أكد وزير الخارجية أيمن الصفدي خلال كلمته في افتتاح الدورة العاشرة لمؤتمر روما لحوارات البحر الأبيض المتوسط، أن قطاع غزة بات يشكل مقبرة
أنفاق المقاومة.. معجزة القرن ومقبرة الاحتلال
لطالما مثلت شبكة أنفاق غزة الضخمة التي بنتها حركة المقاومة الإسلامية حماس تحت أرض القطاع جحيما لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وسرا عصيا عن الكشف طوال سنوات.
ويبلغ طول أنفاق غزة 500 كيلومتر في القطاع الذي تصل مساحته إلى حوالي 360 كلم2، وفق القيادي في حركة حماس يحيى السنوار.
أنفاق غزة.. معجزة القرن الواحد والعشرين
واستطاعت حركة حماس أن تبني حصنا منيعا أسفل الأرض لتكون التهديد الأكبر على مستقبل الكيان المحتل، والرعب الأول أمام الجندي الإسرائيلي الذي يقدم على الاقتراب من أراضي غزة.
وأصبحت سلسلة أنفاق غزة العنكبوتية معجزة القرن الواحد والعشرين؛ نظرا لامتدادها الواسع وسريتها العالية التي ظلت عصية على الكشف رغم كل المحاولات الإسرائيلية الرامية إلى رسم خريطة للشبكة.
ووفقا لبعض التقديرات تعد أنفاق غزة الأكبر بالعالم بعد شبكة المنشآت التي بنتها كوريا الشمالية وفقا لتقرير نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، حيث يعتقد أن حماس تستخدمها لتخزين الطعام والوقود والأسلحة، كما يتواجد فيها قياديو الحركة لاتخاذ القرارات العسكرية، عدا عن استخدامها الأبرز والذي يتمثل بتنفيذ عمليات عسكرية تجاه جيش الاحتلال الإسرائيلي.
أنفاق غزة جحيم للاحتلال
وعلى مدار التاريخ كانت الأنفاق الأرضية بمنزلة مقبرة للمعتدين؛ يتنقل فيها المقاومون كيفما أرادوا ويعجز العدو عن معرفة تحركات أصحاب الأرض، ليغدو عاجزا عن النجاح في تحقيق هدفه.
شبكة أنفاق غزة هذه جعلت أي مسؤول عسكري إسرائيلي يفكر طويلا قبل أن يقدم على خوض عمليات عسكرية برية في قطاع غزة؛ حيث تكبد جيش الاحتلال خسارة مريرة عام 2014 عندما قتلت حماس 11 جنديا إسرائيليا بعد محاولة تسللهم عبر الأنفاق.
ووفقا لحركة حماس فإن التقديرات تتحدث عن وجود 1300 نفق بطول 500 كيلومتر ويصل عمق بعضها إلى 70 مترا تحت سطح الأرض، كما أن معظم هذه الأنفاق يبلغ ارتفاعها مترين ويصل عرضها إلى مترين، فيما قالت وكالة "رويترز" إن عمق بعض الأنفاق يصل إلى 80 مترا.
ونظرا لاتساع شبكة الأنفاق وسريتها أقدمت صحيفة "معاريف" العبرية على وصف أنفاق غزة بـ "الجحيم تحت الأرض". وجاء في صحيفة "معاريف":
"يزعم الخبراء العسكريون أن شبكة أنفاق غزة التي بنتها حماس تشكل أحد أكبر التحديات أمام جيش الدفاع الإسرائيلي إذا قام بغزو قطاع غزة".
رئيس دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة في الأكاديمية العسكرية الأمريكية جون سبنير، اعتبر أن حجم التحدي الذي تواجهه "إسرائيل" في غزة فيما يتعلق بالأنفاق يعد فريدا من نوعه. وتنقسم أنفاق غزة إلى ثلاثة أنواع على النحو التالي:
-
أنفاق هجومية وظيفتها شن عمليات عسكرية ضد العدو الإسرائيلي.
-
أنفاق دفاعية تستخدم داخل غزة ووظيفتها نصب الكمائن وتنقل المقاتلين بعيدا عن أعين الطائرات.
-
أنفاق لوجستية تستخدم لإدارة المعركة وتوجيه المقاتلين وتخزين الذخائر والعتاد العسكري وتحوي مقاسم الاتصالات السلكية الداخلية.
كما تستخدم تلك الأنفاق لنقل جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين يتم أسرهم، وفق شبكة الجزيرة للإعلام.
