انتخابات نقابة الصحفيين وتحديات المرحلة المقبلة

الصورة

انتهت انتخابات نقابة الصحفيين الأردنيين التي جرت يوم الجمعة الماضي، وشهدت سخونة كبيرة لم تعهدها مجالس النقابة السابقة، وبغض النظر عما أفرزته من نتائج يمكن أن ترضي البعض أو أنها فاجأت البعض من الصحفيين بنتائجها غير المتوقعة، فإن السؤال الذي يطرح الآن وفي هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها الصحافة وخاصة الصحافة الورقية، من أزمات عديدة فرضتها عوامل مثل التنافس مع الصحافة الإلكترونية والتداعيات التي فرضتها جائحة كورونا، من ينقذها ويحميها من الأخطار وهي تشهد مرحلة زوال وأفول؛ كما يعتقد البعض.

نتائج غير متوقعة

رغم أن الانتخابات شهدت تنافسا قويا و حادا بين المترشحين لمنصب النقيب، لكن نتائجها لم تكن متوقعة، كون المؤشرات كانت تصب في اتجاه مرشح آخر، لأن النقيب الفائز راكان السعايدة قدم استقالته من المجلس السابق وأعلن عدم نيته الترشح لهذا الموقع مستقبلا، لكنه عاد ليخوض الانتخابات وينتزع مقعد النقيب من منافسيه.

الانتخابات شهدت لأول مرة في تاريخ نقابة الصحفيين تشكيل كتل من قبل المرشحين لمركز النقيب، ولكنها كتل لم تبنى على برامج أو توجهات فكرية أو حزبية أو سياسية، كما لم تعكس النتائج قوة الكتل وتأثيرها، وإنما بنيت ضمن علاقات واختيارات فردية وبعضها عكس توزيعا للمؤسسات الإعلامية، بحيث يستفيد منها المرشحون بالأصوات الانتخابية، فكانت الأصوات تؤخذ حياءا وتحت حلف الأيمان و الإحراجات وتبادل الأصوات والتناحر على حساب الأفضلية.

وأظهرت النتائج عدم انسجام في تشكيل الكتل، فالكتلة المعلنة من قبل راكان السعايدة النقيب الفائز والذي حصل على 321 صوتا ، والمشكَّلة من نائب نقيب و8 مرشحين لعضوية المجلس لم يفز فيها إلا عضو مجلس واحد، فيما كتلة المرشحة لمركز النقيب فلحة بريزات والتي حصلت على 277 صوتاـ فاز فيها عضوان اثنان، أما كتلة المرشح لمركز النقيب طارق المومني والذي حصل على 301 صوت، فاز فيها أربعة أعضاء منهم منصب نائب النقيب جمال اشتيوي والذي حصل على 403 أصوات، وفاز عضوان مستقلان يمثلان وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، وهذا يؤكد فشل الكتل في تحقيق غاياتها،

ويتخوف صحفيون من أن تنعكس تشكيلة المجلس غير المتجانسة على الأداء والعمل والإنجازات التي ينتظرها الصحفيون بعد أن وصلوا إلى مرحلة من اليأس نتيجة غياب المنجزات والمشاريع التي يمكن أن تدعم صندوق النقابة الذي يعاني من الاستنزاف.

وعلى غير  ما اعتدناه من مخرجات الانتخابات منذ سنين لم تصل أي سيدة لمجلس نقابة الصحفيين الأردنيين، وهذا مؤشر واضح على النزعة التي طغت على جهد صحفيين لإيصال النقيب الذي يؤيدونه دون النظر إلى الحسابات الأخرى التي تتشكل على أساسها مجالس النقابات وما تفرضه من وجود تيارات وأصحاب آراء بمختلف توجهاتهم والتي تغني العمل النقابي، بينما احتشد صحفييون آخرون من أجل إيصال سيدة لمركز النقيب ولكن لم يكتب لها النجاح وكان الغياب التام للمرأة لأول مرة منذ 7 دورات متتالية أي منذ عام 1999.

لم يلتزم المرشحون بقائمة الكتل، وكأنهم مدركون لعدم جدواها وصدق نيتها، فكان التواصل بين المرشحين والهيئة العامة ضمن خطوط فردية سرية وتحالفات غير معلنة تكشفت فيما بعد، إذ أفرزت النتائج التحالفات الفردية بين الفائزين بعضوية المجلس، ومحاولاتهم الحجب عن آخرين.

