رحيل غرايبة.. الحكيم المتدثر بالتغافل

الصورة

رجل يجتمع كل الخصوم السياسيين في الأردن على استهدافه، الدكتور رحيل غرايبة رجل صاحب مسيرة سياسية شهدت تطورات كبيرة تفاجئ كل من عرفه.

ميزة ومشكلة الدكتور رحيل أنه لا يحب الخوض في الخصومات ولا المساجلات ولا الرد والرد الآخر، يتم استهدافه بطريقة فجة فيترفع ويأوي إلى عرائش الصمت ويتدثر برداء التغافل على مبدأ أن الحقيقة هي أكبر برهان وأن الحقيقة عنقها طويل ويراها الجميع ولا تحتاج إلى بيان.

كثير هي المنعطفات التي مر بها الرجل وتم مهاجمته عليها، عندما كان يتحدث بالمشروع الوطني في الأوساط الإسلامية في الوقت الذي كانت توصف فيه الوطنية بالوثنية هناك، مضى الرجل إلى مشروعه فأصبح من يهاجمه بالأمس يتبنى أفكاره اليوم ويقول بقوله دون أن يقدم أي اعتذار عما اقترفه بحق الرجل، لكن الرجل مضى بصمت ولم يعقب، وهو يرى أنه يكفي صاحب المشروع شرفا أن يطبق من اتخذوه خصما ما نادى به فكان له ما كان وقدم نفسه القربان بنفس راضية، وأصبح المشروع الوطني الشغل الشاغل للجميع بعد أن كان محرم مؤثم ملقى عليه رداء الشيطنة.

عندما جاء الرجل بنظريته السياسية القائمة على إحياء المشروع الوطني ورد سلطة الشعب للشعب، والتبشير بالدولة المدنية الوطنية والنهوض بها وبدأ يلتف حولها الكثير لم يرق ذلك لبعض المعارضة الخارجية التي تريد إشاعة الخطاب العدمي، وتقوم على مبدأ التيئيس ثم الهدم ثم إعادة البناء معتقدة أن الأوطان هي أبنية يتم هدمها ثم يعاد تشييدها.

خطاب التوافقات أكبر رد

خطاب الدكتور رحيل المنادي بالتوافقات والتدرج كان أكبر رد على بعض خطاب المعارضة الخارجية؛ إذ استفز خطاب الرجل الكثير منهم فأخذوا يهاجمونه في البث المباشر لهم ويغمزوا ويلمزوا به بسوء، لكن الرجل بقي يأوي إلى عرائش الصمت ويمضي في مشروعه الذي أراده، مراهنا أن لدى الشباب الأردني الحس السياسي الذي يجعلهم يميزون ما بين الطرح السياسي القائم على الواقعية والتمسك بالمشروع الوطني وما بين الطرح القائم على السوداوية والعدم السياسي والتيئيس والرغبة بالثأر والدخول في مجازفات تفتح أبواب الجحيم على الوطن.

بقي مركز حقوق الإنسان مؤسسة من مؤسسات الدولة لا تذكر في أي منبر إعلامي حتى جاء إليها الدكتور رحيل بتكليف ملكي وبتنسيب من حكومة عمر الرزاز فوضع المركز تحت عين الجميع، وتم التركيز عليه حتى أصبحت كل أزمة داخل هذا الوطن يبحث فيها عن دور المركز وكأن المركز سلطة تنفيذية لا سلطة رقابية مع أن شخص د. الغرايبة قام مع فريق مقرب منه بدور الوسيط في بعض الأزمات الداخلية ونجح في نزع فتيل بعضها خارج دور المركز وسلطاته.

أزمة إقالة المفوض العام

المركز تثار به أجواء عاصفة منذ أن جاء إليه الدكتور رحيل غرايبة، رغم رغبة الرجل بتهدئة كل الزوابع التي يحاول البعض إثارتها، جاءت أزمة إقالة المفوض العام السابق في المركز الوطني لحقوق الإنسان والذي استمر في منصبه لثلاث دورات مدة كل دورة ثلاث سنوات، وفي السنة الأخيرة من الدورة الثالثة ولعدم انسجام طريقة عمل المفوض مع فريق المجلس الوطني لحقوق الإنسان تم إقالة الرجل بالإجماع باستثناء الأمين العام د. رحيل الذي لم يصوت على القرار بصفته أمينا عاما، وقامت المعارضة الخارجية والمعارضة الشعبوية الداخلية تصف أن إقالة الرجل هو استهداف للرجال الذين يقولون لا للسلطة! في ظل حالة سياسية غريبة تسود، أن كل من يُقال من أجهزة الدولة يصبح بطلا شعبيا في نظر المعارضة الخارجية، التي تدعي أن الدكتور الغرايبة ينفذ سياسات أجهزة الدولة وكأن المفوض السابق قد تم تعيينه رغما عن سلطات الدولة، رغم أن القرار جاء بالإجماع من المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبدون تصويت الدكتور الغرايبة نفسه.