اقرأ المزيد.. المقاومة بالمرصاد.. خمسة أيام على محاولات التوغل البري
جنود الاحتلال يقاتلون أشباحا في غزة
يخرجون من غيابة الأرض، يختطفون الجندي، يستخدمون الكمائن والفخاخ، ويعودون إلى باطن المجهول دون أن يلحظهم أحد، "وكأنهم أشباح".. هذا المصير المجهول هو ما يواجهه الجندي الإسرائيلي فور دخوله أحد أنفاق المقاومة في غزة.
جندي إسرائيلي سابق شارك في حرب عام 2014 يدعى "أرييل بيرنشتاين" قال إن أنفاق المقاومة مربكة؛ لأن مقاتلي حماس كانوا يظهرون فجأة من العدم، مضيفا:
"أنت لا تراهم.. كان الأمر وكأنك كنت تقاتل أشباحا".
فيما اعتبر تقرير مطول لوكالة "أسوشيتد برس" أن شبكة أنفاق غزة تعد التهديد الأكبر على القوات الإسرائيلية التي يعلن قادتها بشكل مستمر أنهم عازمون على تنفيذ اجتياح بري واسع.
وقال التقرير إن قتال الجيش الإسرائيلي تحت الأرض سيجرده من المزايا التكنولوجية التي يمتلكها، وسيمنح حركة المقاومة الإسلامية حماس مزايا قتالية فوق الأرض وتحتها؛ نظرا إلى أنها الجهة التي صممت أنفاق غزة وتعلم مداخلها ومخارجها السرية.
وتعد "حرب الأنفاق" من أكثر الحروب صعوبة على مدى التاريخ البشري؛ حيث يمكن للطرف المنشئ للنفق أن يختار المكان الذي ستبدأ به المعركة، ويحدد كيف ستنتهي، وهذا ما كان جليا في تصريحات المقاومة الفلسطينية التي أكدت مرارا على استعدادها لتنفيذ ضربة موجعة للجيش الإسرائيلي حال بدئه في عملية اجتياح بري للقطاع.
"إسرائيل" تفشل في إغلاق شبكة العناكب
شبكة أنفاق غزة التي بنتها حماس كانت في البداية تتكون من شبكة صغيرة يتم من خلالها نقل البضائع من غزة إلى مصر، إلا أن تضييق الخناق واستخدام "إسرائيل" لعمليات قصف جوي واسعة، إضافة إلى الطائرات المسيرة جعل المقاومة تشرع في توسعيها لتغدو مركزا تنطلق من خلاله العمليات العسكرية تجاه العدو الإسرائيلي.
وشعرت "إسرائيل" بمخاطر هذه الأنفاق عليها بعد حرب عام 2014، وفق صحيفة "معاريف" العبرية، رغم أن "إسرائيل" كانت على علم بوجود الأنفاق منذ عام 2001 عندما استخدمت حماس نفقا لتفجير قنبلة تحت موقع حدودي.
وشرعت قوات الاحتلال منذ سنوات طويلة بتنفيذ خطط سعيا إلى تدمير أنفاق غزة، حيث شكلت قوة في الجيش الإسرائيلي عام 2004 سميت "سامور" أو "ابن عرس"؛ بهدف تحديد مواقع الأنفاق وتدميرها باستخدام روبوتات يتم التحكم بها عن بعد.
وبين تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" أن "إسرائيل" استعانت بالقصف الجوي واستخدمت متفجرات على الأرض لتدمير الأنفاق، إلا أن كل ذلك ليس كافيا لتدمير هذه الشبكة وتطهيرها بشكل كامل.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن مصر قامت عام 2015 بإغراق أنفاق تعود لحماس تحت الحدود الجنوبية لقطاع غزة بطلب إسرائيلي. وذكرت الصحيفة أن الجيش المصري كان يضخ مياه بحر بشكل دوري داخل الأنفاق العابرة للحدود بين غزة ومصر؛ بهدف القضاء على ما أسموه "نشاط جماعات إسلامية متطرفة".
وتعد الأنفاق جزءا مهما من الحرب المعنوية التي تخوضها المقاومة ضد الاحتلال، حيث اصطحبت مراسل وكاميرا الجزيرة في رحلة داخل أحد أنفاق المقاومة السرية في قطاع غزة، حيث ظهر عناصر حركة حماس وهم يمارسون جهادا من نوع آخر تحت الأرض، إنهم يقضون أياما وأسابيع في عمق الأرض؛ يشقون الصخور بأياديهم ويحفرون الرمال بأنفاسهم المتقطعة، ويعدون العدة لملاقاة العدو، صورة تبث الرعب في نفس المحتل الذي لا يعرف ما تخبئه له الأرض.
