صلاحيات الحكام بين المد والجزر

الصورة

بقلم لؤي الفروخ

في خضم النقاش الدائر في مجلس النواب الأردني عن توسيع صلاحيات الملك في التعيينات للمناصب الحيوية في الدولة وتقليص صلاحيات رئيس الوزراء المستقبلي، تبرز أهمية مناقشة موضوع صلاحيات الحكام في الأنظمة السياسية بمختلف أشكالها.

فالأصل أن شكل النظام السياسي ودستور هذا النظام هو من يحدد الصلاحيات وليس الحاكم نفسه أو من يعينهم، وليست الصلاحيات مرتبطة بتغير الظروف الإقليمية أو الدولية، وليست مرتبطة بتغير الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية، وليست مرتبطة بشخص الحاكم أو عائلته أو من سيخلفه من بعده.

كل ذلك الأصل أنه ليس الأصل في تحديد الصلاحيات، بل كما أسلفت، شكل النظام السياسي والدستور المنبثق عنه والذي يعكس العقد الاجتماعي بين الحاكم والشعب أو من يحكمهم، سواء كان الحاكم منتخبا مباشرة كما هو الحال في أمريكا أو فرنسا أو الحاكم هو رئيس الوزراء الذي يفوز بأغلبية حزبية أو مقاعد البرلمان كما هو حال معظم الدول الأوروبية وغيرها من الدول هو من يحدد الصلاحيات.

الأصل في الصلاحيات الشمول

الأمر الآخر أن هذه الصلاحيات يجب أن تشمل كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الخارجية وقرارات الحرب والسلم، أي كل مفاصل الدولة، بمعنى أن مرجعية القرار الأخير في أي أمر متعلق بالدولة هو للحاكم مهما كان شكله، رئيس دولة أو رئيس وزراء، حتى تستقيم الأمور وتكون مترابطة وفعالة، فمن غير الممكن أن تكون الأمور السياسية والعلاقات الخارجية والتعيينات وقرار الحرب والسلم بيد شخص بينما الاقتصاد والخدمات الاجتماعية بيد شخص آخر، فالرئيس الأمريكي يتبنى هو أو حزبه الذي ينتمي إليه القرارات الخاصة بالتأمينات الاجتماعية أو الضرائب أو التعليم أو الصحة مثل ما يتبنى تعيين رئيس الأركان أو القضاة أو الأجهزة الأمنية أو يتخذ قرارات الحرب والسلم كلها من صلاحيات الرئيس ونفس الحال ينطبق على رئيس الحكومات ذات الأغلبية الحزبية أو البرلمانية فهي صلاحيات عن كل مفاصل الحياة والدولة.

الأمر الثالث أنه على الرغم من شمولية الصلاحيات الممنوحة للرئيس أو رئيس الحكومات في هذه الدول، إلا أنه لا خوف من ذلك لأن الحاكم سواء كان رئيس دولة أو رئيس وزراء في هذه الأنظمة السياسية يخضع للمحاسبة والمساءلة، ففي حال إساءة استخدام هذه الصلاحيات أو التنفع منها فإن الرئيس يخضع للمحاكمة وقد يتم عزله من منصبه في حال ثبوت تورطه باستغلال المنصب أو تغليب مصالح دول أخرى على مصالح شعبه أو دولته، فهو تحت المراقبة من الناس ومن ممثليهم ومن الأحزاب المعارضة ومن الإعلام.

أما في بلاد العرب ومنها الأردن، فالصلاحيات تفصل تفصيلا لتثبيت الحاكم والنظام السياسي من جهة وليتحكم في المفاصل الحيوية للدولة من جهة أخرى، وفي نفس الوقت يتم إخراج الحاكم من كل دوائر المحاسبة والمراقبة الدستورية أو الشعبية أو الحزبية إن وجدت وكذلك الإعلامية، وتطبيقها على أشخاص آخرين لهم صلاحيات منقوصة، هذا إن طبقت عليهم، وفي معظم الأحيان حتى هذه الطبقة تبقى خارج دائرة المحاسبة.

في ظل صلاحيات المد والجزر هذه، كيف لنظام سياسي على شاكلة هذه الأنظمة أن يكون يحدث نهضة أو تقدما في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الدولية، سؤال للشعوب قبل النواب يحتاج إلى مراجعه وجواب.

الأكثر قراءة
00:00:00