نقد وتحقيق في تحذير خبيرة اقتصادية هندية من انهيار 69 دولة نامية

الصورة
ليث أبو نواس
ليث أبو نواس

بقلم: ليث أبو نواس

انتشر مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مرئي لتقرير صحفي أعدته الصحافية بالكي شارما وهي تعمل في مؤسسة "وي أون" الإخبارية اختصارا لكلمات باللغة الإنجليزية ترجمتها تعني "العالم في أخبار واحدة"، قناة إخبارية هندية تعرف عن نفسها بأنها "مجموعة من الصحافيين الشباب المحنكين والجريئين متعددي الجنسية" والذين يعملون على نشر الأخبار والتقارير باللغة الإنجليزية حول مختلف القضايا العالمية ومقرها في نيودلهي.

الصحفية شارما تحمل شهادة جامعية في الصحافة، وعند البحث في سيرتها العلمية والعملية، وجدت أنها متخصصة في الإعلام وقد مارست العمل الصحافي كقارئة أخبار في قناة CNN الإخبارية مكتب الهند، ومن ثم انضمت إلى "وي أون" كقارئة أخبار ومقدمة برامج ومن ثم أصبحت مديرة تحرير ومعدة لبرنامج إخباري يتناول قضايا العالم السياسية والاجتماعية.

يجدر بالإشارة أنه لم يثبت من خلال البحث أنها تحمل أي مؤهل أكاديمي في الاقتصاد أو أنها تملك الخلفية العلمية أو المشاركة البحثية الموثقة في مجال الاقتصاد.

اقرأ المزيد: خبيرة اقتصادية هندية: 69 دولة في العالم النامي ستنهار مالي

مشاهدات من تقرير بالكي شارما

يبدأ التقرير بالإشارة إلى عقد 1980 وتمهيد عقل المشاهد لاستقبال فكرة سقوط الدول بشكل متعاقب بسبب ظروف اقتصادية أو كما وصفته شارما بتأثير الدومينو لما حدث في دول أمريكا اللاتينية، مبررة حدوثه بالظروف الاقتصادية السيئة وارتفاع الديون والصدمات في أسعار المحروقات، الأمر الذي أدى إلى انهيار الدول بشكل متلاحق ابتداء من المكسيك ثم البرازيل والتشيلي ثم الأرجنتين وباقي الدول المحيطة.

ومن ثم تساءلت شارما هل أن تأثير الدومينو سيظهر مرة أخرى في العصر الحالي؟! حيث أن الظروف الاقتصادية نفسها تظهر في الدول الفقيرة مثل سيريلانكا بعد حدوث الأزمة العالمية لسداد الديون السيادية والتي تمر بها الدول النامية، كما استشهدت بعنوان مقال تم نشره بتاريخ 15-02-2022 من قبل صحيفة دويتشه فيله الألمانية، ويحمل عنوان: "البنك الدولي يحذر من أزمة ديون في الأمم النامية" والذي يتحدث عن مشاكل وتحديات تمر بها دول العالم بعد انقضاء جائحة كورونا 2020 وما خلقته من هشاشة في الدول النامية، والذي سينعكس على مقدرة هذه الدول على سداد ديونها وخاصة الديون السيادية.

ومن ثم تقوم شارما بذكر دول عربية بتفصيل حالتها الاقتصادية كمصر وتونس ولبنان و تمر سريعا على ذكر دول لاتينية دون تفصيل مشابه لما تذكره عن تركيا، مشيرة إلى أن هذه الدول مرشحة لأن تشهد ما شهدته سيريلانكا.

وهذا التقرير بعد مشاهدته يترك الانطباع بأن الدول العربية والإسلامية المذكورة تفصيلا ستصيبها حتما حالة انهيار كالتي أصابت سيريلانكا، ويترك تقريرها المشاهد العربي في حيرة وقلق حول المستقبل المجهول الذي يسير نحوه.

البينات والرد

بداية أرغب في العودة إلى مقدمة التقرير حول قضية تأثير الدومينو، حتى أوضح لبسا تجاهلته شارما في تقريرها، حيث أنها ارتكبت مغالطة بدمجها بين السببية والارتباط، فانهيار دول أمريكا اللاتينية عام 1980 كان مرتبطا بعوامل وظروف خلقتها سياسية العزل التي انتهجتها الولايات المتحدة في محاربة الامتداد الشيوعي في الدول المحيطة بها، بحيث أن الولايات المتحدة كانت تؤمن بنظرية الدومينو والتي يمكن أن تختصر بـ "وجود دولة واحدة بنظام شيوعي سيؤدي إلى انتشاره في الدول المحيطة وتأثرها بالشيوعية حكما"، ولذلك كانت سياسة الولايات المتحدة وحلفاؤها بمحاربة هذا الامتداد من خلال ممارسات جيوسياسية وتحالفات أدت إلى محاصرة وتضييق الخيارات الاقتصادية أمام هذه الدول مما ارتبط بشكل مباشر بانهيارها.

