الخرافة المفقودة: كيف صنعت أسطورة عودة المسيح لتجميع اليهود في فلسطين؟

الصورة
بن غفير خلال اقتحام المسجد الأقصى
بن غفير خلال اقتحام المسجد الأقصى
آخر تحديث

تسعى الدعاية الصهيونية الحديثة إلى ترسيخ فكرة خطيرة مفادها أن المسيح لن يعود إلى الأرض إلا بعد أن يتجمع جميع يهود العالم في فلسطين، وكأن هذا التجمع شرط إلهي لا بديل عنه. وهذه السردية الممنهجة ليست إلا خرافة لا وجود لها في أي نص مقدس، لا في القرآن الكريم ولا في الإنجيل بعهديه، بل هي صناعة حديثة نسجتها مؤسسات سياسية ولاهوتية غربية لخدمة مشروع استعماري معاصر. 

1. القرآن لم يربط نزول المسيح بأي شرط

لم يربط القرآن الكريم نزول المسيح بأي شرط جغرافي أو سياسي، بل قدم الحدث كعلامة من علامات الساعة، لا علاقة لها بتجمع قوم بعينهم، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (الزخرف: 61). 

أما فساد بني إسرائيل فمذكور بمعزل عن أي "استحقاق خلاصي" أو دور خلاصاني لدولة قومية معاصرة. لا وجود لفكرة الوطن الموعود كشرط لنجاة اليهود.

2. الإنجيل لا يجمع اليهود كمقدمة للخلاص

الإنجيل نفسه —برغم حديثه عن عودة المسيح—لا يضع فلسطين شرطا، ولا يجمع اليهود كمقدمة للخلاص. لم يذكر المسيح في الأناجيل أي تعليم يقول إن اجتماع اليهود سيقرب مجيئه الثاني، وهو الذي طرد التجار من الهيكل، ووبخ الكهنوت اليهودي على النفاق والقتل، وقال بوضوح:
"يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء…" 

فكيف يصور اليوم خادما لمشروع سياسي صنعه من طرده بالأمس؟

3. ما يستند إليه الخطاب الإنجيلي-الصهيوني ليس نصا مقدسا

المرويات التي يستند إليها الخطاب الإنجيلي-الصهيوني ليست نصوصا مقدسة، بل تفاسير حاخامية وأفكار بروتستانتية ظهرت في أوروبا في القرن السابع عشر، ثم تضخمت في الولايات المتحدة تحت مسمى "الصهيونية المسيحية"؛ وهي حركة مشبوهة وظفت الدين لدعم احتلال أرض ليست لها، وتبرير تهجير شعب كامل.

4. الخرافة غطت الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل بلون "لاهوتي"

أخطر ما في هذه الخرافة أنها تحولت إلى أداة تعبئة للأصولية الأمريكية والكنائس الإنجيلية، فأصبح الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل مغطى بلون "لاهوتي"، بينما جوهره اقتصادي واستعماري واستراتيجي. هكذا تساق الجماهير باسم الخلاص الروحي لتغطية مشروع استيطاني على الأرض. 

5. الخرافة تشويه لجوهر الرسالة

إن ربط عودة المسيح بأرص محددة وشعب واحد هو تشويه لجوهر الرسالة نفسها. فالمسيح عاش للهوية الإنسانية الجامعة، لا القبلية العنصرية المختارة. لا وطن ديني ولا شعب مفضل أمام العدالة الإلهية، والكتب نفسها ترفض فكرة "الشعب الأعلى"؛ بل تدين التعصب، وتعلن أن الحق عام لا امتياز فيه. 

الحقيقة أن هذه الأسطورة جرى ضخها في العقول لشرعنة الاغتصاب، وإيهام العالم بأن الاحتلال مصير مكتوب وليس مشروعا استعماريا توسعيا. هكذا يراد لنا أن نقبل الواقع كـ"نبوءة"، وأن نستسلم لحقيقة لم يقل بها نبي ولا كتاب. 

إن مواجهة السرديات المزيفة ليست ترفا فكريا؛ بل دفاع عن الحق في وجه تزوير مقدس يبنى على جهل الناس وتعطش السياسة للدين. أكلت هذه الأكذوبة عقول الملايين، وحان الوقت لتفكيكها بالنص والعقل والتاريخ. فالرسالات الإلهية لا تقيم دولا على حساب شعوب، ولا تمنح الشرعية للاحتلال، ولا تروض لخدمة أيديولوجيا متعطشة للتوسع. ومن يتستر بالنبوءات ليبرر الدماء، إنما يصنع دينا على مقاس السياسة، لا على مقاس السماء.

اقرأ المزيد.. قراءة عربية لمسودة مشروع الولايات المتحدة في غزة

دلالات
00:00:00