همسة للمعارضة بخصوص اللجنة الملكية

الصورة

لا يخفى على كل عاقل بأن الملك قد أقدم على تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والأردن يعيش أحسن ظروفه السياسية؛ فلا يوجد ضغط حقيقي من الشارع، بمعنى وجود مظاهرات ومسيرات قوية وضخمة تديرها الأحزاب والقوى الوطنية أو حراكات مناطقية ضاغطة ومتعددة، كما كان الحال إبان الربيع العربي، ولا يوجد كذلك ضغط دولي كما كان في مرحلة الرئيس الأمريكي السابق الذي أراد وحاول نزع شرعية الأردن عن ملفات كثيرة وحاول العبث بدور الأردن الإقليمي، ومن الواضح أن الملك يقف بقوة خلف فكرة التعديلات الإصلاحية المتوقعة قريبا وهو يريد وجهاً جديداً للأردن يختلف عن وجهه الحالي، وكما عبر عن ذلك في مقولة له بأن الذي يقف ضد هذا الإصلاح الآن فهو يقف ضد رغبتي.

انقسام المعارضة

المعارضة في الأردن أمام هذا الاستحقاق الجديد انقسمت إلى عدة أقسام؛ فقسمٌ بقي على تشاؤمه من فكرة الإصلاح ونجاحها واستحضر التجارب العديدة التي حاولتها الدولة الأردنية عبر سنوات طوال وتم إفشالها بواسطة القوى المختلفة التي لا نختلف على واقعها، وهي الآن تريد الإصلاح أن يأتي بكبسة واحدة وعلى طبق من ذهب بعد كل هذه التجارب الفاشلة، وقسمٌ تناول الإصلاحات بطريقة هزلية وبدأ يستمتعُ بالترويج للطُرف والنكات حول جدية اللجنة وطبيعة شخوصها وماضيهم وإنجازاتهم فانضم إلى الفريق الأول في سلبيته وتشكيكه في نجاح هذه التجربة، وثالثٌ يحاولُ أن يتفاءل بما يحصل ويتمنى نجاحَ هذه المحاولة التي يعتبرها المحاولة الأخيرة الجادة على درب الإصلاح برغم تواضعها وإدراكهم للتعطيل الممنهج الذي حصل سابقا، ولكنه يعتقد أنها بداية مهمة للتأسيس للإصلاح والبناء عليه ولا بد من دعمها بكل ما أوتيت من قوة.

معارضة تقليدية لم تقرأ قوى الأمر الواقع بصورةٍ صحيحةٍ ودقيقة

مشكلةُ قوى المعارضة التقليدية والتي تنظر للأمر بتشاؤم وسلبية أنها لم تقرأ قوى الأمر الواقع بصورةٍ صحيحةٍ ودقيقة، ولم تُدرك ماذا تمتلك هذه القوى من أجندات ومخططات ووسائل تأثير في كافة مناحي الدولة لتعطيل أي إصلاح، ولم تُدرك كذلك أن هنالك موروثات وترسبات داخلية على صعيد السياسة والاقتصاد والإدارة، والتي لا يمكن أن يتم تغييرها بسهولة ولا نستطيع وبدفعة واحدة أن نغير مسارها عبر تغيير النهج كما يحلو للبعض أن يتمنى ويقول، ففي مقابل التيار الإصلاحي نجد  تياراً "إفسادياً" يتخوف من هذا الإصلاح، والأخير مستعدُ للمحاربة والقتال حتى آخر رمقٍ للحفاظ على مكتسباته وحظوظه ومنافعه التي نعلمها جميعا، وهو تيار متجذرٌ داخل الدولة ومصلحته الحقيقة في وأد فكرة الإصلاح من جذورها، فهو سوف يبذل المستحيل لقتل أية فكرة إصلاحية ولن يجعل أية مخرجات تمر بسهولة دون أن يتصدى لها ويحاربها. 

