ميلاد حكومة برلمانية بين التشكيك والتبرير

الصورة
المصدر

ما أن تم رفع توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية حتى ثار التشكيك والتبرير حول هذا المخرجات، إذ جاءت خطة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في التحول من برلمان قبلي خدمي إلى برلمان حزبي سياسي على عقد من الزمان، بمجرد أن خرج رئيس هيئة تحديث المنظومة السياسية إلى الإعلام وتحدث عن لقائه مع الملك وأنه طلب 20 سنة للوصول للحكومة البرلمانية، إلا أن الملك أمهله مدة 10 سنوات، حتى ثارت مجموعة من الشكوك والتبريرات حول هذه المدة وهذه الخطة المتدرجة طويلة الأمد، إذ تم انتقادها من النخب المعارضة بعدة وجوه:

  • ترى النخب المعارضة أن إطالة المدة تعني عدم ثقة الجهات الرسمية بالشعب، وأن النخب الحكومية تعتقد أن الشعب قاصر عن ممارسة حقه في الانتخابات وتتعامل معه بفوقية، لكن الشعب يسبق الحكومات ونخبها سياسيا، وأن الشعب الذي أفرز في خمسينيات القرن الماضي حكومة برلمانية ليس بعاجز عن ممارسة الحياة الديمقراطية، ولا إفراز برلمان ديمقراطي ولا حكومة برلمانية حتى لو جرت الانتخاب اليوم.
  • ترى النخب المعارضة في إطالة هذه المدة المضروبة في قانون الانتخابات، ما هي إلا شراء للوقت والمماطلة في الذهاب إلى إصلاحات سياسية حقيقية، وأن الحكومة والنظام يريدان شراء الوقت لتغيير المعطيات والظرف السياسي الخارجي ليعودوا إلى سالف عهدهم بوضع كل الحوارات واللجان ومخرجاتها في الأدراج لتشكيل لجنة أخرى عندما تستدعي الحاجة.
  • ترى النخب المعارضة أن كل الإصلاحات المطروحة تبقى إصلاحات شكلية ما دامت صلاحيات الملك مطلقة في حل مجلس النواب وما دام الملك غير ملزم بتكليف رئيس التحالف الأكبر أو الكتلة الأكبر داخل البرلمان من تشكيل الحكومة برلمانية.
  •  ترى النخب المعارضة أن من أراد توسيع صلاحيات الملك التنفيذية لن يكون جاد في الذهاب إلى حكومات برلمانية، وأن الحكومة البرلمانية على سبيل الفرض الساقط بتشكلها في عام 2032 لن تملك من أمرها الشيء الكثير وهي حكومة منزوعة الصلاحيات والدسم السياسي قبل أن تولد.
  • ترى النخب المعارضة أن إنشاء مجلس للأمن القومي نزع أهم صلاحيات الحكومة البرلمانية في رسم السياسات الخارجية والأمن الداخلي ووضعها بيد الأجهزة الأمنية والملك وأن أي حكومة برلمانية ستكون حكومة كبار موظفين لا حكومة صناع قرار.

لكن الطرف الآخر يرد على تلك التشكيكات وهذا الطرح ويبرر تلك الانتقادات وفقا للتالي:

  •  تأجيل الحكومة البرلمانية جاء من أجل تهيئة ميلاد أحزاب برامجية وطنية وتهيئة الأحزاب القائمة من أجل إعادة صياغة برامجها ومنطلقاتها الحزبية بما يتناسب مع المرحلة السياسية القادمة والقائمة على فكرة البرامجية بدل الشعارات الأممية والعرقية، والوصول للسلطة بدل البقاء في مربع المعارضة، وأن ميلاد حياة حزبية برامجية يحتاج بضع سنوات لتنضج التجربة جميع القوى الحزبية التي عانت خلال أكثر من نصف قرن من التهميش والتهشيم.
  • تنفي الجهات الداعمة لمخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية فكرة شراء الوقت، وأن النظام الأردني ذهب إلى الإصلاحات السياسية وهو في أفضل أحواله من حيث السياسية الخارجية بعد قدوم إدارة بايدن وما شكله له من ارتياح سياسي كبير، وهدوء الشارع في الداخل، وأن النظام أراد الإصلاحات السياسية لذات الإصلاحات ورغبة بها وبناء أردن جديد ولم يذهب إليها تحت أي ضغط، وأن النظام مدرك أن الحياة السياسية الراشدة، ورد سلطة الشعب للشعب أكبر حزام أمني تضعه الجهات الرسمية حول خاصرة الوطن، ولو أرادات الحكومة شراء الوقت لما ذهبت إلى جدول زمني معلوم ومنصوص عليه في القانون، ولما حصنت قانون الانتخاب من العبث به بعد ذلك وتشريعها نص دستوري يتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلس من أجل إجراء أي تعديل على قانون الانتخاب.
  • تبرر الجهات الرسمية توسيع صلاحيات الملك، أنه جاء في مناصب ليس لها علاقة بأي انتقاص من صلاحيات الحكومة البرلمانية كسلطة تنفيذية، وأن تعيين المفتي وقاضي القضاة ومدير المخابرات والأجهزة الأمنية وقائد الجيش.. إلخ جاء لبقاء هذه الأجهزة السيادية محايدة وبعيدة عن أي تجاذبات سياسية، وحتى لا يتم العبث بها وتوجيه معتقدات الناس الدينية وفقا لتوجهات الحكومة القادمة وأيدولوجيتها السياسية، وأن اختيار قائد الجيش ومدير المخابرات والأجهزة الأمنية يخرج هذه الأجهزة من أي تجاذبات سياسية مستقبلا لتكون هذه الأجهزة أجهزة محايدة تقف على الحياد وعلى مسافة واحدة من جميع فرقاء ومتنافسي العمل السياسي.

ترى الجهات الرسمية التي تدافع عن إنشاء مجلس للأمن القومي أن مثل هذا المجلس موجود في الدول الديمقراطية مثل تركيا وأمريكا ويكون تابعا للرئاسة مباشرة ويرسم السياسات الداخلية والخارجية للدولة، كما أن الملف الأمني الأردني في محيط متوتر سياسيا وتحالفات الأردن السياسية حساسة جدا.

كل ذلك يستلزم مشاركة جميع أجهزة الدولة المدنية والأمنية في رسم السياسة الخارجية والداخلية، وأن هذا المجلس يعمل في حالات الاستثناء و الضرورة فقط التي يقدرها الملك عند الحاجة كما هو منصوص صراحة على ذلك في النص الدستوري، كما أن لهذا المجلس دور في الحماية من الاستعصاء السياسي الذي يصيب الديمقراطيات الوليدة.

على طريق مملكة ديمقراطية متدرجة

أيّا كانت حجج التشكيك في مخرجات اللجنة الملكية وأيّا هي مبررات الجهات الرسمية في تسويق تلك المخرجات لكن الشيء المؤكد أننا ذاهبون إلى مملكة جديدة لن تصل إلى الملكية الدستورية بشكلها المعروف عالميا، لكنها مملكة تضع أول قدم لها على طريق مملكة ديمقراطية متدرجة، وإن كانت ستعاني من برلمانات معلقة ما لم يتم رفع العتبة الانتخابية في مسودة قانون الانتخاب في القوائم الحزبية المغلقة من 2.5% إلى 7.5%.

00:00:00