ساعة عقل.. الخيار العسكري في مواجهة الكيان الصهيوني

الصورة
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم محمد العودات | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

عند كل منعطف في القضية الفلسطينية نجد من يخرج علينا يطالب الأردن بالكف عن الشجب والاستنكار والمطالبة باستخدام الخيار العسكري أو التغافل عن الحدود وترك المقاومة تتحرك من الساحة الأردنية، قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الطرح شجاع وجريء وقادر على أن يحدث شيء على أرض الواقع؛ لكن من يقرأ التاريخ جيدا يجد الصواب بخلافه تماما، كيف ذلك؟! من يقرأ التاريخ والأحداث قراءة عميقة وواعية سيجد الإجابة المنطقية ماثلة أمامه.

الخيار العسكري في معركة 1948

في حرب 1948 دخلت الأردن الحرب إلى جانب خمسة دول عربية وجيش الإنقاذ الفلسطيني وبعض المتطوعين من دول عربية وإسلامية وخسرت جميع جيوش الدول العربية في تلك الحرب التي نشبت ردا على قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة والذي أعطى للشعب الفلسطيني دولة على 43% من أراضي فلسطين وأعطى للكيان الصهيوني دولة على 57% على أراض فلسطين المحتلة وترك القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية، ليتمدد الكيان الصهيوني بسبب الحرب إلى 78% من أراضي فلسطين ولم يتبق للشعب الفلسطيني إلا 22% من الأراضي، وبذلك تكون الحرب قد أضرت بالقضية الفلسطينية وأعطت الكيان الصهيوني أكثر من 21% من أراضي فلسطين أكثر مما أعطاهم قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة وكل ذلك لأن العرب دخلوا الحرب وهم في حالة ضعف مادية والتي كانت تتفوق فيها إسرائيل ماديا وعدديا على كل الجيوش العربية والمتطوعين.

حرب 1967 وحلم إنهاء الاحتلال

في حرب عام 1967 التي خاضت الجيوش العربية الأربعة مصر والعراق وسوريا والأردن الحرب ضد إسرائيل وهم في حالة ضعف فكانت النكسة كبيرة، إذ خسر العرب شبه جزيرة سينا في مصر وغزة والضفة الغربية والجولان السوري، وكل المبادرات العربية للسلام ومحاولات السلام الحالية تحاول إعادة إسرائيل إلى حدود ما قبل عام 1967 لكن الإسرائيلي يرفض ذلك والدولة المصرية هي الوحيدة التي استطاعت أن تستعيد شبه جزيرة سينا في حرب أكتوبر عام 1973، إذ كانت خسارة الجيوش العربية كبيرة في الأرواح والعتاد، حيث بلغت خسار الجيوش العربية أكثر من 25 ألف شهيد وكان عدد القتلى من الصهاينة لا يتجاوز 800 شخص وتم تدمير 80% من القوات العربية بينما كانت خسائر الكيان لا تتجاوز 5% من قدراتها وعتادها العسكري وكل ذلك لأن إسرائيل كانت تتفوق عسكريا في العدد والعتاد والقوة الاستخباراتية.

بعد حرب عام 1967 وإخفاق الجيوش العربية في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، اندفع المتطوعون من جميع الدول العربية لمقاتلة الصهاينة عبر خط المواجهة الأردني وتشكيل وحدات ما يعرف بالفدائية من كل الجنسيات العربية وإقامة مراكز تدريب وقواعد لهم في الأردن وفتح الأردن الباب للمقاتلين الفلسطينيين والعرب والإسلاميين التسلل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا الدعم الأردني للفصائل الفلسطينية لم تصبر عليه إسرائيل كثيرا وحاولت احتلال الأغوار الأردنية لإبعاد المتطوعين عن حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة لولا جهود الجيش الأردني في حرب الكرامة عام 1968 والتي كانت أول خسارة إسرائيلية في الصراع العربي الإسرائيلي، كما تطور الأمر بعد ذلك بانتشار السلاح في الساحة الأردنية إلى محاولة بعض الفصائل الفلسطينية الاعتداء على السيادة الأردنية قبل أن تحسم الدولة الأردنية هذه الفوضى لصالح استقرار الدولة وأمنها في عام 1970.

