هل الوجود الإسلامي في الغرب تحد أم فرصة؟

الصورة

بقلم: صالح نصيرات

تنقسم آراء الناس حول الوجود الإسلامي في الغرب إلى رأيين أساسيين، مع وجود آراء أخرى أقل أهمية، فالوجود الإسلامي في الغرب ليس جديدا، فقد بدأ مع فتح الأندلس عام 90 هجرية، ثم تعمق هذا الوجود مع تمدد الفتح ووصوله إلى أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة الإيبيرية "أسبانيا والبرتغال اليوم"، وكذلك إلى جنوب إيطاليا وجنوب فرنسا، ولا ننسى أن الدولة العثمانية وصلت إلى معظم بلاد شرق أوروبا و البلقان، وضمت أجزاء منها إليها، ولكن تلك البلاد استقلت عن الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

ومع خروج المسلمين من الأندلس، ومرور العلاقة بين العرب تحديدا والغربيين بمراحل صراع مباشر تمثل في دورتين مهمتين هما الحروب الصليبية والاستعمار الحديث، أصبحت العلاقة بين الطرفين تزداد سوءا، وتتعمق مشاعر الكراهية بينهما، ولكن أدى الاستعمار الحديث أيضا إلى هجرة مسلمين من بلادهم إلى الغرب لأسباب كثيرة منها العمل وهروب عملاء الاستعمار الذين حاربوا أبناء جلدتهم إلى جانب المستعمر.

ولاشك بأن الدول الغربية التي استعمرت أفريقيا وآسيا تركتها قاعا صفصفا، فنهبت ثرواتها خاصة في أفريقيا، وقضت على حضارتها، وحاولت ضم دول إليها كالجزائر، ونصّبت على دولها حكاما مستبدين خدموا المستعمر، وكرّسوا التخلف والتبعية السياسية والاقتصادية، وقضوا على الكثير من أحلام الأفارقة و الآسيوين، ورغم ذلك كله، فلم يقدّم الغرب أية إشارات اعتذار أو شعور بالندم على جرائمه.

وانتقل الوجود الإسلامي إلى مرحلة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية وحصول البلاد الإسلامية على الاستقلال الشكلي عن تلك القوى الاستعمارية. حيث احتاجت أوروبا إلى الأيدي العاملة للعمل في مصانعها ومزارعها وحتى دوائرها المختلفة، بعد مقتلة الحرب الكونية التي أودت بحياة الملايين من أبناء القارة على أيد بعضهم البعض، كما فتحت أمريكا أبوابها للعرب والمسلمين وغيرهم منذ بداية القرن العشرين لنفس الغرض، وازدادت وتيرة الهجرات خلال العقود السبعة الماضية، حيث وصل إلى الغرب أعداد كبيرة من الطلاب للدراسة والعمل.

وبقي المسلمون على هامش الحياة الأوروبية، يعملون في مصانع دولها وفي الوظائف الدنيا حتى عهد قريب، ولكن مع ازدياد الأعداد بدأت الحاجة تزداد لبناء مؤسسات دينية ومساجد ومدارس إسلامية للمحافظة على ثقافة أبناء المسلمين ودينهم، وظهرت أيضا على السطح حركات وجماعات إسلامية تقود العمل فيها أملا في تعريف المسلمين بدينهم، وكذلك الانفتاح على سكان البلاد وتعريفهم بالإسلام.

وهذا كله أثار حفيظة الدوائر الاستخباراتية، والقوى اليمينة المحافظة والمؤسسات الدينية غير المسلمة أيضا، ورغم علمانية أوروبا وإعلانها الالتزام بشرعة حقوق الإنسان، وحرياته للأفراد في الممارسات الدينية الخاصة بهم، إلا أن كثيرا من تلك الدول لم تستسغ الوجود الإسلامي بمؤسساته وطقوسه وشعائره، وكذلك الحال بالنسبة لرفض عامة المسلمين لقيم غربية مخالفة للإسلام. وهذا أدى إلى أن تقوم تلك الدول بمجموعة من الممارسات والإجراءات التي تحد من الوجود الإسلامي، وتفرض عليه حدودا تخالف فيها المبادىء العلمانية التي تزعم الالتزام بها.

وأصبح هاجس اليمين الغربي والدوائر الاستخباراتية التخفيف من الأثر الذي يمكن أن يتركه الوجود الإسلامي على "القيم" الأوروبية التي تناهض الدين، وتمنح الفرد الحريات المطلقة في أساليب الحياة وطرائقها إلا في إظهار الشعائر الدينية والإسلامية خاصة.

