معركة الكرامة ..حقيقة قطع الاتصالات مع القيادة

الصورة

مقولة ينسبها البعض للمشهور حديثة الجازي

يُردد كثير منّا بين الفينة و الأخرى سواء في مجالسنا أو حواراتنا أو على صفحاتنا "الفيسبوكيّة" مقولة منسوبة إلى الفريق مشهور حديثة الجازي قائد جبهة القتال في معركة الكرامة الخالدة عام 1968 والتي تقول :( إنّ الفريق الجازي اضطرّ أثناء المعركة إلى قطع الاتصالات مع القيادة ليتمكّن من قتال العدو الصهيوني بكل شرف..). فما حقيقة تلك المقولة التي يراد منها الطعن و التشكيك بمواقف الوطن العظيمة و مواقف رجاله الصادقة و المؤمنة به و المخلصة للأمة و لفلسطين الحبيبة خاصة ، و ما أهدافها، و ماذا يترتب على ترديدها و تكرارها دون وعي أو فهم أو سند صحيح..؟.

الأهداف المرجوة من ترديدها و تكرارها بين الناس؟

أولا: التشكيك و الطعن بالقيادة الأردنية الممثلة بالقائد الأعلى للقوات المسلحة حينها الملك الحسين رحمه الله تعالى، و الزرع في وعي الناس و الأجيال المتعاقبة أنّ الملك و القيادة الأعلى للجيش كانوا لا يريدون قتال العدو الصهيوني ولا يهدفون إلى الحاق الهزيمة به. بل قد يصل مستوى التشكيك إلى أن الملك والقيادة العامة للجيش كانوا يُسهّلون للعدو الصهيوني تنفيذ مهمته ومخططاته في احتلال جبال السلط و غيرها من الأرض الأردنية...!

ثانيا: التشكيك بحقيقة انتماء وتضحيات الجيش العربي الأردني و قيادته من أجل الدفاع عن فلسطين و عن قدس الأمة و الطعن بكل تلك الدماء الزكيّة التي روت أرض فلسطين و ثراها. و أنّ ما حدث من هزيمة نكراء للجيش الأردني عام 1967 و ضياع للقدس والضفة الغربية كان خيانة و تواطؤا من قبل قيادته و مليكه، تماما كالذي حدث في معركة الكرامة اعتمادا على مقولة مكذوبة مفادها إنّ قائد المعركة الفريق الجازي اضطرّ إلى قطع الاتصالات مع القيادة الأعلى ليقاتل العدو الصهيوني بشرف...! و للأسف هذا ما يستند عليه بعض المحللين العرب على وسائل الاعلام المختلفة من أجل الطعن بحقيقة دور الجيش العربي الأردني و قيادته،والبعض أيضا يصفق و يرقص لمثل هذا الكلام الشاذ النشاز..!

ثالثا: افقاد الجنود والضباط من أبناء الجيش العربي الثقة بقيادتهم العسكرية و السياسية.

رابعا: افقاد المتعة والانتشاء بالنصرالمبين على العدو الصهيوني في نفوس الجنود والشعب و اشغالنا بأنفسنا بدلا من أن ننشغل بالعدو الهش الذي يمكن دحره و القضاء عليه كما فعلنا في معركة الكرامة.

فهل فعلا قال الفريق حديثة رحمه الله هذه المقولة؟

تفنيد مقولة " لقد اضطررت إلى قطع الاتصالات مع القيادة لنقاتل بشرف".

بالاعتماد على المنهج العلمي البيّن في البحث عن حقيقة هذه المقولة وبعيدا عن العواطف و المشاعر و الأهواء، ولأنني لم أكن شاهدا أو مشاركا في تلكالأحداث العظيمة من تاريخ الوطن و جيشه العربي الباسل فأقول:

أولا: لقد بحثت بحثا مليا متأنيا في كل المذكرات المكتوبة والمسموعة والتي صدرت عن الفريق مشهور حديثة قائد معركة الكرامة، وتحدث فيها بكل تفاصيل المعركة ؛ فإنني لم أجده يذكر أو يُشير مجرد إشارة لتلك المقولة، علما بأنه كان في كثير من مذكراته المكتوبة و مقابلاته الإعلامية يتحدث عن معركة الكرامة في منتهى الوضوح والصراحة والتفصيل. فلماذا لم يذكر أو يشير لهذا الحدث المهم؟ وهنا أطرح السؤال التالي على كل من يردد هذه العبارة المنسوبة للفريق الجازي فأقول :هل لك أن تذكر أو تشير أين وردت هذه المقولة ؟ و هل لك أن تذكر سند من رواها أو سمعها منه ؟ حتى نصدع جميعا للحق والحقيقة؛ فالبيّنة على من ادّعى.

