شغل منصب الأمين العام للاتحاد العربي للأسمدة من 2020 إلى 2022
الأردن ومعركة المعادن: فرصة اقتصادية أم سباق عالمي؟
في حوار إذاعي ثري على أثير إذاعة حسنى استضاف الإعلامي حسام غرايبة المهندس أيمن عياش، الخبير في قطاع التعدين، للحديث عن التحولات العالمية في قطاع المعادن، وواقع الأردن في هذا المشهد المتغير.
جاء الحوار في وقت تتسارع فيه الأحداث العالمية المرتبطة بالتحول من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة المتجددة، مما رفع أهمية المعادن الحرجة والاستراتيجية والنادرة، التي أصبحت المحرك الرئيسي للصناعات التقنية والعسكرية الحديثة.
الصين تسيطر.. والغرب يستفيق
أوضح المهندس عياش أن العالم يشهد اليوم ما يعرف بـ"الميجا سايكل" في قطاع التعدين، شبيهة بثورة الذهب في القرن التاسع عشر. في قلب هذا التحول، تتربع الصين على 80% من سلاسل الإمداد العالمية للمعادن الحرجة، لا من حيث الاستخراج فقط، بل السيطرة على عمليات التكرير والمعالجة.
الصين، بحسب عياش، تبنت منذ 25 عاما استراتيجية تقوم على التغلغل في مناجم العالم، خاصة في إفريقيا، واستثمرت فيها عبر شركاتها المدعومة حكوميا، بغض النظر عن الربحية. الهدف كان السيطرة لا على الخام فقط، بل على السوق كاملا، من المنجم إلى المصنع، مما جعلها اللاعب الأول في صناعات البطاريات والمغناطيسات الدقيقة والرقائق الإلكترونية.
هذا التفوق الصيني أجبر الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا على التحرك سريعا، فأقرت قوانين جديدة، أبرزها "قانون خفض التضخم" الأمريكي (IRA) الذي يمنح الشركات التعدينية تسهيلات مالية ضخمة، ويهدف لاستعادة الهيمنة الغربية على سلاسل الإمداد.
موقع الأردن في قلب الفرصة
وسط هذا المشهد المحتدم، يأتي السؤال: هل يمتلك الأردن فرصة حقيقية ليكون جزءا من معركة المعادن العالمية؟
بحسب المهندس أيمن عياش، الجواب نعم وبقوة. فالأردن يقع جغرافيا وجيولوجيا ضمن ما يعرف بـ"الدرع العربي النوبي" وهو حزام جيولوجي يمتد من السعودية ومصر والسودان، ويعد من أغنى المناطق بالمعادن على مستوى العالم، ولم يُستثمر بعد بالشكل الكافي.
ومن خلال التشابه الجيولوجي بين مناطق جنوب الأردن والمناطق المنتجة للنحاس والذهب في السعودية، فإن هناك دلائل قوية على وجود معادن مهمة مثل:
-
النحاس.
-
الرصاص والفضة.
-
المغنيسيوم.
-
اليورانيوم والفاناديوم.
-
المعادن النادرة المستخدمة في الصناعات الدقيقة والعسكرية.
وأكد عياش أن هذه الثروات قد تكون ليست بكميات هائلة، لكنها تكفي لأن تكون رافعة اقتصادية قوية إذا أحسن استغلالها.
الفرصة تتطلب تغييرات جذرية
رغم امتلاك الأردن للموقع والثروات، أشار المهندس عياش إلى عدد من العوائق التي يجب معالجتها حتى يصبح الأردن لاعبا فاعلا في قطاع التعدين:
1. غياب قاعدة بيانات رقمية موثوقة
الأردن بحاجة إلى إنشاء ما يعرف بـ"غرفة بيانات التعدين الرقمية" (Digital Mining Data Room)، أسوة بالدول المتقدمة، لتسهيل عمل المستثمرين وتمكينهم من الوصول للمعلومات الجيولوجية عن بعد.
2. تشريعات غير محفزة
حاليا، تعتمد الحكومة أسلوب "مذكرات التفاهم" بدل عقود الاستثمار الرسمية، وهو ما يربك المستثمرين، خصوصا أن المشروع بعد الاستكشاف لا ينتقل تلقائيا إلى مرحلة التعدين، بل يحتاج موافقات إضافية، أبرزها من مجلس النواب.
3. غياب الحوافز المالية
عمليات التنقيب والاستكشاف مكلفة جدا تصل كلفتها إلى 50 مليون دولار في المتوسط، وتحتاج إلى شركات ناشئة متخصصة، تعرف بـ"Junior Mining Companies"، وهي بحاجة إلى دعم حكومي، على غرار ما تفعله السعودية (تمويل 70%) وأستراليا (دعم سنوي يفوق 7 مليار دولار).
ما الذي يستفيده المواطن؟
سؤال مشروع طرحه غرايبة على ضيفه: "ما الفائدة التي سيجنيها المواطن الأردني؟"
أجاب عياش بأن قطاع التعدين يخلق وظائف ذات أجور مرتفعة، خاصة في المناطق النائية، ويحرك قطاعات متعددة: من النقل والبنية التحتية، إلى التعليم والخدمات، كما يعزز الإيرادات الحكومية.
ضرب مثالا بمنجم السكري في مصر، الذي أدى إلى نشوء مدينة متكاملة حوله، ورفع مستوى معيشة السكان بشكل كبير، مؤكدا أن هذا هو النمط العالمي في مشاريع التعدين الكبرى.
تجارب واعدة في الأردن
كشف المهندس عياش أن شركته الوطنية تعمل حاليا على استكشاف في غور فيفا بالشراكة مع شركات عالمية، وهو نموذج أردني يحاكي ما يحدث في العالم: شركة محلية تجمع شركاء دوليين، تتقاسم معهم المخاطر والتمويل والمعرفة.
كما أشار إلى قيام شركات من كازاخستان وأستراليا بزيارة الأردن مؤخرا، وأخذ عينات من مناطق يشتبه بوجود معادن فيها، من بينها اليورانيوم، والنحاس، والعناصر الأرضية النادرة، ما يؤكد أن هناك اهتماما دوليا حقيقيا بالأردن في هذا القطاع.
خلاصة اللقاء: الأمل مشروط بالفعل
اختتم الحوار بتأكيد مشترك من الضيف والمذيع على أن:
-
الأردن يمتلك فرصة حقيقية للدخول في سلاسل الإمداد العالمية للمعادن.
-
المطلوب هو تشريعات ذكية، وقاعدة بيانات شفافة، وجذب مستثمرين نوعيين، وحوكمة رشيدة.
-
التعدين يمكن أن يكون رافعة اقتصادية وتنموية شاملة في حال إدارته بالشكل الصحيح.
اقرأ المزيد.. أزمة المياه والطاقة بين الأردن وسوريا: واقع معقد واتفاقيات على المحك