غموض زيارة خالد مشعل إلى عمان؟

الصورة

قام رئيس المكتب السياسي الأسبق لحركة حماس خالد مشعل بزيارة إلى عمان في شهر آب/ أغسطس الماضي، وكل ما تسرب عن الزيارة أنها زيارة عائلية، دون الإعلان عن أي لقاء رسمي سياسي أو أمني بالرجل، لكن هل حقا أن الزيارة جاءت لأسباب عائلية، أم أن هناك استدارة في السياسة الأردنية اتجاه حماس، أم أن الأمر فتح الباب أردنيا لثني حماس عن مزيد من التوجه نحو إيران وحلفاءها في المنطقة، أم أن الزيارة مؤشر على انحسار دور مشعل في المرحلة القادمة داخل حماس والرجل سيأوي إلى الظل.

نشأة حماس وتبعيتها لإخوان الأردن

عندما ولدت حماس وتأسست كانت تنظيما تابعا لتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن، حماس هي التطور لجماعة الإخوان في فلسطين، إذ تم تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين في غزة، وتم تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وكانت تنظيم الضفة يتبع إلى تنظيم الإخوان في الأردن فكان لدى الإخوان المسلمين تنظيم  فلسطيني يشمل غزة وجميع الإخوان المسلمين الفلسطينيين المتواجدين في السعودية والإمارات وقطر  والكويت ويرأسه المرحوم خيري الآغا، وتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن ويضم الأردن والضفة الغربية.

استمر هذا الوضع التنظيمي حتى عام 1978، إذ تم العمل على إدماج التنظيم الفلسطيني بالتنظيم الأردني في ذات العام تحت تنظيم سمي بتنظيم بلاد الشام وأصبحت حصة التنظيم الفلسطيني في التنظيم الجديد في الأطر القيادية 25% من عدد مقاعد مجلس الشورى لتنظيم بلاد الشام، وبقي المرحوم خيري الآغا هو مسؤول قسم فلسطين ليكون مسؤولا عن غزة ومكاتب الخليج داخل التنظيم الجديد.

تولى القيادي موسى أبو مرزوق قيادة قسم فلسطين داخل تنظيم بلاد الشام وكان خالد مشعل هو نائبه؛ ليتم اعتقال أبو مرزوق في أمريكا في عام 1995، ويتسلم خالد مشعل قيادة الجهاز الفلسطيني داخل تنظيم بلاد الشام، والذي كان يتم تقديمه  في الأردن تحت مسمى إعلامي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وبقي خالد مشعل على رأس التنظيم بعد الإفراج عن أبو مرزوق من أمريكا في عهد كلينتون بتدخل من الملك الحسين رحمه الله، حيث كان لمحاولة اغتيال خالد مشعل الفاشلة من قبل الموساد الإسرائيلي في عمان أثرها في صعود الرجل داخل التنظيم.

"جهاز فلسطين" والانفصال عن إخوان الأردن

بدأت تتسع نشاطات قسم فلسطين ليتم تحويله إلى مسمى جهاز فلسطين وبدأت تحدث خلافات داخل تنظيم بلاد الشام حول الصلاحيات والمسؤوليات لجهاز فلسطين، والذي بدأ أكبر من التنظيم نفسه، وخاصة بعد أن تم إبعاد قادة المكتب السياسي بما فيهم مشعل عن عمان عام 1999، وكان قسم فلسطين أو حماس تمارس أنشطة على الأرض الأردنية لتهريب أسلحة للضفة الغربية في عام 2006 أحرجت قيادة الإخوان مع الأردن الرسمي.

نتج عن هذا الوضع المتداخل تنظيميا حراك داخل البيت الإخواني أفضى إلى تكوين مرجعية جديدة لقيادة جهاز فلسطين بقرار من مكتب الإرشاد العالمي لتنظيم الإخوان لتصبح مرجعية جهاز فلسطين تابعة إلى مجلس مكون من عدد 2 من أعضاء مكتب الإرشاد العالمي و2 من جهاز فلسطين حماس و3 من إخوان الأردن لتنتهي الأمور بالنهاية إلى انفصال تنظيم الإخوان الفلسطينيين عن تنظيم إخوان الأردن في عام 2011.

