قراءة في مجلس الأمن الوطني

الصورة

بقلم ليث أبو نواس 

آخر تحديث

كان موضوع مجلس الأمن الوطني، الأكثر إثارة للنقاش والحوار والجدل بين مختلف الأطياف والتيارات السياسية في الأردن، والذي خرجت به اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من ضمن توصياتها لتطوير الحياة الحزبية والسياسية باطار تشريعي.

مجلس الأمن الوطني

سأتطرق هنا إلى مقترح واحد، وهو مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية أو كما تم إعادة تسميته بعد تعديله من اللجنة القانونية في مجلس النواب إلى مجلس الأمن الوطني، وخاصة أن مثل هذا المقترح يحتاج إلى وقت من النقاش وإثراء الآراء حوله والرجوع إلى مصادر مختلفة قبل إقراره.

بعد البحث والقراءة العامة في نصوص الدستور الأردني الحالي؛ خرجت بعدة نقاط تبين التعارض الدستوري مع المقترح بوجود مثل هذا المجلس بصفة استشارية وربما تشريعية كما يلي:

- التعارض مع أحكام الدستور العامة في مصادر التشريع وشكل السلطات الثلاث الواردة في نص الدستور الحالي في المواد، الأمة مصدر السلطات، والمادة 24 تمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور، والمادة 25 تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك ويتألف مجلس الأمة من مجلسي الأعيان والنواب، ونهاية بالمادة 26 حيث تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام هذا الدستور.

- التعارض مع نص الدستور الحالي في المادة 45 والتي تنص على تولي مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي قانون إلى أي شخص أو هيئة أخرى.

- التعارض مع نصوص المادة 33 والتي توضح أن: 1- الملك هو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات والاتفاقات.

 2 - المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة والتي تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية.

هذه البنود السابقة، تبين اللغط والتعدي على صلاحيات السلطة التشريعية مناطة لمجلس الأمة، وكذلك التعدي على صلاحيات مجلس الوزراء في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية ورسم السياسات العامة وكذلك تتعارض مع تخصيص إعلان الحرب والصلح وإبرام المعاهدات والاتفاقات بقرار الملك ومؤسسة العرش بالإضافة إلى مجلس الأمة!

وإن كان هدف هذا المجلس هو تطبيق بنود النص الدستوري بتوكيل مجلس الوزراء لهيئة تمارس المهام السابقة كما تنص المادة 45 من الدستور في فرعيها 1 و 2 فان الأولى أن يكون مشروع هذا المجلس صادر بقانون أو نظام يعكس ويطبق مبادئ الدستور دون اعطائه الصفة الدستورية الجامدة وإبعاده عن المتابعة والرقابة!

الفروقات بين المجلس الوطني ومجلس الأمن القومي 

تبادلت الأقلام ووسائل الاعلام المحلية مصطلحات المجلس الوطني ومجلس الأمن القومي أو الوطني بالتواتر مستدلين من دول مختلفة كأمثله على المجلس المقترح في التعديلات الدستورية، وفي حقيقة الأمر وبعد التحقق من المصادر المختلفة، فإن الأعراف الدولية ممثلة بممارسات مختلف الدول في العالم تبين أن هناك فروقات جوهرية بين هذه المجالس، وكل مجلس مختلف عن الآخر ويمارس مهام وصفة مختلفة بناء على دساتير كل دولة ونظام الحكم فيها، وفيما يلي قراءات في مختلف الأمثلة توضح حقيقة ومهام المجلس كما يلي:

ما هو المجلس الوطني في الأعراف والقوانين الدولية 

المجلس الوطني هو تسمية خاصة لما يعرف بالمجلس الأدنى، وهو واحد من غرفتين في البرلمانات المكونة من مجلسين، ويرد هذا الاسم عادة في الدول التي تملك برلمان ثنائي " نظام تشريعي متكون من مجلسين أو ثنائي" و يطلق على الغرفة الأخرى المجلس الأعلى.

