ما بين المطرقة والسندان مر عام 2023 فمطلعه زلزال وختامه طوفان، وقد حمل هذا العام بين طيات أيامه حزنا واسعا وآلاما كثيرة، إلا أن ألطاف الله كانت تتجلى في كل منها.

زلازل 2023.. أعنفها في تركيا وسوريا وأصعبها في المغرب وأفغانستان

لم تكن الزلازل في عام 2023 حدثا عاديا، خصوصا وأنها لحقت بعدة بلدان، وكانت شدتها كبيرة وأثرها مؤلما: 

زلزال تركيا وشمال سوريا

ففي فجر السادس من شباط، في الساعة 04:17 تحديدا، اهتزت الأرض بما حملت في زلزال كان مركزه السطحي غرب مدينة غازي عنتاب في تركيا، وبلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، ووصل تأثيره إلى مناطق واسعة في شمال سوريا. 

صنف الزلزال وما لحقه من زلازل ارتدادية بأنها من أقوى الزلازل التي ضربت تلك المنطقة، حيث راح ضحيته نحو 50 ألف شخص في كلا البلدين، وأكثر من 25 ألف جريح عانوا ما عانوه من بتر في الأيدي والأقدام وغيرها إثر الصعوبات التي واجهت فرق الدفاع المدني في انتشال العالقين تحت الأنقاض وخاصة في سوريا. 

ورغم صور الدمار والفقد والحزن، إلا أننا جميعا لن ننسى لطف الله الذي سلم الطفلة " آية" التي ولدت تحت الأنقاض وفارقت أمها، واعتنقت حياة جديدة من تحت الركام، وغيرها من الأطفال ممن تمكنت فرق الإنقاذ من إخراجهم أحياء بعد نحو أسبوع من الزلزال. 

واعتبر العالم ما عانته تركيا وسوريا ألما جماعيا حيث شاركت عشرات الدول بإرسال المساعدات وطواقم الإنقاذ لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض.

اقرأ المزيد.. زلزال تركيا وسوريا.. تواصل عمليات الإنقاذ ورجاء بالله لم ينقطع

زلزال المغرب

في الثامن من أيلول من عام 2023، ضرب زلزال بقوة 6.8 درجة على مقياس ريختر إقليم الحوز في المغرب، ما أدى لوفاة أكثر من 3 آلاف شخص غالبيتهم في مناطق نائية وتقع في أطراف المغرب، حيث هدمت قرى بأكملها فيما عانت قرى أخرى لأيام طويلة ولم تستطع الجهات المعنية الوصول إليها لتقديم المساعدة. 

زلزال أفغانستان

في السابع من تشرين أول وقع زلزالان آخران بقوة 6.3 في ولاية هرات الأفغانية ما أدى لوفاة ما يزيد عن 1000 شخص في زلزال كان الأصعب على المنطقة التي تعاني من ظروف صعبة.

إعصار دانيال.. درنة تغرق دون مقدمات

ولم يكن أيلول لهذا العام "بذنب مبلول" كما يقال شعبيا، وإنما كان العاشر منه إعصارا جاب اليونان وقبرص ومصر وصولا إلى ليبيا، التي عصر قلوب أهلها حزنا على ما خلفه في مدينة درنة الليبية من دمار فلم يبق منها حجر على حجر.

وأعاد إعصار دانيال فتح ملف الاحتباس الحراري والتغير المناخي، حيث أرجع خبراء في الأرصاد الجوية تشكل دانيال إلى موجة الحرارة البحرية التي أثرت وما زالت تؤثر على منطقة شمال المحيط الأطلسي، كما رجح خبراء الطقس وجود علاقة بين الاحتباس الحراري وشدة الأعاصير وسلوكها.

