قراءة عربية لمسودة مشروع الولايات المتحدة في غزة
تطل الولايات المتحدة على أروقة مجلس الأمن بمسودة مشروع قرار خاص، تطمح أن يتم تبنيه من جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ضمن إطار السلام الذي تتبناه إدارة الرئيس الأمريكي ترامب.
ازدواجية الموقف الأمريكي في مجلس الأمن
الولايات المتحدة ذاتها التي تلطخت أيدي ممثليها في مجلس الأمن بدماء الشهداء في غزة، جراء عرقلة جميع مشاريع القرارات السابقة المتعلقة بإيقاف جرائم الإبادة الجماعية في غزة، ضاربة جميع أخلاقيات العمل الإنساني الأممي ومعطلة لمجلس الأمن خلال السنتين المنصرمتين، ضمن غطاء حماية ودعم مطلق لمصالح الاحتلال.
مسودة المشروع والذي لم يتم اعتماده -حتى هذه اللحظة- كمسودة قرار تطرح على الدول الأعضاء من أجل التصويت، وإنما مجرد جملة من التسريبات التي حصلت عليها بعد تجميع مختلف المقالات التي نشرتها الصحافة العالمية مثل: رويترز وأكسيوس وأمثالها، الأمر الذي يطرح -بحد ذاته- الكثير من التساؤلات حول هذه التسريبات والهدف منها؛ فهي تشكل حالة من الزخم المعلوماتي الذي يمهد تقبل أفكار المشروع على المجتمع الدولي، وكأنها سياسة إعلامية ممنهجة تتبع من أجل الترويج لمشروع القرار في مختلف المستويات الرسمية والشعبية، وهذا ادعاء لا أستطيع التحقق منه ولا تقديم البراهين الدامغة على صحته حتى موعد نشر هذا المقال.
غموض التسريبات وأهدافها الإعلامية
ولكن وبافتراض أن التسريبات تحمل جزءا من الدقة، وعدم وجود أي أجندات وراءها، خاصة بعد مقارنة الفقرات الواردة من مختلف المصادر وتدقيق الترجمة، خلصت إلى نتيجة حتمية بأن مشروع القرار يحمل اختلالات أخلاقية فاضحة، على عكس ما يروج في وسائل الإعلام العربي، ما يدفعني للتساؤل بحق حول مدى قبول الدول الإسلامية والعربية لهذا المقترح؟! والتساؤل مبني على النقاط المحورية الآتية:
-
يفوض مشروع القرار لمجلس السلام وقوة الأمن الدولية سلطة مطلقة، حيث ورد في النص استخدام مصطلح "جميع التدابير اللازمة"، وهذا المصطلح أو التركيب اللغوي يوحي عادة في مختلف القرارات السابقة من مجلس الأمن بقبول تدخلات عسكرية واستخدام القوة في إنفاذ الولاية الدولية على قطاع غزة، في تعزيز فج لفكرة الوصاية الدولية على مصير الشعب الناجي من جرائم الإبادة الجماعية. واستخدام هذا التركيب يعني حتما أن القوة الأمنية الدولية ليست قوة "حفظ سلام" على غرار المتعارف عليه في مختلف النزاعات، وإنما هي قوة إنفاذ سلطة ووصاية على قطاع غزة تقوم مكان سلطة الاحتلال ولكن بصبغة أممية.
-
يحصر مشروع القرار مفهوم الأمن ضمن محاور الرواية والمصالح الإسرائيلية، بحيث يختزل الأمر بنزع السلاح في غزة، وإزالة عناصر عدم الاستقرار من الجانب الفلسطيني، دون الإشارة إلى اتخاذ أي إجراءات أو صلاحيات لقوة الأمن الدولية لمواجهة جذر المشكلة في وجود قوة الاحتلال العسكري، ولا يتحدث عن التصدي لهجمات جيش الاحتلال أو توقف الغارات الجوية التي تسببت بدمار شامل للبنية التحتية للقطاع.
-
القرار يتبنى مفهوم أمن "إسرائيل" كمحور أساس، ويجد أن الجهود المبذولة من جميع الجهات يجب أن يطرح من منظور أمني عسكري إسرائيلي، حيث ذكر في المشروع بنود تعطي الحق في تجاوز تصويت مجلس الأمن في اتخاذ أي تدابير لازمة لاحقا، يجدها المجلس الأمني مناسبة بما يتوافق مع حفظ أمن "إسرائيل"، ويشترط فقط موافقة "إسرائيل" ومصر على أي من هذه التدابير دون الرجوع لمجلس الأمن مصدر شرعية المجلس.
-
القرار يعزز التخوفات المشروعة من وجود قوة دولية عسكرية لمواجهة المقاومة في غزة، ويحصر الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين في معضلة غير أخلاقية بتاتا، بين اختيار قبول وصاية قوة دولية عسكرية، أو مواجهة جحيم الإبادة الجماعية مكتملة الأركان تحت وقع إجرام احتلال إسرائيلي تجاوز حدود التوحش في المنطقة.
للدفع نحو توضيح النقاط السابقة، قمت بتجميع مختلف النصوص المسربة ووضعتها ضمن ترجمة قانونية لتشكل محاكاة لمسودة المشروع، وقد تكون المسودة النهائية المطروحة على مجلس الأمن مختلفة النص، ولكنني أشعر بثقة عالية بأن الأفكار لن تخرج عن إطار ما هو مذكور تاليا:
نص مسودة مشروع الولايات المتحدة في غزة
فيما يلي نص مسودة مشروع القرار الذي قامت الولايات المتحدة بتداوله بين أعضاء مجلس الأمن بشأن غزة -كما ورد في التسريبات الأجنبية-:
أولا: أحكام عامة
-
يقرر إنشاء قوة أمن دولية في قطاع غزة، تعمل تحت قيادة موحدة مقبولة لدى "مجلس السلام"، ومخولة باستخدام جميع التدابير اللازمة لتنفيذ ولايتها وفقا للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.
