أبو عبيدة.. الصوت الذي صار ذاكرة المقاومة وضميرها الحي

الصورة
حذيفة الكحلوت "أبو عبيدة" الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام
حذيفة الكحلوت "أبو عبيدة" الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام
آخر تحديث

في مسار القضية الفلسطينية، لا تصنع الرموز من الأسماء وحدها، بل من المواقف، ومن القدرة على تحويل الكلمة إلى فعل، والصوت إلى معركة. هكذا تشكلت ظاهرة أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذي تجاوز كونه متحدثا إعلاميا ليغدو أيقونة مقاومة، وصوتا جامعا لشعب محاصر، ومرآة لتحولات النضال الفلسطيني في أكثر مراحله قسوة ودموية.

أبو عبيدة الجذور الأولى: ولادة على تخوم النكبة

في مخيم جباليا للاجئين، حيث تتوارث العائلات الفلسطينية الذاكرة كما تتوارث الألم، ولد حذيفة سمير عبد الله الكحلوت في 11 شباط 1984، لعائلة هجرتها النكبة من قرية "نعليا" عام 1948. هناك، تشكلت شخصيته بين فقر المخيم وقهر الاحتلال، فكبر وهو يحمل في وعيه المبكر معنى الفقد والاقتلاع، ومعنى أن تكون فلسطين قضية حياة لا شعارا.

العلم قبل السلاح: التكوين الفكري والعقدي

التحق الكحلوت بالجامعة الإسلامية في غزة، حيث درس العقيدة، متسلحا بالعلم قبل السلاح، ومؤمنا بأن الصراع مع الاحتلال ليس عسكريا فقط، بل فكري وحضاري أيضا. 

لاحقا، واصل دراسته الأكاديمية، وحصل على درجة الماجستير عام 2013 عن بحث تناول "الأرض المقدسة بين اليهودية والمسيحية والإسلام"، في دلالة على عمق اشتغاله المعرفي في صلب الصراع.

الالتحاق بالقسام: من الميدان إلى المنصة

منذ عام 2002، انخرط الكحلوت في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام، متنقلا بين العمل الميداني والإعلامي، حتى أصبح الناطق الرسمي باسم الجناح العسكري. لم يكن هذا الدور تقنيا أو شكليا، بل مهمة مركبة تجمع بين الانضباط العسكري، والدقة الإعلامية، والحرب النفسية.

الظهور الأول: صوت يولد من تحت الركام

في 2 تشرين الأول 2004، ظهر "أبو عبيدة" للمرة الأولى، متحدثا عن العدوان الإسرائيلي على مخيم جباليا. منذ تلك اللحظة، بدا واضحا أن هذا الصوت مختلف: كلمات مختصرة، ونبرة ثابتة، ووضوح بلا انفعال. لم يكن يصرخ، لكنه كان يحدث أثر الصدمة.

عملية الوهم المتبدد: الانطلاق إلى العالمية

في حزيران 2006، لمع اسم أبو عبيدة دوليا عقب إعلان أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عملية "الوهم المتبدد". حينها، لم يكن مجرد ناقل خبر، بل مهندس رواية مقاومة أربكت دولة الاحتلال الإسرائيلي، وثبتت معادلة الردع، وأعادت الاعتبار لفكرة الأسر كأداة استراتيجية.

ثبات تحت النار: من الحروب المتتالية إلى طوفان الأقصى

خلال حروب 2008 و2012 و2014، ظل أبو عبيدة حاضرا بثباته المعهود، بينما فشلت محاولات الاحتلال المتكررة لاغتياله. ومع معركة "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول 2023، تصدر المشهد بوصفه صوت المعركة، ومرجعها الإعلامي، وناطقها الأكثر مصداقية، حتى لدى الإعلام الإسرائيلي نفسه.

الأيقونة الغامضة: الكوفية التي صنعت كاريزما

لم يعرف لأبي عبيدة وجه، ولم يؤكد له اسم في سجلات الاستخبارات الإسرائيلية. كوفية حمراء، وزي عسكري، وعلم فلسطين على الذراع، وصوت موزون بدقة. بهذا الغموض، صنع كاريزما نادرة، ناقضت مفهوم "النجومية" السائدة، وجعلت من الإخفاء قوة، ومن الصمت هيبة.

حرب الرواية: حين صدقه الخصوم قبل الأنصار

تحول أبو عبيدة إلى مصدر معلومات يعتمد عليه حتى الإسرائيليون، الذين باتوا يترقبون خطاباته بقلق. لم يكن يبالغ، بل يقدم ما يضطر الاحتلال للاعتراف به لاحقا. هكذا هزم آلة الدعاية الإسرائيلية بالصدقية، لا بالصوت العالي.

الاغتيال: محاولة إطفاء الرمز

في 30 آب 2025، استهدف الاحتلال أبو عبيدة مع زوجته وأطفاله. لكن الاغتيال لم يكن نهاية الحكاية، بل بدا، كما في كل تجارب المقاومة، بداية لمرحلة جديدة، حيث يتحول الشهيد إلى فكرة، والصوت إلى ذاكرة جمعية.

نعي القسام: ترجل القائد الكبير

قال الناطق العسكري الجديد باسم كتائب القسام في نعيه:

"نزف إلى أمتنا وشعبنا القائد الكبير حذيفة سمير عبد الله الكحلوت، الذي ترجل بعد عقدين من إزعاج الأعداء وإثلاج صدور المؤمنين.. قاد منظومة إعلام القسام بكل اقتدار، ونقل للعالم مجريات طوفان الأقصى في أبهى صورها وبطولات مجاهدي غزة".

أكثر من ناطق: نبض أمة كاملة

لم يكن أبو عبيدة مجرد ناطق عسكري؛ كان صوت مرحلة، وصدى وجدان، وجسرا بين المقاومة وشعبها، من غزة إلى عمان، ومن تونس إلى أقاصي العالم، كانت عبارته الختامية "وإنه لجهاد… نصر أو استشهاد" بردا على قلوب المكلومين، وتذكيرا بأن المعركة لم تكن يوما بلا معنى.

اقرأ المزيد.. غارات إسرائيلية وقصف مدفعي على غزة

00:00:00