24 آذار.. حكمةٌ بأثرٍ رجعي

الصورة
AFP - صورة تعبيرية
AFP - صورة تعبيرية

كنا وما زلنا جميعًا من التواقين لمحاربة الاستبداد وأدواته، والفساد وشخوصه وهيئاته، والمُناداة بسلطة الشعب التي تُعيد للشعب حقوقه المنزوعة، من القدرة على تشكيل الحكومات ومحاسبتها محاسبة حقيقية، والقدرة على خوض الانتخابات النيابية ضمن قانون يُنتج نوابًا للوطن يستطيعون بحق ممارسة الرقابة والتشريع لمصلحة هذا الوطن، والسعي نحو استقلال القضاء استقلالًا تامًا، ورفع أي سُلطة للأجهزة الأمنية على الحياة السياسية، واسترداد مُقدرات الوطن التي تم نهبها في غفلة من الوقت، وإعادة هندسة مؤسسات الدولة بحيث تُقدم خدمات نوعية نستطيعها في ظل إمكاناتنا.

كل ذلك وغيره دفع مُعظمنا للمشاركة في مسيرات وهبّات وحراكات الربيع العربي التي كان الأردن جزءا منها، وظهرت حراكات شعبية متعددة ومتنوعة، وبرزت تيارات وأحزاب تماهت مع رغبة الشعوب في التغيير ومحاربة الاستبداد والقِصاص من لصوص الوطن الذين سرقوا الأخضر واليابس وجعلونا في ذيل الأمم.

حركة 24 آذار

برزت في خضم الربيع الأردني حركة 24 آذار، التي امتازت بكل حق بتناغم معظم التوجهات الحزبية من يسارية وإسلامية ووسطية وحراكية ومناطقية والتقائها على أهداف شعبية مطلبية واحدة، والتفت جميعها حول مشاعر وطنية واحدة، وقامت الأجهزة الحكومية بمحاولة شيطنتها ووصفها بالإقليمية أو المناطقية أو المدعومة خارجيًا وغير ذلك من الأوصاف لإضعافها! وقد شاركتُ حينها ببعض فعالياتها وكتبتُ عنها مادحاً ومتألما من طريقة فض اعتصام دوار الداخلية عام 2011، لكنني عندما أعودُ بالذكريات إلى تلك الفترة فإني أحمدُ الله أن تلك الفكرة لم تنجح ولم تتطور بل توقفت عند حد معين.

أحمدُ الله أن تلك الفكرة لم تنجح ولم تتطور بل توقفت عند حد معين

كيف ننساقُ خلف جهةٍ لا نعلمُها؟ وكيف نكون جزءًا من حراكٍ عطّل البلد والناس بحشوده على دوار الداخلية؟ وكيف قبِلنا أن نستمعَ لأول بيان صدر من حركة 24 آذار ،قالوا فيه صراحة بأمور تتعلق بالمُحاصصة والحقوق المنقوصة وغير ذلك من المصطلحات الدخيلة التي كان الهدف منها زعزعة الاستقرار السياسي لأهداف لا نعلمها، وبالمناسبة، فقد غادرَ الحراكَ بعضُ الذين جهزوا أفكار الخطاب ليلا وفوجئوا نهارًا بخطاب مختلف! حيث جاء البيان  بمصطلحاتٍ وأفكار لم يتفق عليها من قام بإعداد أفكار البيان الأصلية من الشباب المُنظمين للفكرة كما أعلم.

جميع تجارب التغيير العربية فاشلة!

تجاربنا في جميع الدول العربية التي أرادت شعوبها فرض التغيير بالقوة، جميعها تجارب فاشلة؛ حيث أدخلت بلدانهم في صراع وتخلف وفقر وشتات وتهجير وغير ذلك، لا لأن الشعوب تريد تلك الهوجاء وإنما لأن الأنظمة استفادت من حالة عدم الاستقرار للانقضاض على الثورات ووأدها، لأن ذلك يهدد مصالحها، ولوجود دول عميقة مُتمكنة ومتجذرة يصعب خلعها بالقوة، فقوتها أشد وتمكنها أقوى مما نظن ونتخيل.

الطريق الوحيد للإصلاح في العالم العربي، هو فقط الإصلاح في ظلِّ الاستقرار

أحمد الله أن فكرة 24 آذار بتلك الطريقة لم تنجح، وإلا كنا الآن في حرب ودماء وأشلاء وتهجير ونزوح، ويبدو أن الطريق الوحيد للإصلاح في العالم العربي هو فقط الإصلاح في ظلِّ الاستقرار، وهذا لا يعني بأي حال دعوتي لتوقف المسيرات والاعتصامات والحراكات السلمية، لكنها يجب أن تكون جميعها مضبوطة وأن لا يكون هدفها الرئيس كما كان في اعتصام 24 آذار عام 2011 هو إغلاق البلد والشوارع من أجل تحقيق الضغط الشعبي، وأن تكون تحت قيادة نعرفها وجهات نثق بها، فأخطر نقطة في فكرة 24 آذار أنها لو فشلت وأدخلت البلد في الفوضى والعبث فلن يتحمل وزر ذلك أحد، ولو نجحت لكثُر المتسلقون على فكرتها.

صفحة جديدة لإحياء الفكرة!

برزت صفحة جديدة قبل أيام  عبر وسائل التواصل تطلب من الناس التفاعل معها لإحياء الفكرة دون ذكر أي تفاصيل أو معلومات عن فعالياتهم، وهذا بحد ذاته لا يُطمئنني، وباعتقادي أن بقاء حالة الضبابية عن نشاط وأفكار من يقف خلف الصفحة يجعل علامات التساؤل تحضر بشدة، ويجعل ذكريات الإغلاق للبلد تقفز للذاكرة، فمن هم هؤلاء الذين أعادوا تأسيس الصفحة ولماذا يختبئون خلف الاسم؟ ولماذا يُروجون لفعاليات لا نعلمها؟

محاربة الاستبداد والسعي نحو الإصلاح "سلميًا" وفي ظل استقرار البلد، طريق طويل وشاق في عالمنا العربي، وسيستهلك من أعمارنا أعوامًا طويلة، لكنه سيجنبنا دفع تكاليف باهظة بقيادة جهات لا نعرفها ولا نعرف توجهاتها، والمسيرات والاعتصامات والحركات مطلوبة وضرورية لإثبات حالة الرفض للنهج غير الصحيح، والدعوة كذلك لإحياء فكرة 24 آذار كحركة رفض شعبية مفهومة في مسارها الصحيح، فهي إرث حراكي مجتمعي مهم ومنجَز عظيم من إنجازات الربيع الأردني، بشرط عدم استحضار التجربة السابقة المتعلقة بإغلاق الطرقات والشوارع، أو أن تكون الفعاليات تحت قيادة هُلامية غير مرئية وغير معروفة.

بقلم: غيث هاني القضاة

الأكثر قراءة
00:00:00