رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين
نحو خارطة طريق لحرية الرأي والتعبير في الأردن
يحيى شقير - رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين
ما دعاني لكتابة هذا المقال أمران؛ الأول المباركة للأخ حسام غرايبة بالموقع الإخباري "husna.fm"، والثاني دعوة وزير الإعلام صخر دودين عبر تغريدة "أنه يُسعد بالتواصل مع الإعلاميين والمواطنين عبر حسابه على تويتر ومنصات التواصل الاجتماعي، لتعزيز دور قطاع الإعلام وتمكينه من أداء دوره الوطني".
إن دولة القانون هي التي تلتزم نصا وروحا بدستورها وقوانينها والتي يجب أن تتناغم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
لضمان حريات الأفراد في مواجهة سلطات الدولة هناك ما يعرف بحريات المُعارضة Opposite liberties مثل حرية التعبير، وحرية الصحافة والتجمع السلمي والانضمام للنقابات، والمشاركة في الانتخابات.
وتنص المادة 15 من الدستور:
- تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.
- تكفل الدولة حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي والرياضي بما لا يخالف أحكام القانون أو النظام العام والآداب .
- تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام ضمن حدود القانون.
المادة 7:
- الحرية الشخصية مصونة.
- كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون.
والسؤال: كيف نحقق التوازن بين المادتين 15 و 7 من الدستور الأردني؟
إن حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة هي ضمن الحريات الأساسية والمفضلة والأجدر بالرعاية التي تنص عليها مختلف دساتير العالم، وغالبا ما تلحق هذه المواد بعبارات مقيدة مثل؛ في حدود القانون، وبما يتفق مع القانون، أو بالشروط التي يحددها القانون، ونجد أن القوانين تتعدى تنظيم الحق الدستوري لتعصف به.
ويلاحظ أنه بالتعديل الدستوري لعام 2011 تمت تكرار عبارة "تكفل الدولة" مرتين إلى النص الأصلي للمادة 15، والكفالة تعني أن تقوم الدول بالتزامات إيجابية لضمان هذه الحرية والامتناع عن اتخاذ أية إجراءات تنتقص منها أو تقوضها.
وفي نفس العام 2011 أقر مجلس الوزراء "الاستراتيجية الإعلامية" التي أشرف على إعدادها وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الزميل الكبير طاهر العدوان كما جرى إعداد أجندة تنفيذية لها عندما كان الزميل الكبير سميح المعايطة وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، وكلا الحدثين أعلنا بحضور ورعاية جلالة الملك، وأعتقد أنه ما زال ممكناً أن تشكل "الاستراتيجية الإعلامية" بداية خارطة الطريق للمستقبل بعد مراجعتها وتحديثها.
وهدفت الاستراتيجية (2011-2015) إلى تعزيز البيئة الموائمة لإيجاد إعلام أردني مستقل ومستنير يقوم على الأسس الآتية:
- بيئة تشريعية مواتية توازن بين الحرية والمسؤولية.
- مهنية عالية للإعلاميين تقوم على التدريب الموضوعي المستدام.
- التنظيم الذاتي للمهنة والالتزام بأخلاقياتها.
ونصت الاستراتيجية في المجال الأول: التشريعات الناظمة للعمل الإعلامي على:
إنهاء العقوبات السالبة للحرية في الجرائم المرتكبة بواسطة المطبوعات وجرائم الرأي، وإيجاد نصوص واضحة وصريحة بمنع التوقيف والحبس في قضايا المطبوعات والنشر، وإلغاء المصطلحات الملتبسة الواردة في التشريعات التي تحتمل أكثر من تأويل أو تفسير. التحول من الذم والقدح الجزائي إلى الذم والقدح المدني. ومن شأن هذا التحول استثناء النيابة العامة من الموضوع وأن يقوم الموظف العام بصفته الشخصية برفع القضية، في حال فرض عقوبات يجب أن تراعي العقوبات مبدأ التناسبية وتقليل الضرر على حرية التعبير
وحقيقة فقد جرى الالتزام بإنهاء العقوبات السالبة للحرية في قانونين فقط، هما قانون المطبوعات والنشر وقانون الإعلام المرئي والمسموع.
وقانون المطبوعات ينظم عمل كافة الصحف الأردنية اليومية والأسبوعية والمواقع الإلكترونية المرخصة (حوالي 185) ومطبوعات أخرى، أما قانون الإعلام المرئي والمسموع فيطبق (تقريباً) على 36 محطة فضائية و37 إذاعة.
وبعد إلغاء العقوبات السالبة للحرية في القانونين السابقين لم نر تنمراً من وسائل الإعلام لا على الدولة ولا على الأفراد. لكن جرت عملية التفاف على التوقيف والحبس في قوانين أخرى أهمها قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لسنة 2015 (خاصة المادة 11 منه)، وقانون منع الإرهاب معدَّل بالقانون رقم 18 لسنة 2014، والذي اعتبر الفقرة (ب) في المادة الثالثة من قانون منع الإرهاب أعمالا إرهابية :"القيام بإعمال من شأنها تعريض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة أجنبية أو تعرض الأردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم"، وهي نسخ ولصق من المادة 118 من قانون العقوبات. وجرى ذلك لإعادة الإختصاص محكمة أمن الدولة
بعد أن نزعه منها قانون المطبوعات والنشر.
كما نصت الاستراتيجية على تشكيل لجنة لتقييم ومتابعة الخطط التنفيذية وإنشاء مكتب تنفيذي لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية يتبع لوزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال ممثلة بإدارة الإعلام والاتصال في رئاسة الوزراء، ولم يص إلى عملي أنه جرى هذا الالتزام.
وكان الأردن أول دولة تنضم إلى "شراكة الحكومة المنفتحةOpen Government Partnership (OGP) ، التي يعد حق الحصول على المعلومات أحد مكوناتها الرئيسية الأربعة. وبموجب خطته الوطنية الأولى (عام 2011)، التزم الأردن "بتحسين سبل الحصول على المعلومات من خلال اعتماد تعديلات للقانون الحالي لضمان حق الحصول على المعلومات بهدف تحسينه وضمان اتساقه مع أفضل الممارسات الدولية". وها قد مرت 11 سنة على هذا الالتزام ولم يتم احترامه.
وبعد حوالي 14 سنة من إقرار قانون ضمان حق الحصول على المعلومات لم يعمل القانون كما كان مأمولا في تيسير تدفق المعلومات من الحكومة للمواطنين والصحفيين لعدة أسباب أهمها أن هناك قوانين مجاورة تؤثر على سلباً على تطبيقه وخاصة قانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم 50 لسنة 1971.