ومن هنا نعلم أن إسقاط ما يحدث في هذه الأيام من أزمات غذاء واقتصاد وتراكم ديون بعد مرور جائحة وبائية مثل كورونا 2020 وربطها بما حدث في أمريكا اللاتينية هو إسقاط ينقصه العامل الجيوسياسي؛ فلا توجد قوة عالمية اليوم تحارب الدول النامية أو تحارب الدول منخفضة الدخل "حسب تصنيف البنك الدولي" بسبب تبنيها لسياسات اشتراكية كما كان الواقع في عام 1980.

وإن وجد نزاع سياسي بين روسيا وأوكرانيا، وما فيه من حرب جيوسياسية تقوم به دول تحالف الناتو ضد روسيا لربما يكون بسبب نظرية الدومينو، و إن تحقق في الداخل الروسي والدول الحليفة فهذا تحليل استباقي و غير ناضج حيث إن جدوى العقوبات وتأثيرها الاقتصادي مختلف تماما عما حدث في العقود السابقة؛ ذلك أن اليوم وفي عصر الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات وجيل ويب 3 وتقنيات العملة الرقمية، جميعها عوامل جعلت خلق العزلة الكاملة وإحكامها على أي دولة أمرا صعبا خاصة إذا كانت هذه الدولة تملك موارد كما تملكه روسيا والدول الحليفة لها.

أما فيما يتعلق بذكر الدول العربية والإسلامية وربطه بمقال دويتشه فيله، فهي إضافة من شارما في التقرير، حيث أنني وبعد العودة إلى المقال الأصلي باللغة الإنجليزية، لم أجد ذكرا محددا أو تسليطا للضوء على هذه الدول، بل إن تقرير الصحيفة الألمانية كان يتحدث عن العموم حول مشكلة سداد الديون السيادية مستشهدا بتقرير البنك الدولي.

وعند العودة إلى التقرير الذي نشره البنك الدولي "تقرير عن التنمية في العالم 2022" حول الديون والمخاطر بعد مرور جائحة كورونا، تبين أن هذا التقرير يصدر بشكل دوري من البنك الدولي لدراسة مخاطر السداد والقروض الممنوحة، ولم أجد أي تحذير مخصص لأي دولة دون عن الأخرى، بل إن اللغة المستخدمة هي لغة التعميم والجمع كحال مختلف التقارير التي تصدر بشكلها الدوري، إضافة إلى أن التقرير وجه التحذير نحو الدول المصنفة كدول ذات دخل منخفض وهي وبحسب تصنيف البنك تعد 27 دولة وفيها فقط 3 دول عربية وهي سوريا واليمن وليبيا.

تساؤل برسم الإجابة

ومن هنا أرى أن التقرير الذي أعدته شارما يفتقر إلى معايير التحقيق والبحث والدقة وتحري الصواب في النقل، بل وفيه محاولة لربط حالة الضعف الاقتصادي في الدول العربية والإسلامية المذكورة ولصقها بتقارير تتحدث عن عموم لا خصوص.

وهذا التصرف الذي يفتقد المهنية والحنكة الصحافية يفتح الكثير من التساؤلات حول توجه وغاية الناشر، وكيف لقناة تصف نفسها بالحنكة والجرأة وتدعي المصداقية والتحري العميق لتعزيز إطلاع الناس على الأخبار بصدق ودون حيادية أو خدمة لأجندات خفية، أن تمارس عمل الصحافة الصفراء التي تنشر الرعب والإشاعات دون أي أساس بحثي سليم أو استقصاء صحافي لغايات إما أن تكون سياسية أو تجارية.

على ما يبدو أن شبكة العالم الواحد الذي تراه هكذا صحافة هو ذلك العالم الإقصائي ذو المعايير المزدوجة، والذي لا وجود فيه للدول التي تخالف الديموقراطية الحديثة وما إلى ذلك!

وهذا يعزز الفكرة الأعم، أن الفضاء الإلكتروني أصبح اليوم أداة سهلة تستخدم لنشر مثل هذه الأخبار الصفراء، لزعزعة ثقة الناس بحكوماتهم وخلق حالة من العشوائية في تبني الآراء فتشكل غوغائية أكثر من أن توصف بالجرأة، ومن يتابع التوجه العام للهند كدولة فهي تمارس العديد من التصرفات التي تظهر دعمها لقيام دولة إسرائيل والتطبيع، وتنظر إلى الإسلام على أنه آفة يجب محاربته داخل بعض الولايات الهندية كل يوم! ولا ندري إن كانت مثل هذه التقارير هي لخدمة هذه الأجندة أم أن التشابه في الغاية ما هو إلا محض صدفة؟!

دلالات
الأكثر قراءة
00:00:00