرنا إلى الآخرين بنظرة استعلاء كما كان يعتقد هتلر ألمانيا في أربعينيات القرن الماضي ونظن أن كل شعوب العالم تتآمر علينا فأصبحنا نرفض كل ما هو دون عرقنا ممن يعيشون معنا في أخوة الوطن، فتم الانتقاص من العرق غير العربي وعاشوا بيننا كمواطنين فئة ثانية ثم أنزلنا ذلك الاعتقاد ضد بعضنا البعض فعملنا على التمايز فيما بيننا حسب القبائل والأصل والمنبت وحتى اللهجات المحلية فأصبحنا لا نرى بعضنا البعض إلا بعين الانتقاص والازدراء، فظهر لدينا تمايز البدوي والحضري وظهر لدينا التمايز المناطقي والجهوي بين شمالي وجنوبي وشرقي وغربي وقبيلة صغيرة وقبيلة كبيرة ووصلنا إلى نهايات تضخم الذات واستصغار كل ما هو لا يشبهنا أو يتطابق معنا حتى أقمنا بيننا المعارك والكراهية على تشجيع الأندية الرياضية وجعلناها عوامل فرقة وتشرذم!!
الاختلاف والتنوع محرك التطور
التنوع والاختلاف البشري سوف يبقى موجودا وهو سنة من سنن الله في خلقه ويجب أن يبقى موجودا، فالاختلاف والتنوع هو محرك التطور الأول للإنسان فلولا هذا التنوع والاختلاف لبقينا في حالة جمود دائم، لكن علينا أن نعيد صياغة أفكارنا وسلوكنا حول مفهوم التنوع الذي لدينا ليكون عامل من عوامل نهوض المجتمعات وثرائها لا عامل من عوامل التآكل والإفشال وهذا ما فعلته الشعوب المتحضرة من قبلنا، تجد الاختلاف والتنوع الكبير بين تلك الشعوب في العرق واللون والدين لكنهم يؤمنون أن هناك منظومة قانونية تحفظ هذا التنوع وتحميه، فعاشت المجتمعات بحالة من الاندماج والتوافق واحترام هذا الاختلاف والتباين فعملوا على سن القوانيين وتجريم ومحاربة كل ما يمكن أن يوحي بعمل من أعمال الفرقة والعنصرية وإثارة الكراهية اتجاه بعضهم البعض.