حق العودة والتعويض
ظل الفلسطيني على مدى سنوات من عمر النكبة متمسكا بحقوقه، ومنها حق العودة والتعويض، وكلما رأى بوادر حل للقضية الفلسطينية أو مباحثات سلام بين أطراف فلسطينية أو عربية يُعيد تكرار هذه المطالب، ليعود كل مهجر إلى بلدته التي طرد منها، وفق المواثيق الدولية، إذ إن كل الاتفاقيات والمباحثات التي كانت تجرى لم تلغ هذا الحق المقدس.
ولكن "إسرائيل" وعبر كل الاتفاقيات التي وقعتها لم تعترف بالحقوق العربية، وما تزال لغاية الآن تماطل في تنفيذ الاتفاقيات، وتغمض عينيها عن الحقوق العربية في فلسطين.
حق العودة والتعويض المعاملة بالمثل
الآن، وفي ظل امتدادها في المنطقة العربية وعقد اتفاقيات سلام مع دول عربية وطموحاتها التوسعية بعقد اتفاقيات مع دول عربية أخرى، تسقط دولة تلو الأخرى؛ فإنها تفتح موضوع "طرد اليهود من الدول العربية"، وكأنها ترفع شعار "حق العودة والتعويض"، ليكون حق لها في التفاوض، وتجدها فرصة مناسبة لمواجهة قضية هجرة اليهود في الدول العربية "وما تعرضوا له من تمييز واضطهاد"، لا يقل عما تعرض له الفلسطينيون بحسب ادعاءاتها، وكأنها تريد أن توصل رسالة أن المعاملة بالمثل.
معروف أن الكيان المحتل يبحث له عن أي مستندات ووثائق قانونية، سواء فيما يتعلق بديموغرافية السكان أو التراث أو المباني أو أي وثائق تاريخية أخرى، كما يحاول إثبات أن له أماكن تاريخية وتراثية في القدس، ولا تتوقف مساعيه عن إثبات هذه الادعاءات، محاولا حتى تغيير الحجر ،ولكن رغم كل المحاولات من علماء الآثار والمؤرخين اليهود لم يتم العثور على أي وثائق تثبت تاريخهم في المدينة.
إحياء حق العودة لليهود
وتنشط الصحافة العبرية لاستغلال حالة الامتداد الصهيوني في الأرض العربية وجلب المزيد من الدول العربية بالتوقيع على اتفاقيات التطبيع غير المسبوقة مع الدول العربية، والتوسع في انضمام دول إلى "اتفاقية ابراهام"، ليكون هذا السلام المزعوم في خدمة الاحتلال، لذلك تجدهم يعملون على تنفيذ أحلامهم في غياب الفعل العربي المؤثر، بإثبات أن لهم حقوق أغفلت على مدى سنوات، فهم الذين تعرضوا إلى الطرد من البلاد العربية، ويطالبون بإحياء مطالب جاء وقتها، وهي حق العودة والتعويض، فقد سبق أن أقر الكنيست عام 2014 أن لليهود حق في بعض الدول التي كانوا يعيشون بها، لذلك لا بد من إحياء ما يدعونه بطرد اليهود من الدول العربية وإيران.
كان الغرض من هذا الطرح، التعرف على الصدمة الجماعية لليهود الشرقيين عندما أقيمت "إسرائيل" على 1948 على حساب طرد العرب وتهجيرهم في بقاع الأرض، ولكنهم يريدون توجيه رسالة للعالم أنهم هم الذين طردوا من البلاد العربية التي كانوا يعيشون بها، للتغطية على جرائمهم.
مع أن اليهود الذين كانوا يعيشون في الدول العربية وعلى مختلف المراحل عاشوا بحرية ولم يتعرضوا لأي عمليات طرد وخرجوا إلى فلسطين تحت إغراءات الحركة الصهيونية التي كانت تشجعهم على الإقامة في "أرض الميعاد"، وفي حملتهم هذه لا يريدون العودة إلى البلاد العربية التي خرجوا منها ولكنهم يريدون إسكات العرب كي لا يظلوا يرددون بأن لهم حقا في العودة والتعويض.
الاحتلال لا يعترف بالحقوق العربية
"إسرائيل" لا تعترف بأي حقوق للعرب في فلسطين ولا ترغب في أي مفاوضات سلام حقيقية، وهي تماطل بالاعتراف بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وكما استطاعت أن تؤثر على الرأي العام العالمي فهي الآن تسعى مع شركائها العرب لإقناع العالم بالحقوق اليهودية في البلاد العربية، وتريد أن تقول لهم: كما أن لديكم تاريخا في المنطقة فنحن لدينا تاريخ ممتد لآلاف السنين، ولنا حقوق أيضا ولاجئون ومهجرون.
طبعا "إسرائيل" لا تخاف من العرب ولكنها تعرف متى توجه رسائلها، وفي هذه المرحلة فالفرصة مهيأة لها لكسب المزيد من الأرض والتوسع والهيمنة على المنطقة، وذلك بعد توقيع الاتفاقية الإبراهيمية، أصبح الصوت يعلو، حيث تدعي أن هناك 900 ألف يهودي كانوا يعيشون في البلاد العربية وأصبحوا لاجئين، بعد أن تعرضوا لمضايقات وتهديد، والآن يجب الاعتراف بحقوقهم كونهم أجبروا على ترك مناطقهم التي كانوا فيها، كما أن لهم حقوق مالية من خلال حجم الممتلكات التي تركوها وراءهم وتقدر بحوالي 150 مليار دولار من الممتلكات.
هذا الطرح اليهودي الموجه للعرب بأن هناك معاناة وتاريخا منسيا لم يحظ بالاهتمام المناسب، بالنسبة إليهم فقد حان الوقت للتذكير به، من قبل المفاوض الإسرائيلي كونه يعطي قوة للدبلوماسية الإسرائيلية للتفاوض في مواجهة هذه القضية مع الدول العربية.
هذه الادعاءات الكاذبة لن تمحو تاريخنا في فلسطين منذ زمن الكنعانيين ولن تمحو تاريخ شعب هجر من أرضه تحت تهديد السلاح والتحايل والتآمر الدولي، ومهما وقعت اتفاقيات مع دول عربية فلن تكون على حساب الحق الفلسطيني والحق العربي في المنطقة.