ولا شك بأن ما حصل بعد 11 من أيلول "سبتمبر"، وحوادث التفجيرات التي حصلت في عواصم أوروبية قد أدى إلى حملات منظمة ضد الوجود الإسلامي، رغم أن عامة مسلمي أوروبا وأمريكا كانوا الأكثر تضررا من تلك التفجيرات، وليسوا هم من قام بها، وإن كان بعض الشباب المسلم قد اتخذ من العنف سبيلا، إلا أن عامة أبناء الجاليات المسلمة ومؤسساتهم رفضوا تلك الممارسات، ولكن ذلك لم يشفع لهم أمام الدوائر الأمنية والتجمعات اليمينية، فأصبحوا موضع شك أدى إلى إجراءات تعسفية بحق كثيرين.

كما أن موجة التحريض والإفساد والتآمر على مسلمي أوروبا وأمريكا من قبل المؤسسات الصهيونية والأنظمة العربية المستبدة، قد ساهمت في إعطاء الغربيين مزيدا من المبررات للتضييق على الجاليات المسلمة والعربية خاصة.

إن بناء علاقة سليمة بين الطرفين لا بد منه، فالوجود الإسلامي اليوم حقيقة واقعة، ولذلك فإن على الجانبين إدراك خطورة اللجوء إلى تأزيم العلاقات بينهما، فالتحدي الذي قد يظهره بعض المسلمين مضر بهم وبجالياتهم، وكذلك الظلم الذي تمارسه كثير من الدول الغربية على مواطنيها من المسلمين مرفوض ولا ينسجم مع ما تعلنه تلك الدول من احترام للإنسان، لذلك أتقدم بهذين الرأيين أولهما يتعلق بالمسلمين أنفسهم، والثاني بالحكومات الغربية.

أما ما يتعلق بمسلمي الغرب، فعليهم أن يسلكوا في حياتهم بما يأمرهم به دينهم من أخلاق عالية في العمل والجوار واحترام للآخر والتزام بالقانون، والعمل سلميا مع المؤسسات القانونية والمجالس التشريعية لتحسين أوضاعهم في حال صدور قوانين جائرة بحقهم، وأن ينخرطوا في خدمة مجتمعهم بحيث لا ينظر إلى وجودهم على أنه تحد للغرب وقيمه وأنظمته، بل إضافة مميزة في ميادين العلم والخدمة الاجتماعية، ونشر قيم الإسلام التي تحارب الجريمة وتساهم في تقليل آثار العلل والأمراض الاجتماعية التي تفشت في المجتمعات الغربية، كما أن عليهم أن يدركوا أن في الغرب فئات كثيرة مسالمة ومتصالحة مع العرب و المسلمين، ولديهم مشاعر إيجابية تجاههم، ولا يجوز التعامل مع الجميع بنظرة سلبية واحدة، بل الأصل بناء تحالفات والعمل معهم على تكريس الجوانب المشتركة والقيم الإيجابية لمصلحة المجتمع كله، وعليهم أيضا أن يدركوا أن الآخر لا يعرف كثيرا عن الإسلام إلا من خلالهم، وأنهم يمثلون الإسلام فليتقوا الله في دينهم؛ فالصدق والأمانة والعدل والرحمة ليست أقوالا تتبجحون بها، بل أفعالا تقدمونها دليلا على فضيلة الدين وحقيقته الربانية، 

 أما الحكومات الغربية، فعليها أن تؤمن بحق المسلمين -كغيرهم- في ممارسة شعائرهم، وبناء مدارس ومساجد ومراكز دينية تغرس في الأبناء دينهم وقيمهم، وحقهم كمواطنين في إنشاء المؤسسات القانونية والانخراط في العملية السياسية كي يمارس فيها المسلمون حقوق المواطنة الحقيقية ضمن القوانين المرعية في البلاد، كما أن عليها أن تكون أكثر نضجا ووعيا، فتتعامل مع المخالف للقانون كفرد ومواطن وليس كمسلم يمارس تحديا لها، فعامة المسلمين يلتزمون بالقانون، ويساهمون ببناء المجتمع وتقدمه.

كما أن على تلك الدول أن تنظر إلى الوجود الإسلامي فيها على أنه فرصة لبناء علاقة صحية مع العالم الإسلامي، والتعرف عن قرب على الإسلام ممثلا في شخوص وتجمعات مسلمة تعنى بمجتمعها الجديد، وتعيش معه بسلام، فالمسلمون في العالم بشكل عام متشككون في الغرب ونواياه تجاه بلادهم، ولدى مسلمي الشرق أيضا الكثير من الألم لما تتخذه الدول الغربية من مواقف سلبية تجاه شعوبهم، خاصة عندما تقف مع المحتل، وتناصر المستبدين الذين يجثمون على رقاب كثير من الشعوب العربية والإسلامية.

الأكثر قراءة
00:00:00