كشف التزييف
من أكثر الوسائل التي يتبعها معادو منهج الله لإضعافه، هي بث الأراجيف لإضعاف تمسك الأمة به، فتراهم يتهمون المسلمين بأنهم ماضويون يعيشون في جلابيب الأجداد، ويتفاخرون بأمجاد الماضي.
الآخرون حقيقة لا يتفاخرون بأجدادهم وبتاريخهم مثلهم، لأنهم بكل بساطة ليس هنالك ما يمكن التباهي به، فأمجاد الأباطرة والقياصرة لم تكن عقيدة ينشرونها، ولا مبادئ عدل وسلام، بل تفوقا على الآخر بفضل انتصارات في حروب طاحنة.
يتناسى العلمانيون العرب -الذين تقتصر علمانيتهم على رفض تطبيق الإسلام- كل ذلك، فيلجؤون إلى التنقيب في تاريخنا بحثا عن اللقطات المظلمة، ثم تضخيمها وإبرازها من أجل التغطية على بريق الحقبة الإسلامية، التي كانت الفترة الأبهى من تاريخ العالم، بهدف إقناعنا بأن تاريخنا غير مشرف، وبالتالي من الأفضل الالتحاق بثقافة الغرب المستنيرة، وبقيمه الصالحة، وترك عقيدتنا الظلامية.
لا يمكن إنكار حدوث أحداث مؤلمة في تاريخ الدولة الإسلامية، فالدين يُقوّم النفوس ويصلح تصرفات البشر، إنما لا يحولهم إلى ملائكة فور اعتناقه، لكن بالمقابل لا يكمن أي خير في ترك الدين، بل ذلك يفتح الباب مُشرعاً للشياطين.
لكي أثبت زعمي هذا، سألقي الضوء فيما يلي على الجزء الظلامي من تاريخ غير المسلمين، لكي نصل بالمقارنة إلى أن اضطهاد ابن رشد والكندي وحروب النزاع على السلطة في "صفّين" وبين الأمين والمأمون وغيرها، كل تلك الأحداث لا تشكل نقطة في بحر المآسي والصراعات عند غير المسلمين.
سأذكر باقتضاب أعنف عشرة أعمال دموية سجلت في تاريخ العالم، مرتبة تنازلياً حسب أعداد الضحايا، وهي:
- أضخم الجرائم كانت إبادة السكان الأصليين في الأمريكيتين ويقدر العدد بـ 100 مليون.
- الحرب العالمية الثانية كان عدد القتلى 72 مليون عدا عن 220 ألف ضحايا القنبلتين النوويتين وبعد أن كانت الحرب انتهت، وألقيتا لإرهاب البشر ولتجريب مفعولهما فيهم.
- الحرب العالمية الأولى 65 مليونا.
- حروب المغول في آسيا 60 مليونا.
- ضحايا التطهير الستاليني في الاتحاد السوفياتي 50 مليونا.
- المجاعة الصينية الكبرى في الأعوام 1958-1961 عند التحول الشيوعي 43 مليون.
- الحرب الأهلية في الصين لإنشاء مملكة تايبينغ عام 1850 بدعم من الغرب، 40 مليونا.
- ثورة لوشان الصينية مابين عام 755-763 حصدت 36 مليونا.
- الحرب القبلية في الصين للانتقال من حكم أسرة "يوان" إلى أسرة "مينغ" عام 1368 وخلالها سقط 30 مليونا.
- تجارة الرقيق التي قام بها الأوروبيون من القرن السادس عشر حتى التاسع عشر وذهب ضحيتها 15 مليونا بسبب سوء ظروف النقل وتخزين البشر كالحيونات.
هكذا نلاحظ أن العنف الذي جرى خلال الأربعة عشر قرنا المنصرمة، كان في كل أنحاء العالم غير الإسلامي، لم يكن أي منه باسم الدين، أما الدماء التي كانت تسيل في منطقتنا فأغلبها من جراء اعتداءات الطامعين الخارجيين عليه، متمثلة بغزو المغول وغزوات الحروب الصليبية، ثم الغزوات الاستعمارية له من القرن السابع عشر وحتى القرن العشرين، وآخرها الحرب على "الإرهاب"، فقد قتل "الإرهابيون" الافتراضيون بضع مئات من المدنيين، فيما أزهقت القوات الأجنبية وعملاؤها من العرب أرواح أكثر من نصف مليون مدني مسالم.
لو تناولنا موضوع العبودية التي كانت منتشرة في العالم منذ القدم، ففي القرن السابع حينما جاء الإسلام، كان الأسبق في محاربتها، ووضع برنامجا عمليا لتحرير العبيد، فبات بلال سيداً وأعلى مرتبة من أشراف قريش، في الوقت الذي كان فيه شعب روما "الديموقراطي" يتسلى بمشاهدة تقديم العبيد للأسود الجائعة.
صحيح أن تجارة الرقيق لم يتم القضاء عليها، وظل العبيد في كل العالم طبقة مهانة معدومة الحقوق، لكن الإسلام الذي يساوي بين البشر تماما صنع من هؤلاء قادة وزعماء، فقامت دولة المماليك في القرن الثالث عشر، ولثلاثة قرون كانوا السادة والقادة للأمة الإسلامية، وحموها وهزموا المغول.
بينما كان الأوروبيون في ذلك الوقت يصطادون الأفارقة، وينقلونهم لبيعهم في أمريكا في ظروف قاسية، لدرجة أن أغلبهم كان يموت في الطريق، وقامت حرب طاحنة بين الشمال والجنوب الأمريكي لمنع تحريرهم، ولو انتصر الجنوبيون لربما بقي السود عبيدا.
وإلى اليوم ما زالت فكرة تفوق العرق الأبيض سائدة لدى الأوروبيين.
فأي تاريخ أحق بالتمجيد؟!