ومن الشائع بين كثير من بلدان العالم تسمية المجالس الدنيا باسم مجلس الممثلين أو الشعب أو العموم أو النواب. وغالبًا ما يكون مجلس النواب هو المسؤول دائمًا عن وضع التشريعات بحكم وجود تمثيل أكبر وعدد أعضاء أو مقاعد يفوق المجلس الأعلى، والمجلس الأعلى هو الهيئة التي تقدم "نظرة ثانية" وتقرر ما إذا كانت ستعترض بحق النقض "الفيتو" أو توافق على مشروع القانون حسب الدستور في الدولة.

ومن الأمثلة على استخدام هذه التسمية الخاصة، المجلس الوطني في (سويسرا) كمثال: المجلس الوطني (بالألمانية: Nationalrat، بالفرنسية: Conseil national، بالإيطالية: Consiglio nazionale، بالرومانشية: Cussegl naziunal) هو مجلس النواب في الجمعية الاتحادية (السلطة التشريعية الاتحادية في سويسرا) ويبلغ عدد المقاعد 200 مقعد، وهو بذلك أكبر المجلسين.

ينتخب المواطنون المحققون للسن القانونية أعضاء المجلس جنبا إلى جنب مع مجلس الولايات (46 مقعدا). إذ أن هناك ما يقارب 4.6 مليون مواطن يحق لهم التصويت في عام 2003. وتبلغ مدة خدمة العضو أربع سنوات.

وكذلك المجلس الوطني في (النمسا) كمثال: المجلس الوطني (بالألمانية: Nationalrat) هو واحد من مجلسي البرلمان النمساوي (المجلس الوطني والمجلس الاتحادي التكميلية). وفقا للدستور، والمجلس الوطني هو بالتأكيد أكثر قوة بحيث يتكون من 183 عضوا، و كثيرا ما يوصف بأنه مجلس النواب.

ينتخب المواطنون المحققون للسن القانونية أعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع الشعبي على مستوى الأمة في اليوم الانتخابات العامة. وتبلغ مدة العضو خمس سنوات.

ويتضح أن المجلس المقترح في التعديلات الدستورية لا ينطبق عليه التسمية الخاصة باسم مجلس وطني، وهذا الخلط حدث من قبل مختصين تحدثوا على وسائل الاعلام الأردنية وذكروا وجود مجالس مشابهة بالاسم ولكن في الحقيقة تختلف تماما عن المقصود هنا!

في المقابل وبعد تعديلات اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني، نجد التوجه نحو تسمية المجلس تحت اسم مجلس أمن وطني أو قومي/ ولذلك ارتأيت أن أقوم بتسليط الضوء أيضا على ممارسات الدول التي تملك مجلسا بهذا المسمى ولكن مع ذكر الفروقات الجوهرية.

نظرة على الدول التي تملك مجلس أمن قومي/وطني

مجلس الأمن الوطني (بالإنجليزية: National security council) يكون في العادة عبارة عن فرع تنفيذي للهيئة الحكومية ومسؤول عن تنسيق السياسات ويحمل الصفة الاستشارية للسلطة التنفيذية في شأن قضايا الأمن القومي. ويترأس المجلس بالعادة مستشار الأمن القومي ويتكون الأعضاء من كبار المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين والاستخبارات والأمن العام بالإضافة إلى كبار المسؤولين من الجهات السيادية الأخرى.

ويمارس مجلس الأمن الوطني سلطة الحاكم الواحد في حالات الطوارئ كالحرب والنزاعات الداخلية لتحقيق غاية قصوى وهي من أجل فرض سلطة القانون ومكافحة حالات الشغب وانعدام النظام والأمان.

ويجب الذكر بأن بعض الأنظمة كما في الصين الاشتراكية تملك مجلسا مشابها يحمل الصفة الحاكمة الدائمة وهو عضو أساس في الحزب الاشتراكي الحاكم، وقد وجد هذا المجلس من أجل تنظيم السياسات والتشريعات فيما يتوافق مع مبادئ الحكم والحفاظ على الهوية الاشتراكية!

ويوجد مجلس أمن قومي في حوالي 50 دولة حول العالم منها حوالي 12 دولة عربيه كالمغرب والجزائر وتونس و مصر والسودان والعراق والإمارات.

