غياب البرامجية عن العمل الحزبي الأردني

الصورة

كنت دائما على قناعة أن النخب الأردنية غالبا ما تتمسك بالشكل وتهمل المحتوى، سواء بالعمل النقابي أو البرلماني أو العمل الحزبي.

أحزاب أردنية قديمة مؤدلجة ذات امتداد تنظيمي خارجي يسوؤها ميلاد أحزاب وطنية جديدة يمكن أن تنافسهم في الشارع، وأحزاب جديدة تتولد وتتناسل تعتقد أنها قادرة على تشكيل المشهد القادم بالأدوات والشخصيات القديمة التي قادت إخفاقات الأردن في الربع القرن الماضي.

غياب للمشروع الوطني في العمل الحزبي

القاسم المشترك بين جميع الأحزاب قديمها وجديدها هو غياب المشروع الوطني، فلا نجد لأي حزب أردني أي مشروع فيما يتعلق بالتعامل مع المشاكل التفصيلية لحياة الناس ولا طرح حلول لتلك الإشكاليات ولا لتخطيط وقيادة نهوض هذا البلد.

جميع الأحزاب الأردنية القديمة والجديدة لا أحد منهم يناقش تفاصيل ما يحتاجه المجتمع الأردني وما هي المشاكل وطرق حلها، الكل يتحدث بالعموميات والكل يتخذ من محاربة الفساد الطريق الأسهل التي يتحدث بها للناس ويستميلهم، والكل لا زال يشخص في الحالة القائمة مع أن التشخيص أصبح يعرفه كل الشعب الأردني لكن الحلول هي التي تغيب عن الجميع.

هل تعمل الأحزاب حقا وفق غاياتها؟

الحزبية والبرلمانات الحزبية عندما ابتدعتها الحضارة الغربية جاءت من أجل إسناد قيادة الدولة للأحزاب بما تملكه من خبرات وكفاءات باعتبار الأحزاب بيوت خبرة تكنوقراط وسياسة قادرة على إيجاد الحلول لمشاكل الناس ومعاشها ومستقبلها.

في الأردن يبدو أننا بحاجة إلى إعادة تعريف بديهيات العمل السياسي والتذكير بأن الحزبية هي منح الفرصة للكفاءات الوطنية لإدارة المال العام والحفاظ عليه وإعادة توزيعه بعدالة، وأن فكرة الحكم ومخ القيادة هو الحفاظ على ضرورات الناس الأساسية وتنميتها والسير نحو الرفاه.

لا زال خطاب الأحزاب محصورا فقط بشكليات العمل الحزبي والاعتقاد أنه إذا استبدلنا ابن الحزب مكان ابن العشيرة ستحل مشاكلنا وهذا شيء بعيد عن منطق الأشياء، لكن كل ذلك يغيب عن الأحزاب الأردنية، ويسيطر عليها خطابات لا تناسب الغاية والهدف الذي قامت من أجله فكرة وعلة الحياة الحزبية بحل مشاكل الناس ومتطلباتهم اليومية وعلى رأسها الأمن والصحة والتعليم والعمل والبنية التحتية والطاقة.

 الملف الأمني في الأردن ملف مستقر؛ فكل ما نحتاجه هو فقط الحفاظ على هذا الإنجاز الممتاز، لكن هناك أربع ملفات تغيب تماما عن الخطاب الحزبي الأردني ولا نجد لها أي اهتمام لا من قريب ولا من بعيد.