بقي خالد مشعل مبعدا عن عمان حتى يومنا هذا مع احتفاظه بالجنسية الأردنية، وسمح له بمجموعة من الزيارات قصيرة جدا ومحدودة إلى الأردن لأسباب إنسانية عائلية، لتأتي آخر زيارة تحت مظلة زيارة عائلية وتثير كل تلك التكهنات حول الأمور السياسية التي تدور خلف تلك الزيارة.

ما خلف زيارة خالد مشعل

كل ما أعلن عن الزيارة التي استمرت لأسبوعين أنها زيارة عائلية والتي استقبل فيها مشعل في المطار من قبل القيادي لحركة حماس محمد نزال المتواجد في الأردن، كما رافق مشعل بعض الحماية الأمنية، والتقى مشعل بعض الشخصيات غير الرسمية من رئيس وزراء سابق ووزراء سابقين وبعض الشخصيات الإعلامية، دون أن يكون هناك أي إعلان عن لقاءات رسمية أردنية سواء على المستوى الأمني أو المستوى السياسي، فلماذا جاءت هذه الزيارة ولهذه المدة الطويلة؟

  • القراءة الأولى: زيارة عائلية وهذه الفرضية تقول إن خالد مشعل بعد أن غادر قيادة الحركة فإنه رغب في زيارة الأردن لأسباب عائلية بصفته شخصا عاديا لا شخصا يمثل حماس وأن مثل هذه الزيارات قد تكررت قبل ذلك عند وفاة والده ووالدته والقيادي الأسبق في حماس إبراهيم غوشة في عمان وأن الأردن الرسمي يراعي الجانب الإنساني في تعامله مع مشعل، وأن الرجل يأوي إلى الظل.
  • القراءة الثانية: إن الأردن الرسمي غاضب من السلطة الفلسطينية وخصوصا تسهيلها انتقال وسفر الفلسطينيين عبر مطار رامون وتأثير ذلك على الحركة الاقتصادية في الأردن، إذ يقدر عدد الفلسطينيين الذين يعبرون جسر الشيخ حسين 270 ألف شخص شهريا، جاء هذا الانزعاج الأردني على لسان وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة، وأرادت عمان استقبال مشعل كرسالة إلى السلطة الفلسطينية.
  • القراءة الثالثة: إن الأردن الرسمي منزعج من التقارب ما بين قيادة حماس الجديدة في غزة والنظام الإيراني وحلفها في المنطقة والمتواجدين في الجنوب السوري على الحدود الشمالية للأردن وفي هذه الزيارة محاولة لفتح الباب أمام حماس للابتعاد عن هذه الاصطفافات الجديدة والمحاور في المنطقة، كما أن الأردن أراد الانفتاح على حماس أيضا بما أظهرته من سياسة ضبط النفس الأخيرة في الحرب التي نشبت بين الجهاد الإسلامي والكيان الصهيوني دون أن تدخل في هذه الحرب والتي كان يعني دخولها فيها اشتعال الحرب المفتوحة ما بين غزة والكيان الصهيوني وأن هذا السلوك قد يؤهل حماس للعب دور سياسي في الحالة الفلسطينية مستقبلا.
  • القراءة الرابعة: أن هناك استدارات في السياسة الأردنية اتجاه حماس، وأن الأردن يفكر في إعادة احتضان حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة لإعادة أوراق القضية الفلسطينية إلى الحضن الأردني.

