الملعقة لم تفشل والمقاومة مستمرة

الصورة
الحفرة التي انتزع منها أسرى جلبوع الستة حريتهم
الحفرة التي انتزع منها أسرى جلبوع الستة حريتهم

بقلم علاء القضاة

منذُ اللحظة الأولى لبدء التفكير في الخروج من السّجن، كان الأسرى يعرِفون أنهم سيكونون أمام ثلاثة سيناريوهات حال نجاح تحرُّرِهم ولا رابع لها.

سيناريوهات ما بعد "نفق الحرية"

إمّا أن يتم القبض عليهم سريعًا بعد خروجهم وهذا ما سيعرّضهم لعقوبات مكثفة ويزيد من مستوى الرقابة عليهم وقد يزيد من آجال محكوميّتهم، وإما أن يبقوا مُطاردين لفترةٍ من الزمن، مع كل ما يحمله هذا الخيار من تحدّيات، حول توفير مقوّمات البقاء من ماءٍ وطعام، وحالة التيقّظ المستمرة، والاضطرار إلى تغيير المكان باستمرار، والتخفّي والتّنكُّر، واستمرار حالة البُعد عن الأهل، وازدياد مداهمة قوات الاحتلال لبيوت أهاليهم بحثًا عنهم بين الفينة والأخرى مع ما يحمله هذا من ترويعٍ للآمنين والأطفال، أو أن يقوموا باشتباكٍ مسلّح مع العدوّ ينتهي باستشهادهم أو باستمرار مطاردتهم..

يعرفُ الأسرى هذه السيناريوهات الثلاثة، والتي تبدو صعبةً وضيّقةً على أولئك الذين يحرِصون على الحياة، فلماذا حفروا وتكبّدوا الصعاب وصبروا على طول الأيام والعمل الطويل العنيد في سبيل الخروج؟

جذوة المقاومة يجب ألا تنطفئ

ذلك أنّهم يعلمون أنّ المقاومة جدوى مستمرّة، وأنّ جذوة المقاومة يجب أن لا تنطفئ من قلوب الشعب، وأنّ كل فعلٍ مُقاوم، مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، سواءً نجحَ أو فشل، استشهد فاعلهُ أو بقي على قيد الحياة، فهو فعلٌ يُراكمُ مجهود النضال الفلسطينيّ في التحرّر، ويعيد إنعاش الذاكرة النضالية، ويجدد الرّوح في الهويّة القتالية والعنيدة، ويُرسل رسائل مستمرّة لمراكز الاستشعار الصهيوني، بأن شعبنا الصامد ما زال يضطرم بنار الثورة، ويتنسّم عبير الانتفاضة، مما يُبقي الصهيونيّ في حالة قلقٍ مُستمرّ، قلقٍ على الأمن، وعلى أسطورة الدولة، وعلى فعل الوجود ذاته..

كل انتفاضة هي باب شلل للاحتلال

وثانيًا، فإنّ كل انتفاضة شعبيّة عارمة، يدخل معها العدوّ الصهيوني في حالة شللٍ تامّ، وتنهار فيها أجهزتهُ الأمنية وتعمّ الفوضى ويفقد فيها السيطرة، كانت تسبقها إرهاصات دائمًا، أعمالٌ متراكمةٌ فردية أو جماعية هُنا وهُناك، على امتداد الخارطة الفلسطينية، مما يشحنُ الأجواء بنزعات النضال والاستشهاد والفداء والتحرير، ويقود المجتمع إلى حالةٍ جماعيّة من التمرّد..

من أجلِ هذا حفرَ الأسرى، وهم في كُل لحظةٍ يحفرون بها حفنةٍ من الرمل، تمُرُّ أمامهم صورُ عائلاتهم وأحبائهم، وتومض في أذهانهم لقطاتٌ من ذكريات الصّبا، يتحسسونها، يتخيلونها، تبتسمُ أرواحهم وتتنشق رائحة الذكريات، يمتزج هذا كله بمشاهد مؤلمة راسخة في الذاكرة، من اقتحامات واعتداءات وتجارب شخصيّة قاسية، تتجدد الرغبة بالحرية، باستمرار المقاومة والنضال وإرهاق العدوّ، يستمرُّ الحفر، رغم الخيارات الصعبة، وخطر فشل عملية الخروج من السجن، رغم خطر التصفية الجسدية وانتهاء المُخطط، رغم احتمال اكتشاف المخطط في بداياته، رغم كلّ هذا يستمرّ الحفر، تستمرّ الملعقة في النحت في الإسمنت المُسلّح، يستمرّ الحفرُ وإحداث الخروق والبثور في وجه الصهيونية القبيح، تعطيل تقنياتها الإجرامية، عملية عطب أعصابها واستنزافها، تستمرّ الإرادة الجبّارة في النحت على وجهِ التاريخ العنيد، ما زالت الملعقة تحفُر كل يوم، وستبقى، إلى أن تملأ الأرضية التي ينبني عليها الكيان بالحُفر والأنفاق، فيتهدّم ويذوي من تلقاء ذاته..

هذا بعضُ ما أراد أن يقولهُ الأحرار الدين لم تُتح لهم فرصة الإدلاء بتصريحات صحفية، لكنّ فعلهم يقولُ ما لا يُحصى من المعاني..

تستمر الملعقة، تستمر المقاومة.

دلالات
الأكثر قراءة
00:00:00