من شِعب مكة إلى أزقة غزة.. سنة الصمود لا تتغير!

الصورة
خيام للنازحين الغزيين في مخيم النصيرات 19/9/2025 | المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية
خيام للنازحين الغزيين في مخيم النصيرات 19/9/2025 | المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية
آخر تحديث

على بعد قرون وأميال، تتكرر القصة نفسها: قلة مستضعفة تواجه حصارا ظالما، وإرادة حديدية تقف في وجه آلة طغيان. إنها ليست مصادفة تاريخية، بل هي سنة إلهية محكمة، تكتب اليوم بأحرف من نور وصبر وشهادة في سماء غزة.

قبل أكثر من 1400 عام، وفي قلب بطحاء مكة، اجتمعت بطون قريش على قرار ظالم: مقاطعة بني هاشم مسلمهم ومشركهم. كُتبت صحيفة ظلم، وعلقت في جوف الكعبة، وتحول شِعب أبي طالب إلى سجن مفتوح. لمدة ثلاث سنوات، عانى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأهله وأصحابه من الجوع والعطش والمرض، محرومين من أبسط حقوق الإنسان، في محاولة يائسة من الطغاة لكسر الإيمان في النفوس. 

كان الهدف واضحا: قتل الدعوة في مهدها، وإجبار الصوت الحق على الصمت. لكنهم لم يفهموا طبيعة القانون الإلهي: أن الإيمان أقوى من الحديد، وأن القلوب الممتلئة يقينا لا تخضع للجوع. 

يعيد التاريخ نفسه في غزة

اليوم، يعيد التاريخ نفسه في غزة ويتجدد المشهد، ولكن على أرض فلسطين المباركة. في قطاع غزة، يُفرض حصار شامل لا يقل قسوة عن سابقه. يُحرم الأطفال من الطعام والدواء، ويُمنع الطلاب عن مدارسهم، وتُحاصر الأحلام خلف جدار من العزلة والرصاص.

الهدف هو ذاته: كسر الإرادة، وقهر الصمود، ودفع الشعب إلى اليأس. لكنهم ينسون، أو يتناسون، أن أهل غزة قد اطلعوا على سيرة أسلافهم. فهم يعلمون أن وراء كل حصار معجزة، وأن بعد العسر يسرا، وأن نصر الله قريب.

العقاب الجماعي من أدوات الجبناء

فالعقاب الجماعي أحد أدوات الجبناء الذين لا يملكون من الحق إلا بطلان مزاعمهم، والصمت العالمي أصبح ممزوجا بلهاث التحالف والتزلف والمجاملات، هناك وقفت بعض القبائل موقف المتفرج في مكة، كما تقف اليوم دول عظمى وشعوب صامتة تتفرج على مأساة إنسانية، تختزل القضية في صراع، وتغفل عن جوهرها: وهو صراع الحق ضد الباطل. 

أما سلاح الإيمان فهو عنوان الصبر والمثابرة فلم يكن لدى المحاصرين في الشعب سلاح إلا الصبر واليقين. وهو السلاح نفسه الذي يحمله أهل غزة، وهو أقوى من كل الدبابات والطائرات المسيرة.

الفرق الجوهري هو وجود النبي صلى الله عليه وسلم في الحصار الأول، مما يمنحه قدسية خاصة. لكن العبرة ليست في التفاصيل، بل في السنن والقوانين التي تحكم هذه الصراعات. فحصار قريش انكسر بإرادة الله، عندما أرسل الأرضة تأكل صحيفة الظلم، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة هي الهجرة والنصرة.

وهذا بالضبط ما ينتظره كل صابر محتسب في غزة: أن تأتي اللحظة التي ينكسر فيها حصار الكيان الغاصب، ليس بقوة السلاح فقط، بل بمعجزة الإرادة وإذن الله، لتبدأ مرحلة جديدة من العزة والتحرير. 

الحصار لا يصنع إلا أقوياء

من شِعب مكة إلى أزقة غزة، تثبت الأمة أن الحصار لا يصنع إلا أقوياء، وأن الجوع لا يقتل إلا الضعفاء. نعم أولئك الحاقدين الصهاينة الذين يحاصرون المستضعفين اليوم، سيصبحون غدا صفحات منسية في تاريخ الطغيان، بينما ستبقى غزة وشعبها، مثل بني هاشم من قبلهم، مثالا يُضرب للعالم في الصمود، ونصرا يُكتب للمؤمنين.

فإن سنة الله لا تحابي أحدًا: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}.

اقرأ المزيد.. إسرائيل: من الجلاد إلى الضحية!

دلالات
00:00:00