اقرأ المزيد.. إعصار دانيال الذي ضرب سواحل ليبيا يرسل غباره إلى الأردن

السودان.. نفق بلا مخرج

ورغم أن السودان قد مرت في أزمات عديدة، الطويلة منها زمنيا والقصيرة، والقاسية منها إنسانيا وسياسيا، إلا أنه في الخامس عشر من نيسان بدأ يعيش السودان انقساما واستقطابا سياسيا بين الفرقاء بشأن "اتفاق إطار" لحل الأزمة السياسية، فجّر خلافا بين الجيش وقوات الدعم السريع، وقاد إلى حرب شعواء لم تشهدها الخرطوم منذ أكثر من 100 عام، حيث أغلق نفق السياسة وفتح أفواه البنادق، وامتدت آثار الحرب إلى كردفان ودارفور وراح ضحيتها الآلاف، وشردت الملايين. 

وما زالت شهادات السودانيين منذ نيسان وحتى اليوم تدلل على استمرار الأزمة وتوسعها ومعاناة المئات، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات واسعة على يد قوات الدعم السريع بحق النساء من تحرش واغتصاب والاستيلاء على المنازل بعد طرد السكان منها وتهجيرهم والإعدامات الميدانية التي ارتكبت بحق المدنيين.

أردوغان يحصد فوزا لم يكن سهلا.. والسيسي إلى الحكم مجددا

وعلى المستوى السياسي شهد عام 2023 عدة انتخابات لم يكن بعضها سهلا، فيما كان بعضها الآخر سهل المنال ومحسوما. 

حيث أجرت تركيا انتخابات رئاسية جربت فيها للمرة الأولى التصويت على جولتين؛ نظرا إلى أن الجولة الأولى والتي عقدت في الـ 14 من أيار لم يحصل فيها أي مرشح على نسبة 50% +1، وأقيمت الجولة الثانية في الـ 28 أيار حيث فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بعد أن حصد 52.15% من إجمالي الأصوات، مقابل أقل من 48% لمنافسه كمال كليجدار أوغلو.

في تونس نُظمت انتخابات للمجالس المحلية تمهيدا للرئاسية، حيث لم تحظ بتفاعل الشعب التونسي الذي وصفه المحللون بأنه أدار ظهره لها، في تعبير عن رفضه لكافة المسار السياسي الذي يقوده الرئيس التونسي قيس سعيّد. 

وشهدت مصر في الـ 12 من كانون الأول انتخابات وصفت بأنها أقرب "بالشكلية" حيث فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بنسبة تصويت بلغت 80%، والذي وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري عام 2013، وعزا المحللون شكلية الانتخابات إلى ركاكة المرشحين أمام السيسي دون برامج سياسية أو خلفيات برامجية تذكر. 

سياسيا أيضا، شهد عام 2023 انقلابا في النيجر في الـ 26 من تموز، حيث احتجز الحرس الرئاسي في النيجر الرئيس محمد بازوم وأعلن قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه قائدا للمجلس العسكري الجديد.

الحرب الروسية الأوكرانية لم تطفئ نيرانها بعد

واستمرت الحرب التي اندلعت بين أوكرانيا وروسيا للعام الثاني على التوالي، حيث ما زالت قوات البلدين تخوض حربا تسيطر فيها تارة على مناطق وتفقد سيطرتها على مناطق أخرى تارة أخرى، ولعل أبرز ما تمخضت عنه الحرب لعام 2023، هو مقتل أبرز مخطط لها ومشارك فيها رئيس مجموعة فاجنر الروسية يفغيني بريغوجين الذي قاد تمردا مسلحا ضد نظام فلاديمير بوتين ليتراجع عنه اليوم التالي ويغادر إلى بيلاروسيا، ليلقى حتفه هناك بما قيل إنه حادثة سقوط لطائرته بعد ثلاثة أشهر من تمرده. 

بريغوجين الذي كان صديقا لبوتين لسنوات وسنوات أعطى درسا بأن الحرب لا تترك للصداقة مكانا. 

وبحسب بيانات هيئة أركان القوات الأوكرانية، فإن موسكو خسرت نحو 235 ألف جندي خلال 2023، ليتجاوز الرقم حاجز 340 ألف جندي منذ بداية الحرب.