صحفيون أكبر من الجسم النقابي 

يبدو أن جسم النقابة الذي بدأ نشأته مع الإعلام الورقي لم يع التسارع التكنولوجي وتعدد وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، التي همشت الصحافة الورقية وباتت تقدم أنواعا من الصحفيين خارج اشتراطات عضوية النقابة ما يجعل الجسم الحقيقي الأكبر للصحفيين خارج النقابة.

ولا يبدو أن عقل النقابة يدرك أن توجهات جديدة تنشأ لإطلاق أجسام نقابية إعلامية جديدة لا تخضع للنقابة وحساباتها وتكتلاتها، وتلوح في الأفق مبادرة لتأسيس نقابة للمذيعين، بينما تصر النقابة على إهمال تعديل شروط العضوية لاستيعاب المئات من خريجي الصحافة والإعلام وعاملين في وسائل إعلامية كالإذاعات والفضائيات، و المراسلين الصحفيين لوسائل إعلام خارجية تفرض مهنيتهم ومهاراتهم أن يكونوا في داخل الجسم النقابي الواحد ليشكلوا إضافة نوعية للنقابة ودعامة أساسية في العمل المهني في ظل عدم وجود تيارات فكرية فاعلة ومؤثرة وقادرة على تطوير مهنة الصحافة.

تحديات كبيرة أمام الجسم الصحفي

تفرض المرحلة المقبلة تحديات كبيرة أمام القطاع الصحفي ومجلس نقابته الجديد ويتطلع الصحفيون إلى تجاوزها للوصول إلى مرحلة جديدة من البناء والعمل والنهوض وتالياً أهم عواملها:

إعادة هيكلة الإعلام الرسمي

الهيكلة ضمن عملية معدة منذ فترة طويلة شغلت عنها جائحة كورونا وما أحدثته من تداعيات على مستوى القطاعات والأفراد، ولكنها أعيدت منذ أشهر قليلة من خلال نقل زملاء وزميلات من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى المكتبة الوطنية، إضافة إلى قيام بعض المؤسسات الصحفية بمنح امتيازات للصحفيين لتشجيعهم على ترك عملهم، ويتخوف البعض أن تكون هذه البداية للسير في طريق الهيكلة التي ربما تضر بالمؤسسات الصحفية العريقة على حساب المؤسسات المستجدة.

العجز المالي للنقابة 

تواجه النقابة أوضاعا مالية صعبة بسبب غياب المشاريع الاستثمارية وعدم تحصيل نسبة الواحد بالمائة من المؤسسات الإعلامية وخاصة من الصحف اليومية التي توقفت عن توريد هذه النسبة منذ أكثر من خمس سنوات وقد بلغت قيمة التحصيلات المستحقة على الصحف اليومية للنقابة أكثر من مليون دينار أردني، إذ أن تحصيل هذه المبالغ يدعم صناديق النقابة الخاوية وبالذات صندوق التكافل الاجتماعي إذ أن هناك أكثر من 40 صحفيا بانتظار حقهم في هذا الصندوق.

تعديل قانون نقابة الصحفيين

 يحتاج قانون نقابة الصحفيين إلى تعديلات تتواكب مع تطورات الإعلام الإلكتروني، وآلية إجراء الانتخابات بحيث تجرى ضمن كتل، إلى جانب إزالة القيود على الحريات الإعلامية، وضم كوادر صحفية مهنية تخضع إلى تدريب إعلامي عالي المستوى.

البطالة والأوضاع المعيشية للصحفيين

يواجه المئات من الصحفيين أوضاعا مالية صعبة ظهرت بوضوح خلال جائحة كورونا بعد أن أغلقت الصحف وأصبحت المواقع الإلكترونية تعمل من المنازل مما قلص عدد العاملين بها، وهناك صحفيون خرجوا من مؤسساتهم بفعل الهيكلة ما يزالون في سن العطاء والعمل ويمكن الاستفادة من خبراتهم في العمل كمستشارين إعلاميين أو مدربين.

ملفات عديدة يمكن العمل عليها إذا وجدت الإرادة الحقيقة من أعضاء المجلس لتنفيذها وانجازها، والجسم الصحفي يتحمل المسؤولية في حالتي النجاح والفشل، والتجارب السابقة أثبتت ذلك فما زرعه الصحفيون في ممارساتهم جنوه في مجالسهم التي اختاروها.

00:00:00