ومن المهم أن نذكر الدول ذات نظام الحكم الملكي وكذلك الولايات المتحدة كمثال على نظام الحكم الرئاسي.

الدول الرئاسية

مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية وهو مجلس إداري وجزء من المكتب التنفيذي للولايات المتحدة تابع للرئاسة الأمريكية ويتبع بشكل مباشر لرئيس الولايات المتحدة والذي يرأس المجلس، بحيث يختص بقضايا الأمن القومي والأمور المُتعلقة بالسياسة الخارجية.

ويتكون المجلس من مستشار الأمن القومي ومجلس وزراء الولايات المتحدة، ويعتبر أداة لتعزيز صلاحيات الرئاسة الأمريكية في إدارة وتنفيذ القرارات ويستخدم لتمرير القرارات الرئاسية مقابلا للسلطة التشريعية الممثلة بالكونغرس الأمريكي بمجلسيه (الشيوخ والنواب).

الدول الملكية

نذكر هنا المغرب العربي كمثال, حيث ينص الفصل 54 من دستور 2011 المنظم لهيكلة واختصاصات المجلس الأعلى للأمن في مملكة المغرب العربي على أنه: "يحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، ويقوم بتدبير حالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة الضوابط الأمنية الجيدة. ويرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع له، على أساس جدول أعمال محدد. كما يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، وكذلك المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره".

مملكة بلجيكا، وهي من الدول التي تملك نظاما سياسيا (ملكي اتحادي)، بحيث يوجد ملك يرأس الدولة ولكن بصلاحيات محدودة، يعين الوزراء ورئيس الوزراء بعد حصولهم على ثقة مجلس النواب. وفيه نظام برلماني فيدرالي اتحادي، بحيث يتكون البرلمان من مجلسين أحدهما مجلس الشيوخ والأخر هو مجلس النواب بعدد مقاعد أكبر.

يوجد في بلجيكا مجلس أمن وطني مرتبط عمله ويستمد شرعيته من قانون المخابرات والأمن، بحيث يمارس أعمال تقديم الاستشارات التنظيمية والتوجيهات ورسم الخطط والأولويات لأجهزة الاستخبارات ويتكون المجلس من : رئيس الوزراء، نائب رئيس الوزراء ووزراء العدل و الدفاع و الداخلية والخارجية. كما يتم استدعاء كبار مسؤولي الفيديرالية بناء على جدول أعمال المجلس وكل حسب الموضوع والاختصاص.

وتتشابه تركيبة المجلس السابق ومهامه مع مهام مجلس الأمن القومي في المملكة المتحدة، والذي عقد لأول مرة بناء على قانون أقره رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عام 2010 ليحل محل الممارسات غير الرسمية لكبار المسؤولين داخل الحكومة من أجل رسم سياسات الأمن والاستخبارات فيما يتعلق بقضايا الأمن الوطني وإدارة منح صندوق الصراع والاستقرار والأمن.

تعليق

ويتضح أن مقترح الحكومة الأردنية لإيجاد مجلس الأمن القومي بشكله الحالي في الأردن لا يشابه أي من الممارسات الدولية سابقة الذكر، سواء في الدول ذات النظام الملكي البرلماني أو الأنظمة الرئاسية، بل أن في شكل المقترح الحالي تضاربات وتشوهات تضرب مبادئ الدستور العامة في تحديد السلطات الثلاث والحفاظ على مصادر التشريع بمجلس الأمة والملك.

وهذا المجلس الهجين الخليط بين الممارسات السابقة يقترب إلى الحد من صلاحيات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ويضع كيان مشرع جديد بعيد عن الأدوات الدستورية في المحاسبة والمراقبة ويضفي عليه الصفة الدستورية، بدلا من أن تكون مثل هكذا مجالس تابعة للسلطة التنفيذية وتنظم وجودها في قوانين تخضع لرقابة مجلس الأمة.

والسؤال ما هي المصلحة الوطنية من جعل هكذا تشوهات تضرب المبادئ الدستورية العامة عرض الحائط؟

00:00:00