الترجيح

  • القراءة الأولى: بأن الزيارة عائلية قد تكون مستبعدة نظرا لطول مدة الزيارة، كما أنه من المعلوم أن مشعل قد فقد والديه -رحمهما الله- ولا يوجد له أبناء أو بنات في الأردن، كما أن الحديث عن أن الرجل يأوي إلى الظل مستبعد إذ أن للرجل شبكة علاقات دولية ممتدة لا يمكن لحماس أن تقوم بإهدارها بوضع الرجل في دكة التقاعد السياسي والجلوس في الظل.
  • القراءة الثانية: نعم صحيح أن الأردن الرسمي غاضب من فتح الطريق للفلسطينيين أمام مطار رامون وتأثير ذلك على الاقتصاد الأردني إلا أن الأردن الرسمي قادر على تسوية خلافاته الجانبية مع السلطة الفلسطينية دون استخدام ورقة حماس، وقد تم بالفعل تسوية الأمر قبل أيام بهذا الخصوص مع السلطة الفلسطينية، وأن ما يجمع الأردن مع السلطة الفلسطينية في الاستراتيجية من ناحية القبول بحل الدولتين والتمسك بها أكبر بكثير من الخلاف على مطار رامون على أهميته للأردن.
  • القراءة الثالثة: بلا شك أن الأردن لديه تخوفات حقيقية عن المشروع الإيراني في منطقة بلاد الشام وتأثير ذلك على الأمن الأردني وخصوصا المناطق الشمالية والسلوك الإيراني في الجنوب السوري يكلف الأردن مزيدا من الجهود الأمنية في مواجهة هذا الخطر الداهم، لكن مشعل نفسه  كان جزءا من القرار الذي وافق على إعادة العلاقات مع النظام السوري وهو القرار الذي صدر بالإجماع من مجلس شورى حماس بهذا الخصوص، مما يجعل من مشعل الشخص غير المناسب للقيام بهذا الدور، ومن ناحية أخرى لا شك أن ضبط النفس الذي مارسته حماس في الاشتباكات الأخيرة بين الجهاد والكيان المحتل أرسل رسالة قوية بإن سلاح حماس يمكن أن يضبط وأن حماس يمكنها أن تلعب دور سياسي يخدم حل الدولتين وخصوصا بعد صدور وثيقتها الأخيرة التي تتحدث فيها عن القبول بدولة فلسطينية على حدود أرض 67 وإن كان يرى البعض أن حماس لم تمارس ضبط النفس مع العدو سياسيا وإنما كان الأمر يتعلق بالالتزام بقواعد الاشتباك ومحدداتها مع العدو الصهيوني والتي لم يكن من ضمنها الاعتقالات كمسبب للاشتباك.
  • القراءة الرابعة: هناك استدارات أردنية في الموقف من حماس، هذه الفرضية قد تبدو تفكيرا رغائبيا أكثر منها تحليلا واقعيا، فعلاقة الأردن مع حماس محكومة بعدة ضوابط، اختلاف المحور السياسي الذي يقف به الأردن عن المحور السياسي الذي تقف به حماس، انتماء حماس للإسلام السياسي الذي ينظر له الأردن بعيون الشك والريبة مع باقي المحور العربي المتحالف معه بعد الربيع العربي، كما أن هناك هواجس أمنية أردنية من عودة العلاقة مع حماس وخصوصا بعد كشف عدة خلايا حاولت أن تنشط في الساحة الأردنية قبل أن يتم كشفها وتقديمها للقضاء والحكم على أفرادها بالحبس.

علاقة الأردن مع حماس يتداخل فيها الشأن الإقليمي مع الشأن الداخلي، لكن بلا شك أن سماح الأردن بزيارة مشعل الطويلة لأراضيه تعني أن الأردن ترك الباب مواربا في علاقته مع حماس ونقل التواصل من مربع الملف الأمني فقط إلى مربع المنطقة الرمادية ما بين ما هو أمني وما هو سياسي بما يخدم المصالح الأردنية الفلسطينية عندما تقتضي المصلحة ذلك.

شخصيات ذكرت في هذا المقال
الأكثر قراءة
00:00:00