أزمة سد النهضة..هل تجد الحل بعيدا عن الحرب
حشود عسكرية إثيوبية في إقليم أمهرة تتحرك باتجاه معسكرات الجيش السوداني في الفشقة
يبدو أن لا أفق للحل لمشروع سد النهضة الذي تنفذه أثيوبيا في ظل إصرارها على المضي بإقامته، وتمسك كل دولة بمواقفها دون تنازلات، الأمر الذي صعب من التوصل إلى إتفاق ملزم وعادل لملء وتشغيل السد.
تطورات خطيرة ومتسارعة تشهدها أزمة سد النهضة، الأمر الذي دفع مصر والسودان، إلى الاتفاق على تنسيق جهود البلدين على الصعيد الإقليمي، وعلى صعيدي القارة الأفريقية والعالم، من أجل دفع إثيوبيا إلى التفاوض بجدّية حول ملف سد النهضة، ومن أجل التحرك لحماية السلم والاستقرار في المنطقة.
اتفاق مصري سوداني لمواجهة التعنت الأثيوبي
صدر بيان مصري سوداني مشترك أمس (الأربعاء)، حيث اتفق الجانبان على "جدية المخاطر والآثار الوخيمة المترتبة على الملء الأحادي لسد النهضة من قبل الجانب الأثيوبي، وتشغيله بعد أن وصلت المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي إلى طريق مسدود بسبب التعنّت الإثيوبي".
ودعا البيان المجتمع الدولي إلى التدخل لدرء المخاطر المتصلة باستمرار إثيوبيا في انتهاج سياستها القائمة على السعي لفرض الأمر الواقع على دولتي المصب،" والإعلان عن عزمها على ملء سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل دون مراعاة لمصالح السودان ومصر".
وعلى صعيد متصل، تحرّكت حشود عسكرية إثيوبية في إقليم أمهرة شرقي البلاد، باتجاه معسكرات الجيش السوداني بمنطقة الفشقة في ولاية القضارف، بحسب موقع "سوادن تربيون".
إقرأ المزيد: سد النهضة:الخرطوم تطلب وساطة رباعية في المفاوضات مع إثيوبيا
هل هناك أفق للحل
الخبير المائي الدكتور لؤي الفروخ، يعتبر أن الاختلافات السيادية والسياسية بين هذه الدول الثلاث، هي السبب بعدم الوصول إلى اتفاق حتى الآن، لافتا إلى أن الأمر معقد لدى مصر كونها بحاجة إلى المياه أكثر من السودان التي لديها فائض من المياه.
ويرى في حديثه لـ حسنى، أن لا أفق للحل في ظل إصرار إثيوبيا على المضي بإقامة السد، والتجاذبات الدولية وتمسك الدول بمواقفها دون تنازلات، وعدم التنسيق والتشاور مع باقي الدول.
بالنسبة للجانب الأثيوبي فإن المشروع يهدف إلى إنتاج الطاقة الكهربائية وتصديرها إلى الدول المجاورة دون الأخذ بالاعتبار الآثار المترتبة على مصر والسودان.
يؤكد الفروخ أن المشروع يتسبب بأضرار كبيرة على اقتصاد البلدين، حيث سيقلل من كمية المياه التي تحصل عليها مصر من مياه النيل خاصة أنها تعتمد بشكل كبير عليها لتلبية احتياجاتها من مياه الشرب، والري المستخدمة في الزراعة، بنسبة تصل إلى 95 %، ولها أيضا حقوق طبيعية وتاريخية في هذا النهر بموجب اتفاقيتي 1929 و 1959 اللتين لا تمنحان مصر حق الموافقة على مشاريع الري في دول المنبع فقط، لا بل لها حق استخدام الفيتو على أي مشاريع من شأنها التأثير على كمية المياه المتدفقة باتجاه مصر.
ويشير إلى التأثيرات السلبية على السودان، والتي تتمثل بانخفاض منسوب النيل وهذا يكلف طاقة كهربائية أكبر، بالإضافة لحجز الطمي وحرمان السودان من الزراعة الطبيعية في أطراف النيل وتضييق مساحة الأراضي، كما أن المشروع يمثل خطرا جزئيا على الثروة السمكية في أطراف النيل.
ويؤكد أن نهر النيل الأزرق يغطي 90% من احتياجات السودان المائية، و100% بالنسبة لمصر، لذلك فهو حيوي بالنسبة للدولتين.
بناء سد النهضة
بدأ بناء سد النهضة على النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية الإثيوبية عام 2011. وتقدر تكلفته الفعلية بحوالي 4.6 مليار دولار، باستثناء تكلفة خطوط نقل الطاقة، ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة في نهاية المشروع 8 مليار دولار، وعند اكتمال عمليات الإنشاء سيكون أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية بطاقة توليد تصل إلى 6 آلاف ميغاوات.