ذات المشهد تكرر في جنوب لبنان، وبعد أن طرد الجيش الأردني الفصائل الفلسطينية التي اعتدت على سيادة الدولة الأردنية عام 1970 توجهت إلى لبنان وتم الاعتراف في اتفاق القاهرة بحق الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يصبر طويلا على الوجود العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتم اجتياح جنوب لبنان وبقي جنوب لبنان محتلا منذ عام 1982 حتى عام 2000 والذي سمح خلال هذه المدة لحزب لله طيلة سنوات الاحتلال الإسرائيلي للبنان بامتلاك السلاح حتى أصبح سلاح حزب الله بعد الانسحاب الإسرائيلي عاملا من عوامل فشل الدولة اللبنانية وانهيارها وبوابة للتدخل الإيراني في السيادة اللبنانية.

هل هي دعوة للاستسلام والركون؟

هنا لا نحاول التضخيم من قوة الكيان -وهو بالحقيقة قوة كبيرة- ويملك أسلحة متطورة بما فيها أكثر من 90 رأسا نوويا ودعما غربيا غير محدود لأحدث التكنولوجيا وتقنيات السلاح، وإنما نسوق تلك الدروس لنتعلم منها أنه في حالات الضعف يجب علينا أن نكمن حتى لا نعظم خسارتنا، ونعمل بعد ذلك بكل ما نملكه من قوة وإمكانية من أجل نهوضنا وتقوية ذاتنا وبعد أن نملك من القوة الكفيلة بحماية أنفسنا من خسارات جديدة يمكننا أن نطرح فكرة خوض حروب مع العدو الصهيوني، والأيام دول والزمن لا يتوقف عند حال واحدة.

صورة تعبيرية | المقاومة تطلق رشقات صاروخية باتجاه عسقلان المحتلة
صورة لرشقات صاروخية أطلقتها المقاومة خلال 2023 ​باتجاه مدينة عسقلان المحتلة

هذا المنطق لا ينطبق على الفصائل الفلسطينية المقاومة، فليس أمام الفصائل الفلسطينية ما تخسره من أرض فكل فلسطين تحت الاحتلال وأي أعمال مقاومة أو مشاغلة من الفصائل الفلسطينية للكيان الصهيوني يمكن أن تحرر جزءا من الأرض كما حصل في الانسحاب الإسرائيلي من غزة أو يمكن أن تشاغل الكيان وتمنعه من التمدد وتثبيت وإرساء عناصر قوته، فمنطق الدول وتقديراتها ومكتسباتها وخسارتها غير منطق الفصائل ومكتسباتها وخسائرها.

في هذا المقال أتحدث عن قدراتنا وإمكانياتنا، ولا أتحدث عن قدرات لله وإمكانياته جلت قدرته، فالله قادر على كل شيء ونحن قادرون بمقدار ما نملكه، لأنه عندما نتحدث عن عدم قدرة وإمكانية الأردن في خوض حرب حاليا يرد البعض علينا وأين قدرة الله؟! في هذا المقال نتحدث عن قدرتنا لا قدرة الله، الله خلق في هذا الكون قوانين ونواميس ولا يكسر نواميسه إلا بمعجزة والمعجزات الإلهية انقطعت بانقطاع الوحي من السماء.

الدعوات غير الراشدة التي تقلل من الجهود الأردنية في القضية الفلسطينية وتريد منا فقط أن نقاتل الكيان الصهيوني هي خدمة مجانية للكيان الصهيوني لتحقيق مزيد من المكتسبات على الأرض في ظل اختلال ميزان القوة بيننا وبينهم، كما أن الدعوات التي تريد من الأردن أن يغض الطرف على الحدود مع الكيان الصهيوني هي دعوة للكيان لشن هجوم على المناطق التي يخرج منها التهديد في ظل اختلال ميزان القوة.

عندما تضعف الأمم والدول تكمن وتبقى في حالة سكون عسكري لكنها تواصل الليال بالنهار للعمل بجد واجتهاد في محاولة إعادة بناء ذاتها وامتلاك عناصر قوتها الاقتصادية والعسكرية وبعد ذلك يمكن أن تتحدث عن استخدام القوة في مواجهة المحتل، أما الحديث والمطالبة بضرورة استخدام القوة وشن حروب والسماح بتسلل السلاح والمقاتلين، من أجل إثارة الشعبويات وحماسة الناس يبني الأوهام لدى الشعوب ويعيق وقوفها على بداية الطريق الحقيقي للتقدم والنهوض وبناء ذاتها وقوتها، ويقدم خدمة مجانية للكيان الصهيوني لمزيد من تحقيق المكتسبات.

الأكثر قراءة
00:00:00