ثانيا: قمت بالتحقق من صحة هذا الادعاء من خلال شهود عيان كانوا في غرفة العمليات الميدانية و بجانب الفريق مشهور حديثة طوال معركة الكرامة وتحديدا العقيد المتقاعد المرحوم "احمد الحاج علي" رحمه الله تعالى، والذي كان صديقا ورفيقا مقربا للفريق الجازي،وإلى جانبه خلال المعركة.

ووثقت شهادته عن تلك المعركة في برنامجي " فرصة وطن" على إذاعة حسنى. و سألته عن تلك المقولة. فأكد لي أنها لم تحدث مطلقا بل بقي الاتصال والتواصل الدائم مع القيادة وتحديدا مع الملك حسين رحمه الله حتى انتهت المعركة وانسحب العدو الصهيوني انسحابا تاما من الأراضي الأردنية.

ثانيا: لا بدّ لي أن أبيّن كعسكري أنه لا يمكن لقائد عسكري وبغض النظر عن مستواه القيادي والعقلي أن يقوم بقطع الاتصالات مع قيادته الأعلى أو مرؤوسيه الأدنى ، ولا يمكن له أن يفكر مجرد تفكير بارتكاب تلك الخطيئة التي لا تقود إلا للهزيمة. فكيف لقائد مقدام فذ مثل الفريق مشهور حديثه أن يقدم على هكذا أمر؟ و الذي إن حصل انما هو يمثل خدمة مجانية للعدو ضد قواتنا المقاتلة على الجبهة، ولن يؤدي إلّا إلى فنائها و القضاء عليها؟! ومن ناحية عسكرية فعلينا أن  نعلم أنّ من أهداف العدو الأولى والمهمة في أيّ حرب  العمل على قطع الاتصالات العسكرية ما بين الوحدات المقاتلة و قيادتها الأعلى؛ لما في هذا الأمر من أهمية في تشتيت وتفكيك وارتباك للمقاتلين كافة، كما حصل في حرب حزيران عام 67، عندما تم قطع الاتصالات بين القيادات العسكرية الأردنية المختلفة نتيجة تدميرها من قبل العدو الصهيوني  وكان هذا سببا كافيا لفقدان السيطرة والتوجيه لعمليات القتال لجنودنا ووحداتنا العسكرية وبالتالي هزيمة تلك القوات.

فهل كان الملك حسين القائد الأعلى للقوات المسلحة أثناء المعركة التي تستهدف بلده وعرشه، هل كان في قصره يتناول الشاي والحليب؟ و هل كان لمثل الحسين ان يترك ضباطه و جنوده في غرفة العمليات الرئيسية وحدهم و يجلس في قصره؟

فكيف لمشهور حديثة أن يقدم على مثل هذا الفعل؟ و أيضا كيف لقائد معركة أن يعرف الموقف الاستخباري المتغيّر لحظة بلحظة ، إلّا من خلال الاتصال والتواصل الدائم مع قيادته الأعلى؟ وكيف لمشهور حديثة كقائد للمعركة أن يمرر حجم الخسائر وطلب تعويضها فورا من قيادته الأعلى، إذا قام بقطع الاتصالات مع قيادته الأعلى؟ وكيف لحديثة أن يعرف التطورات العسكرية على واجهات القتال الأخرى والتي ليست تحت قيادته في حال قطع الاتصالات مع قيادته الأعلى ، وهي مركز توزيع المعلومات و المهمات و الواجبات؟

هنا قد يقول البعض المتربص : أنه أي الفريق مشهور حديثه كان يقصد أنه قطع الاتصالات مع القصر و تحديدا مع الملك حسين. فأردّ على هؤلاء القوم : بالله عليكم كفى عبثا وهرطقة..! فهل كان الملك حسين القائد الأعلى للقوات المسلحة أثناء المعركة التي تستهدف بلده وعرشه، هل كان في قصره يتناول الشاي والحليب؟ و هل كان لمثل الحسين ان يترك ضباطه و جنوده في غرفة العمليات الرئيسية وحدهم و يجلس في قصره؟ وهل كان للحسين أن لا يلبس بزة القتال وألا يتواجد طوال الوقت في غرفة العمليات الرئيسية بين الضباط والقادة يتابع ويوجّه ويتواصل مع جنوده و مع قادة العالم أجمع؟

في نهاية هذا المقال يبقى أن أطرح السؤال الكبير : إذن ما هو أصل و حقيقة تلك المقولة ؟ ومن أين جاءت ؟ فليس هناك" نار بلا دخان" وليس هناك أثر بلا مسير..! و هذا ما سأجيب عليه بالحقائق و الدقائق في المقال القادم بإذن الله.

شخصيات ذكرت في هذا المقال
الأكثر قراءة
00:00:00