ويقع السد في نهاية النيل الأزرق داخل الحدود الإثيوبية في منطقة "بني شنقول-قماز"، وعلى بعد حوالي 20-40 كم من الحدود السودانية، وعلى ارتفاع حوالي 500-600 متر فوق سطح البحر. و يصل معدل الأمطار في منطقة السد حوالي 800 مم/سنوياً.
أميركا انجزت دراسات المشروع
وفكرة المشروع قديمة حيث كان نتيجة اتفاق أميركي أثيوبي للتعاون للقيام بدراسة شاملة لحوض النيل الأزرق، خاصة بعد عزم مصر على إنشاء السد العالي في ذلك الوقت، وجرى التوقيع على اتفاق رسمي بين البلدين، حيث أنجزت الولايات المتحدة دراسة للمشروع خلال الفترة (1958-1964 ) وكان ذلك إبان قرار مصر اللجوء للاتحاد السوڤيتي لبناء السد العالي في مصر (1960-1970).
وانتهت تلك الدراسة بتقديم تقرير شامل عن الهيدرولوجيا ونوعية المياه، وشكل سطح الأرض، والجيولوجيا والموارد المعدنية، والمياه الجوفية، استخدام الأرض، وأخيراً الحالة الاجتماعية والاقتصادية لحوالي 25 حوض فرعي، وأعلنت الدراسة من خلال 7 مجلدات مكونة من تقرير رئيسي بعنوان "الموارد الأرضية والمائية للنيل الأزرق" و حدد المكتب الأمريكي المعتمد لتنفيذ الدراسة 26 موقعاً لإنشاء السدود أهمها أربعة سدود على النيل الأزرق الرئيسي : كارادوبي، مابيل، مانديا، وسد الحدود (النهضة) بإجمالي قدرة تخزين 81 مليار م³.
أثيوبيا تريد توليد الكهرباء
يبين الفروخ أن أثيوبيا أرادت من بناء السد توليد الكهرباء بالأساس لفقرها في مجال الطاقة الكهربائية واستخدام الطاقة الكهربائية، لذلك فإن المشروع بالنسبة لها ليس لأجل الري وتجميع الماء، إنما للكهرباء، التي تعتبرها قضية سيادية، وبدون الرجوع إلى الدول الأخرى في المجرى والمصب.
ولكن لا يخفي الفروخ أن للسد آثارا إيجابية إذ انه يخفف الفيضانات، ويؤدي إلى تجميع واحتجاز الطمي ومنعها عن مصر والسودان الامر الذي يحمي البلدين من أي أضرار على المناطق والسكان، لكن بالمقابل يضر بالزراعات المعتمدة على الفيضان وكميات المياه الكبيرة مثل زراعة الرز.
مصر تخشى بشكل كبير من تراجع حصتها من مياه النيل على ضوء ضخامة المياه اللازمة لتعبئة البحيرة الاصطناعية المتشكلة بمساحة 246 كيلومترا مربعا وتتسع إلى أكثر من 74 مليار متر مكعب،فيما تعتبر السودان المشروع تهديدا لمواردها المائية، في وقت يبدو أن أديس أبابا غير مستعدة للتراجع عن خططها.
وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، كان أعلن في 2 كانون الثاني (فبراير) الماضي أن بناء سد النهضة الإثيوبي "يسير كما هو مخطط له"، محملا مصر والسودان مسؤولية عدم التوصل لاتفاق بشأن سد النهضة، ومعتبرا أن أديس اأابا مرنة جدا في المفاوضات وأنها غير معنية بفشل المفاوضات.
وقال إن "التنبؤ بشأن اندلاع حرب على مياه النيل خاطئ"، مؤكدا أن المشروع "عامل لتعزيز وتنمية دول حوض النيل".
لكن وزير الري السوداني ياسر عباس، يؤكد في تصريحات صحفية أن أي ملء من جانب واحد لخزان سد النهضة الإثيوبي يمثل "تهديدا مباشرا للأمن القومي السوداني".
وهذا ما يؤكده الخبير الفروخ أن الخلاف سيقى قائما على تعبئة السد في هذه الفترة ،لأن السد تم تنفيذه وانتهى ،فيما ستبقى حصة المياه هي مصدر الخلاف، بحيث لا تؤثر على السودان ومصر ،وبالذات القاهرة التي لا تريد أن تحرم من حصتها من تدفق المياه.
وحتى يتم الوصول الى حل لهذه المشكلة التي بدأت تتوسع بين الدول الثلاث، اقترح الوزير السوداني توسيع مظلة مفاوضات سد النهضة "لتشمل مع الاتحاد الإفريقي، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وتحويل دور هذه المؤسسات الأربع من مراقبين إلى وسطاء".