اقرأ المزيد.. بحر غزة.. الشاهد الأبرز على وهن الاحتلال الإسرائيلي أمام كوماندوز المقاومة
قنابل إسفنجية لإغلاق الأنفاق!
تركت معركة طوفان الأقصى أثرا صادما للإسرائيليين، مما جعلهم يبدؤون حربا إرهابية على المدنيين في قطاع غزة، ويفكرون بشكل جدي في التخلص من معضلة شبكة أنفاق غزة إلى الأبد، رغم المحاولات السابقة الفاشلة.
وكشفت صحيفة التلغراف البريطانية عن تجهيز "إسرائيل" لسلاح سري سوف تستخدمه في حال إقدامها على اجتياح بري للقطاع.
وقالت الصحيفة إن "إسرائيل" سوف تستخدم ما يعرف بالقنابل الإسفنجية لسد أنفاق حماس، حيث لا تحتوي القنبلة على متفجرات إلا أنها تحدث انفجارا مفاجئا للرغوة التي تتوسع بسرعة ومن ثم تتصلب لتشكل حاجزا يسد بوابة النفق أمام المقاومين.
وأوضحت الصحيفة أن "إسرائيل" بنت شبكة أنفاق وهمية في قاعدة "تسيليم" العسكرية بالقرب من حدود غزة، وأخضعت جنودها لتدريبات على كيفية استخدام القنابل الإسفنجية عام 2021.
وتحتوي الأجهزة المتخصصة للقنبلة على حاجز معدني يفصل بين سائلين، وبمجرد إزالة الحاجز تمتزج المركّبات بعد أن يرمي الجندي القنبلة نحو الهدف.
وتعد القنبلة الإسفنجية خطرة وفق "التلغراف" فبالرغم من أنها تعد مستحلبا سائلا من الناحية الفنية إلا أن بعض الجنود الإسرائيليين فقدوا بصرهم بسبب سوء التعامل مع الخليط المكون للقنبلة.
كما سربت صحيفة "ميدل إيست آي" قبل أيام خبرا عن أن الاحتلال ينوي ضخ غاز الأعصاب في الأنفاق ليشل المقاومين ويمكن جيش الاحتلال من استرداد رهائنهم.
كيف تحدد "إسرائيل" مواقع أنفاق المقاومة؟
ادعت صحيفة "معاريف" العبرية أن "إسرائيل" تمتلك أساليب مختلفة لتحديد مواقع أنفاق المقاومة في قطاع غزة. وتتوزع أساليب الكشف وفق الصحيفة على النحو التالي:
-
استخدام الرادار وتقنيات البصمات المغناطيسية والحرارية والصوتية.
-
الأبحاث البشرية، وذلك بتتبع إشارة هواتف أفراد حماس المتوجهين للأنفاق.
-
استخدام الغاز المسيل للدموع أو المواد الكيميائية للقضاء على الأنفاق.
-
استخدام ما يعرف بـ"القنابل الخارقة للتحصينات" المصممة لاختراق الأرض.
-
استخدام القنابل الموجهة بدقة.
-
نشر وحدات خاصة لحرب الأنفاق واستخدام أجهزة استشعار وروبوتات وكلاب مدربة في بيئات محاكاة للأنفاق.
وتدعي الصحيفة أن "إسرائيل" لا تستخدم الغاز للكشف عن الأنفاق؛ باعتباره أمرا غير قانوني، كما تدعي أن "إسرائيل" لا تستخدم الصواريخ الخارقة للتحصينات بحكم الاكتظاظ السكاني في القطاع البالغ عدد سكانه نحو 202 مليون نسمة على مساحة بطول 40 كيلومترا وعرض ما بين 6 و14 كيلومترا.
إلا أن العمليات الهمجية المتواصلة بحق سكان قطاع غزة المدنيين منذ 26 يوما تفند هذه الادعاءات التي تصور جيش الاحتلال الإسرائيلي كجيش نظامي يحترم قوانين الحرب الدولية.
اقرأ المزيد.. تعرف على أبرز المعارك التي دارت بين المقاومة والعدو الإسرائيلي