المشكلة الثانية لدى المعارضة أنها لا تمارس المعارضة بدهاء وحنكة، ويكتفي معظمها بترديد المقولات التي بات الجميع يعرفها، ولا تمتلك إحصائيات دقيقة أو معلومات مؤكدة حول معظم القضايا التي تعارضها، و لا تمتلك وسائل التغيير التي باتت قوى الإفساد تمتلكها، فانطبق عليها ذلك المثل الذي يقول "أوسعتهم شتما وفازوا بالإبل" فتراهم يتحدثون غالبا أحاديث عامة يرددها الجميع دون تمحيص أو تدقيق أو امتلاك للمعلومة الدقيقة وهو الأمر الذي يشتت جهود الإصلاح بلا شك.

اللجنة الملكية تسير في حقل ألغام

اللجنة الملكية تسير في حقل ألغام كبير وهي تُدرك طبيعة المخاوف التي تحيط بعملها وتحديدا في شكل قانون الانتخاب القادم، فهنالك مخاوف تتعلق بالجغرافيا ومقاعد المحافظات ونسبة التمثيل المتوقعة، ومخاوف أخرى تتعلق بالديمغرافيا والجدل الواسع الذي يُثار حولها وحول تعريفها ومدلولاتها، ومخاوف تتعلق بالأحزاب وضرورة تمثيلها ونسبة وجودها، وأخرى تتعلق بالكوتات وتوزيعها وكذلك مقاعد المرأة والشباب والمخاوف الأمنية وغير ذلك الكثير، والذي يجعل عمل اللجنة صعبا وتحتاج فيه بلا شك إلى كل الدعم والتأييد والمؤازرة لدفعها باتجاه أن ترى مقترحاتهم النور وأن يتم الموافقة عليها من قبل مجلس النواب بعد ذلك، لتصبح بعدها تشريعات نافذه تنقلنا من حال إلى حال وتضعنا على أول الطريق.

مرحلة لن تمر بسهولة

هذه المرحلة لن تمر بسهولة وستقف قوى الشد العكسي وقوى الأمر الواقع ضد أي إصلاح مهما كان بسيطا، وهي باعتقادي تطربُ لصوت ذلك الخطاب الذي يُشيطن اللجنة وأفرادها ويتشاءم بكل سلبية من مُخرجاتها المتوقعة، فتصبح هذه القوى مع بعض المُعارضة المسكونة بالهواجس كالعصيّ في الدولاب، فلا إصلاح حققنا ولا تغيير أنجزنا وبقينا نراوح المكان والزمان، وحينها ستستفيد تلك القوى من سلبية المُعارضة  وستصب في صالح التراجع والخيبة السياسية هذا مع تأكيد اختلاف الدوافع والأهداف بين الفريقين.

فرصة اللجنة الملكية باعتقادي فرصة عظيمة وهي فرصة لعقد توافقات داخل الدولة وتقريب وجهات النظر المختلفة، ولا بد من التروي وانتظار النتائج التي ستصدر عنها وأن نختبر اقتراحاتهم ونزنها في ميزان السياسة ونطورها مع الزمن عبر الممارسة، واجبنا جميعا أن ندعم بشدة التغيير القادم مهما اعتبرناه صغيراً وثانويا فالتجارب التاريخية المشابهة لظروفنا تثبت أن التغيير البطيء سيساهم في دفع عجلة الإصلاح حتى لو كان متأخرا.

لا تغيير يأتي على طبق من ذهب

التغيير السياسي لن يأتي دفعة واحدة ولن يأتينا على طبق من ذهب، والنهج السياسي لا يمكن أن يتغير عبر قرار من جهة واحدة محاطة بقوى تُفرغ القرار من مضمونه غالبا، والدولة العميقة لن تسمح للأمر أن يسير بسهولة ويُسر، والانتقال الديمقراطي في كل العالم لا يحصل خلال سنوات معدودة بل يحتاج إلى نضال سياسي مدروس عبر عقود طوال، ولن يحصل ونحن نعيش حالة الهواجس والتشكيك والتأزيم والخوف والتردد.

الأكثر قراءة
00:00:00