سيناريوهات الحرب الإسرائيلية على الأردن: بين خطاب الوهم ومعادلات الواقع

الصورة
نتنياهو خلال خطابه بالأمم المتحدة يرفع خريطة الشرق الأوسط الذي يتطلع لتغييره | المصدر: رويترز
نتنياهو خلال خطابه بالأمم المتحدة يرفع خريطة الشرق الأوسط الذي يتطلع لتغييره | المصدر: رويترز
آخر تحديث

بينما تتصاعد الأزمات في المنطقة وتكثر التصريحات المثيرة للجدل، خرج رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو ليعلن ما وصفه بـ"حلمه" بالسيطرة على مساحات واسعة من أراضي الدول العربية ومنها الأردن. وهنا تبادر إلى ذهني سؤالان أساسيان وأنا أتابع كلماته:

  1. هل يمكن اعتبار تصريحات نتنياهو مجرد ورقة انتخابية موجهة للداخل الإسرائيلي، يسعى من خلالها لاستقطاب أصوات اليمين المتطرف المتعطش لمثل هذه الوعود، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات؟ وهل ستذوب هذه العبارات الفارغة بمجرد انتهاء الاستحقاق الانتخابي، فلا يتبقى منها سوى فجوة بين الخطاب الدعائي والواقع السياسي؟

  2. كيف لدولة صغيرة العدد مثل "إسرائيل" أن تسمح لنفسها بأن "تحلم" -كما قال نتنياهو- بالهيمنة على مساحة جغرافية هائلة، يقطنها شعوب يفوق عددها سكان دولة الاحتلال بأضعاف مضاعفة؟ فالسيطرة على الأرض ليست شعارا، بل تتطلب وجودا عسكريا دائما وقوات ضخمة لا يملكها الجيش الإسرائيلي مهما حاول أن يظهر قوته عبر الإعلام.

تصريحاته نتنياهو.. شعارات أم التزامات استراتيجية

إن التفكير في هذين السؤالين بزاوية علمية واستراتيجية يقود إلى استنتاجات خطيرة؛ فالتصريحات الانتخابية ليست مجرد أصوات تتلاشى في الهواء، بل هي انعكاس لرغبات الجمهور الذي يخاطبه السياسي. وفي حالة نتنياهو، يبدو أن جمهورا واسعا من ناخبيه ينجذب فعلا إلى فكرة احتلال هذه الأراضي. ومع بقاء نتنياهو رهين السلطة هربا من السجن، وغياب حدود زمنية لولايته، تتحول تصريحاته من شعارات إلى التزامات استراتيجية يسعى لترجمتها على أرض الواقع، وهو ما قد يدفع المنطقة نحو احتمالات بالغة التعقيد. 

تأجيج النزاعات الداخلية هو أسلوب "إسرائيل" عبر التاريخ

أما بشأن قدرة "إسرائيل" على تنفيذ هذه الطموحات، فإن قراءة تاريخ المنطقة القريب والبعيد تكشف عن أسلوبها القائم على التغلغل غير المباشر. فهي لا تبدأ عادة بالغزو العسكري، بل بتأجيج النزاعات الداخلية وإضعاف البنى السياسية والاجتماعية، حتى تنخرط لاحقا إلى جانب طرف محلي يواليها، فتفرض نفوذها بأقل التكاليف.

وقد رأينا هذه السياسة تتجلى في لبنان، وغزة، وإيران، وسوريا. ففي اجتياح لبنان عام 1982 مثلا، لم يكن اعتماد "إسرائيل" في البداية على قواتها العسكرية فقط، بل على الانقسامات الداخلية والمظلوميات المتبادلة بين الطوائف والفصائل، ما أدى إلى حرب أهلية شاملة جعلت بعض القوى تبحث عن حليف خارجي، فوجدت إسرائيل الفرصة لتتدخل وتفرض نفوذها.

وتكرر النهج ذاته في غزة عبر محاولات تفكيك المجتمع وفق اعتبارات دينية وسياسية وعشائرية، وصناعة وكلاء محليين يخدمون أجندتها. وفي إيران، حاولت "إسرائيل" اللعب على الانقسامات العرقية والطبقية وخطاب الفساد لإشعال صراع داخلي، لكنها فشلت أمام صمود المجتمع الإيراني وتماسكه. أما في سوريا، فقد استغلت حالة الانقسام في السويداء لتعيد استخدام استراتيجيتها القديمة: إضعاف الدولة عبر الداخل قبل أي مواجهة مباشرة.

طمع نتنياهو في الأردن لن يبدأ بحرب تقليدية

انطلاقا من ذلك، فإن ما يسميه نتنياهو "حلمه" بالتمدد إلى دول الجوار ومنها الأردن، لن يبدأ بحرب تقليدية، بل بمحاولات خلخلة المجتمع وزرع الشقاق بين مكوناته. وسيكون الطريق إلى ذلك عبر مظالم اجتماعية أو مناطقية أو طبقية يعاد إنتاجها وتضخيمها، خصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تشكل اليوم الساحة الأوسع للتأثير وصناعة الرأي. وسيترافق ذلك مع رسائل وهمية ومواقف مفبركة تغذي الانقسام وتزيد حدة الاستقطاب، بما يفتح الباب أمام تدخل خارجي أو استغلال سياسي، لا قدر الله. 

4 أولويات لتحصين المجتمع أمام مخاطر خطط الاحتلال

وهذا السيناريو ليس محض خيال، بل مسار مألوف لطريقة عمل "إسرائيل" كما أثبتت التجارب السابقة. وهنا يبرز السؤال المصيري: كيف نحصن مجتمعنا ودولتنا أمام هذه المخاطر؟

برأيي، هناك أولويات ينبغي الالتفات إليها:

  1. تعزيز المشترك الوطني وتغليب الروابط الجامعة على الخلافات، فالتجربة الإيرانية أثبتت أن التمسك بالدولة رغم تنوع الأعراق مكنها من الصمود. ونحن في الأردن يجمعنا أصل واحد وهوية واحدة وحصن وطني مشترك.

  2. التعامل مع اختلافاتنا برحابة صدر وبحسن نية، بعيدا عن التخوين والتشكيك. فالتسامح والاحترام أساس لوعي جمعي قادر على مواجهة الأزمات.

  3. تطوير الخطاب الإعلامي الوطني ليكون صادقا وشفافا، قادرا على مواجهة حملات التضليل. وعلى المجتمع في المقابل أن يمنح الإعلام الرسمي قدرا من الثقة، رغم بعض الهفوات أو الأخطاء التي قد ترافقه.

  4. عدم السماح لأصوات التشكيك أن تهز إيماننا بوحدتنا الوطنية، فتماسك المجتمع هو السد المنيع في وجه أي تهديد خارجي.

وأخيرا، يجب أن نتمسك بثقتنا بأنفسنا وبقيادتنا وبمؤسساتنا الوطنية، فالإيمان بالذات هو الأساس الذي يحفظ السيادة والاستقرار مهما بلغت التحديات.

حمى الله الأردن وشعبه العظيم وقيادته الحكيمة 

اقرأ المزيد.. ما هو مشروع إسرائيل الكبرى؟

00:00:00