أصر الدكتور الغرايبة أن يكون تعيين المفوض الجديد وفقا للمنافسة فعقدت المسابقة وتم الاختيار للمفوض الجديد وبإصرار من د. الغرايبة بعد أن حصل المفوض الذي كفت يده على أعلى النتائج في المقابلة الشخصية وتجاوز الغرايبة كل الوساطات لتعيين غيره.

بعد استلام المفوض نفذ المركز مشروعا مُموّلاً من جهة أجنبيّة (الوكالة الإسبانيّة وبعثة الاتحاد الأوروبي في المملكة)، دون الحصول على موافقة مجلس الأمناء ومجلس الوزراء وفق الاشتراط القانونية في قانون المركز الوطني لحقوق الإنسان التي تحصر الموافقة على تلقي التمويل الأجنبي بمجلس الأمناء.

قرر رئيس مجلس الأمناء تشكيل لجنة تحقق خاصة في المشروع المذكور وقدمت لجنة التحقق الخاصة تقريرا وثق مجموعة من المخالفات القانونية والإدارية، ومنح المفوض العام حق الرد على ما ورد في تقرير لجنة التحقق، وبعد ذلك دُعي المجلس لمناقشة التقرير ورد المفوض العام عليه، حيث اتخذ المجلس بهذا الخصوص قرارا، باعتماد تقرير لجنة التحقق الخاصة في "مشروع المساعدة القانونية" وتنفيذ توصياته، وتشكيل لجنة تحقيق خاصة في "مشروع المساعدة القانونية" من بعض أعضاء مجلس.

استكملت لجنة التحقيق الخاصة أعمالها وقدمت تقريرا مفصلا عن أعمالها، بعدها دُعي المجلس إلى اجتماع وقرر مجلس الأمناء إحالة ملف مشروع المساعدة القانونية إلى نائب عام عمان، وكف يد المسؤولين عن تنفيذ المشروع عن العمل، وذلك بتصويت 16 عضوا من أصل 18 عضوا حضروا الجلسة.

والأمر الآن بيد القضاء للتحقيق مع المفوض العام ومديرة مشروع المساعدة القانونية، وهو صاحب السلطة والكلمة الفصل في الموضوع.

خطة لإبعاد غرايبة عن المجلس

في هذه الأثناء كانت هناك حياكة متأنية لخطة إبعاد د. الغرايبة عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان وذلك عبر فئة من الشخصيات التي وصلت إلى بعض المواقع القيادة بعد الربيع العربي نتيجة التحولات السياسية التي جرت في الأردن، والذين ينتمون إلى تيارات أيدولوجية تورطت فيما مضى في العمل ضد الأردن ونظامه ومحاولة الانقلاب عليه، فئة ترى في نجاح الدكتور الغرايبة تهديدا لمصالحها ونفوذها بنموذج الوسطية والتوافق الذي يقدمه.

بذات الوقت كان هناك مشروع قانون يقدم من الحكومة في الدورة الاستثنائية لمجلس النواب يشترط فيمن يتسلم منصب الأمين العام لحقوق الإنسان ألا يكون حزبيا، مشروع قانون مستغرب في ظل حالة سياسية ومناخ أردني يتجه نحو الحزبية والحكومة الحزبية والبرلمان الحزبي، دون اشتراط ألا يكون أعضاء المجلس أيضا من خارج الأحزاب، فلا تفهم العلة من وجود مثل هذا النص، ولماذا فقط شخص الأمين العام للمركز؟! في سياق يقرأ أنه رغبة في إبعاد الدكتور الغرايبة عن هذا المنصب.

يتم مهاجمة الدكتور الغرايبة من المعارضة الخارجية بالكتابة على مواقع دولية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي فالرجل بنظريته السياسية ومشروعه المعتدل المتدرج التوافقي يشكل تفكيكا لخط المعارضة الخارجية وخطتها في الهدم ويقدم خطابا بديلا عن خطاب التيئيس، لكن الرجل يتدثر كعادته بالصمت، وهو يرى أن الحقيقة كالحب والحمل وركوب الجمل لا يمكن إخفاؤها عن الناس أو مواراتها خلف خطاب متهافت.

الرجل عاش حكيما سياسيا يتدثر بالحكمة والصمت، لا يلتفت للمعارك الجانبية ولا ينشغل بالقيل والقال، ويرفض أن ينزلق لمناكفة الخصوم فالهم الوطني والعبور الآمن هو همه الشاغل للوصول إلى أردن نعتز بالانتماء إليه ونسعد بالعيش فيه.

الأكثر قراءة
00:00:00