-
تقضي الولاية بأن تقوم القوة بتأمين الحدود والمعابر في غزة مع كل من "إسرائيل" ومصر، وحماية المدنيين وممرات المساعدات الإنسانية، والتعاون مع قوة شرطة فلسطينية يجري تدريبها خلال مرحلة انتقالية تتزامن مع انسحاب تدريجي لمزيد من القوات الإسرائيلية من أجزاء إضافية من غزة.
-
تكلف القوة بالمساهمة في تهيئة البيئة الأمنية المستقرة في غزة، وذلك من خلال تأمين عملية نزع البيئة العسكرية عن قطاع غزة، بما يشمل تدمير ومنع إعادة بناء البنى الأساسية العسكرية والإرهابية والهجومية، فضلا عن الإنهاء الدائم لحيازة الأسلحة من قبل الجماعات المسلحة من غير الدول.
ثانيا: الترتيبات الحوكمية الانتقالية
-
ينشأ "مجلس السلام" بوصفه هيئة حوكمة انتقالية تتولى تحديد الأولويات وحشد التمويل لإعادة الإعمار، والإشراف على لجنة فلسطينية تكنوقراط لتسيير شؤون الإدارة المدنية اليومية، والتنسيق مع القوة الأمنية الدولية.
-
يستمر مجلس السلام في أداء مهامه طوال الفترة الانتقالية وحتى نهاية عام 2027 على الأقل، مع ما يلزم من ترتيبات المراجعة والتمديد وفقا لمقتضيات الحالة.
-
تعمل الترتيبات الأمنية والحكومية الانتقالية، بما في ذلك القوة الأمنية الدولية، بالتشاور الوثيق والتعاون العملي مع كل من مصر و"إسرائيل".
ثالثا: نطاق الولاية ومدتها
-
تحدد مدة ولاية القوة الأمنية الدولية بسنتين على الأقل، مع التأكيد على الإسراع في استكمال الإجراءات اللازمة للتصويت والنشر على مشروع القرار، والشروع في النشر الأولى للعناصر خلال أقرب إطار زمني ممكن، واستمرار الصلاحيات إلى نهاية عام 2027، مع إمكانية التمديد وفقا لما يلزم.
-
تؤكد طبيعة الولاية بوصفها ولاية إنفاذ لا حفظ سلام، على نحو يمنح القوة تفويضا باستخدام "جميع التدابير اللازمة" وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، متى كان ذلك منطبقا.
رابعا: التنفيذ والتنسيق
-
يطلب إلى جميع الأطراف المعنية، بما فيها الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، تقديم الدعم الكامل لترتيبات الحوكمة الانتقالية ونشر القوة الأمنية الدولية وتنفيذ ولايتها.
-
يحث على تيسير الوصول الآمن وغير المعرقل للمساعدات الإنسانية إلى جميع المدنيين المحتاجين في غزة، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة وخاضعة للتنسيق، وضمان حماية العاملين في المجال الإنساني والمنشآت المدنية الأساسية.
-
يهيب بالجهات المانحة والمؤسسات المالية الدولية والهيئات المختصة في الأمم المتحدة حشد الموارد اللازمة لبرامج الاستقرار العاجلة وإعادة الإعمار المرحلية، وفقا للأولويات التي يضعها مجلس السلام، وبالتنسيق مع القوة الأمنية الدولية واللجنة الفلسطينية التكنوقراط.
خامسا: الإبلاغ والمراجعة
-
يطلب إلى الأمين العام أن يقدم، خلال مدد منتظمة، إحاطات وتقارير مكتوبة إلى مجلس الأمن عن تنفيذ هذا القرار، بما في ذلك التقدم المحرز في نشر القوة الأمنية الدولية وأداء ولايتها، والتقدم في ترتيبات الحوكمة الانتقالية، وحالة حماية المدنيين والمساعدات الإنسانية.
-
يقرر أن يجري مجلس الأمن، في ضوء التقارير المقدمة والتطورات الميدانية، استعراضا دوريا لأحكام هذا القرار وولاية القوة الأمنية الدولية وترتيبات الحوكمة الانتقالية، والنظر في ما قد يلزم من تعديلات أو تمديد.
سادسا: أحكام ختامية
يؤكد أن أي ترتيبات أمنية أو حوكمية انتقالية تنفذ وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
ملاحظات الكاتب:
صيغت البنود بصياغة قرارات مجلس الأمن المعيارية (يقرر، يطلب، يؤكد، يحث، يهيب) وتراكيب "جميع التدابير اللازمة" للدلالة على تفويض إنفاذي وفق الفصل السابع عندما يقصد ذلك. وقمت بترجمة هذه التراكيب والصياغة بالرجوع إلى مرادفات في قرارات سابقة تم ترجمتها للغة العربية لتوخي الدقة، بمراجعة من معالج نصوص بذكاء اصطناعي محدد النطاق لغايات الترجمة القانونية الدقيقة.
اقرأ المزيد.. سلطة غزة الدولية الانتقالية.. عقلية الحل الغربي تعيد سلطة الانتداب البريطاني بصبغة أممية