اقرأ المزيد.. الحرب على أوكرانيا تفضح وجه العنصرية تجاه غير الأوروبيين

القرآن الكريم في فوهة العنصرية وتشارلز يرتدي جبة الحكم 

وشهد عام 2023 عدة أحداث بارزة كانت حديث الصحف وعناوينها؛ فتشارلز الثالث الذي تجاوز عمره 75 عاما، يتوج في حفل ومراسم غير مسبوقة امتدت لساعات طويلة، حيث جلس خلفا لإليزابيث على كرسيه مطوقا بالجواهر ليتم تتويجه في الـ 6 من أيار ملكا رسميا على المملكة المتحدة. 

ولم يسلم المصحف الشريف من الكراهية هذا العام أيضا، حيث قام حاقد في السويد في شهر تموز بحرقه دون أن يتم تجريمه مرة أخرى، فيما لاقى فعله لهذا العام صدا أوسع واحتجاجات وصلت إلى حد تفكير السلطات السويدية أن تجعل من حرق المصحف الشريف جريمة كراهية يعاقب عليها القانون.

قمة جدة في أيار وكوب 28 في دبي 

ووسط ترحيب ببشار الأسد، انطلقت أعمال القمة العربية الثانية والثلاثين في جدة السعودية في الـ 19 من أيار لهذا العام، ليكون رئيس النظام السوري حاضرا بعد غياب دام عشر سنوات عن أروقة القمة. 

وفي دبي في الـ 30 من تشرين الثاني، عقد مؤتمر كوب 28 بهدف دفع الدول إلى تسريع وتيرة الانتقال للطاقات النظيفة، حيث وقعت الإمارات أبرز اتفاق لها حول استخدام الوقود الأحفوري في الطاقة كنقلة نوعية في الطاقات النظيفة حول العالم.

اقرأ المزيد.. العدوان الإسرائيلي على غزة يلقي بظلاله على قمة المناخ في دبي

فاجعة الحمدانية واستهداف حفل تخريج في حمص

سوريا والعراق اللتان تتشاركان منذ سنوات خطر التفجيرات المفاجئة والفوضى المؤلمة، شهدتا هذا العام أيضا أحداثا مأساوية. 

حيث فُجع أهالي الحمدانية في نينوى العراق في الـ 26 من أيلول بحريق كبير اندلع داخل قاعة أفراح راح ضحيته 120 شخصا وأصيب أكثر من مئتين، حملت السلطات مالك القاعة المسؤولية إلا أن القضاء لم ينصف أصحاب الحق بعد. 

كما شهدت حمص السورية هجوما بطائرة مسيّرة على حفل تخريج في الكلية الحربية أدى إلى مقتل 125 شخصا دون سابق إنذار أو تحذير، حيث بقي ملف التفجير مجهول الفاعل، خاصة أن كبار الضباط تم إخلاؤهم قبل التفجير بدقائق.

الكويت تودع أميرها في عام 2023

وقبل أن يغلق العام دفاتره ودعت الكويت أميرها الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح السبت عن عمر يناهز الـ 86 عاما، فيما أدى شقيقه أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح -ذو الـ 83 عاما- اليمين الدستورية خلفا له ليصبح بذلك الأمير الـ 17 للدولة من أسرة الصباح.

اقرأ المزيد.. الأردن ينعى فقيد الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ويعلن الحداد 3 أيام

طوفان الأقصى.. نصر مؤزر والمقاومة تترك الباب مواربا للعام الجديد

ولعل أبرز حدث سيكتبه التاريخ وسيدرس بالمناهج ولو بعد حين، هو ما أقدمت عليه حركة حماس في السابع من تشرين أول الماضي، حيث سطرت فيه ملاحم عسكرية بعد دخولها غير المسبوق إلى الأراضي المحتلة واحتجاز ما يزيد على 200 إسرائيلي والإجهاز على نحو 1000 جندي، ليرد الاحتلال على ذلك بقصفه المدنيين العزل في غزة في إبادة مستمرة ستدخل شهرها الثالث وعاما جديدا دون أن يستطيع العالم بأكمله أن يوقفها. 

طوفان الأقصى ليس مجرد حدث عابر في عام 2023 حيث أفردت له حسنى تقريرا خاصا.

اقرأ المزيد.. طوفان الأقصى في يومها الـ 83 حصيلة الشهداء تتجاوز الـ 21 ألفا