ثقافه النقد والمحاسبة أول خطوة نحو التغيير

الصورة

بقلم: لؤي الفروخ

الأصل أن البشر معرضون للأخطاء، والأصل أن يتعلم الإنسان من أخطائه ويقوِّم نفسه تلقائيا، لكن الطبيعة البشرية من حيث الاعتداد بالنفس والاعتقاد أن ما يقوم به أي شخص هو الصحيح أضعفت خاصية التقويم الذاتي للنفس البشرية، مما يجعلها بحاجة للنقد من الآخرين، حيث يستطيع الآخرون من بيان أماكن الخلل التي تغيب عنا.

والنقد هنا غير المحاسبة لأن المحاسبة تكون لمن تقلد منصبا عاما لخدمة الناس، أما النقد فهو للجميع الخاص والعام.

وبالتالي فإن النقد هدفه التصحيح وليس التجريح أو النيل من شخص آخر أو تصفية حسابات أو تهميش الإنجازات.. إلخ، وضمن هذا السياق فإن النقد شيء جيد، والأصل أن يتم تقبله بصدر رحب لأنه يصب في مصلحة الشخص.

لكن المتابع للواقع الذي نعيشه في عالمنا العربي بشكل خاص أو في الدول النامية بشكل عام، يرى أن النقد غير مقبول ويقابل بالهجوم على الطرف الآخر، فبمجرد انتقاد شخص يشتاط غضبا ويبدأ في الدفاع أو التبرير، هذا إذا لم يبدأ بالهجوم المضاد والتجريح.

فالكل يعتبر أنه على حق وأنه يمتلك الحقيقة وأنه أفضل إنسان وأنه وأنه.. وكان الأجدى أن يستمع ويتحقق وإن وجد خطأ يعمل على تقويمه، لكن الاعتداد بالنفس يجعل من الصعب تقبل النقد خاصة إذا جاء ممن هو أدنى مرتبة سواء في العلم أو الحالة المادية أو المنصب، فالمدير لا يقبل نقد الموظف والأب لا يقبل نقد الابن والحاكم لا يقبل نقد الشعب له.

هذه الإشكالية وغياب هذه الثقافة كانت ولا تزال نتائجها كارثية علينا لدرجة أن أصحاب السلطة أو من تقلدوا المناصب العامة أو من بيدهم القوة أو السلطة يقومون بتصفية من ينتقدهم بالاغتيال أو السجن أو النفي أو التضييق عليهم، والأمثلة كثيرة على ذلك من ناجي العلي إلى خاشقجي.. والسجل مليء بالأسماء.

الطامة الكبرى ليس في رفض النقد أو المحاسبة وليس في التضييق والتخلص من كل من ينتقد أو يحاسب، بل في سن التشريعات والقوانين التي تجعل من الحاكم خارج دائرة النقد وخارج دائرة المحاسبة بالقانون أو بنص الدستور حتى يتم تجريم كل من يفكر في نقد الحاكم أو المسؤول بالقانون.

ويصبح الحاكم في درجة الإله، لا يسأل عما يفعل، وهذا أدى إلى تراجع وهبوط وتخلف ما بعده تخلف، وأدى إلى تقديس الأشخاص وإلى نشر ثقافة أن كل ما يصدر عنهم صحيح وغير قابل للنقد.

فكانت النتيجة قرارات خاطئة وتعيينات في غير محلها، وتخبط سياسي واقتصادي وظلم اجتماعي إلخ.

وللأسف الشديد لا الكُتَّاب ولا النخب السياسة ولا قادة الفكر أو الأحزاب أو النواب في الغالب وقفوا أمام هذا التعدي الخطير أو حاولوا تغييره، بل رضوا بهذه الدساتير وهذه القوانين التي تقدس الحاكم وتجعله خارج دائرة النقد والمحاسبة.

فالنقد أول خطوة في التغيير، فرضي الله عن عمر بن الخطاب الذي قال: "رحم الله أمرا أهدى إلي عيوبي"، ورضي الله عن أبو بكر الصديق الذي قال عندما تولى الحكم: "أيها الناس لقد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعيونني وإن أسأت فقوموني".

فالقوي والمخلص والحريص على الناس ليس بحاجة لحصانة أو دستور أو قانون لحمايته، بل الناس هم الحصانة وهم القانون وهم الدستور.

الأكثر قراءة
00:00:00