ملف الصحي

يغيب الملف الصحي وتفاصيله عن الخطاب الحزبي فلا نسمع الحديث بالتفاصيل بأي مسألة من المسائل الطبية سواء كانت بتوسيع مظلة التأمين الصحي وتوسيع نطاقه، فما تقدمه وزارة الصحة لا يمثل الحد الأدنى للرعاية الصحية، ويكفيك أن تراجع مستشفى حكومي لترى حجم المشاكل القائمة والمعقدة. نحتاج إلى توسيع دور القطاع الخاص وضبط أسعاره وتغطية جميع الشعب الأردني بالمستشفيات الخاصة والذي يمكن أن يولد فرص عمل في هذا القطاع ويحسن الخدمات ويخفف الضغط على المرافق الصحية الحكومية. نحتاج إلى بحث كيف يمكن الانتقال من الطب العام إلى طب الأسرة وكيف يمكن التخفيف على عيادات الاختصاص لتقديم رعاية صحية مميزة ، نعلم أن هناك دراسات معمقة في ذلك، دراسات تخفف تكاليف العلاج الطبي على الموازنة وتوسع التامين الطبي ليشمل الجميع وتفتح القطاع الخاص على مصرعيه بتكاليف أقل بكثير مما هو متاح لكن هذه الدراسات لا زالت محفوظة في الأدراج ويرفض التعامل معها ؟!

ملف التعليم

ملف التعليم المدرسي والتعليم الجامعي أصبح الملف الذي يستنزف جيوب الشعب الأردني، التعليم المدرسي الذي كنا في الأردن نعتز به بدأ يتآكل لحساب التعليم الخاص وبدأنا نتراجع على التصنيف العالمي في جودة التعليم وكأننا نتجه إلى خصخصة التعليم المدرسي كما اتجهنا إلى خصخصة التعليم الجامعي، في الدول الحديثة التعليم المدرسي النوعي مجاني، كما يترك للطالب أن يدرس ما يريد في الجامعة لكن لا يستطيع الخروج من دراسة التخصص إلا من يتمتع بالقدرة العلمية على اجتياز هذه التخصصات، كما وتقدم الدولة للطلاب قروض كاملة للدراسة على أن يقوم الطالب بالسداد بعد انتهاء فترة دراسته والتحاقه بسوق العمل فلا تتكلف الأسر أي مبالغ على التعليم ويبقى التعليم حق للجميع، لكن كيف يمكن لنا أن تتحول الأردن لذلك؟

ملف البنية التحتية

أما ملف البنية التحتية في الأردن سواء كان بشبكة الطرق والقطارات ووسائط النقل فنكاد نكون دولة تشبه الدول المهمشة مع أن تجارب الدول الناجحة في معالجة تلك المسائل تعتمد على نظام التشييد والتشغيل ونقل الملكية ( B.O.T)  في إنشاء البنية التحتية سواء كان في الطرق مدفوعة الأجر بالإضافة إلى الطرق المجانية أو وسائل المواصلات الحديثة وتفاصيل الأمر يطول، أما ملف الطاقة فأمامنا فرصة كبيرة في الطاقة النظيفة لنقدم طاقة رخيصة الثمن تساهم في تسريع عجلة النهوض والتقدم والاستثمار وتخفف على المواطن تكاليف الحياة.

ملف العمل

أما ملف العمل الملف الأكثر حساسية بالنسبة للشعب الأردني فأصبح الظفر بفرصة عمل أمرا بالغ الصعوبة، التجارب من حولنا في هذه الملفات والنجاحات كبيرة، كيف لنا أن نبدل ثقافة الناس من أن الوظيفة ليست الوظيفة الحكومية وأن الحكومة لا يمكنها أن تشغل كل الناس في ظل فائض بالمخرجات الجامعية بأضعاف ما تحتاجه مؤسسات الحكومة، وكيف لنا أن نبدل ثقافة الناس أن القطاع الخاص هو المكان الأفضل للتطور والتقدم وزيادة الدخل، وكيف لنا أن نوطن جميع فرص عمل القطاع الخاص على مراحل زمنية لا تتجاوز العشر سنوات، وكيف لنا تنظيم سوق العمل الخاص وضبط سوق العمل من تأثر الهجرات واللجوء وتجارة الإقامات، كيف يمكن لنا تحويل الشركات الأردنية في سوق التكنولوجيا والحاسوب إلى شركات متعددة الجنسيات بما يملكه السوق من كفاءة تعليمية عالية وقدرات مميزة وانخفاض في الأجر مقارنة بالدول المحيطة لتقدم خدماتها لكل الدول المحيطة وخاصة بعد انتشار ثقافة العمل عن بعد، وكيف لنا تصدير الكفاءات للعمل في السوق المحيط الذي يشهد نهضات عمرانية كبيرة.

هل تكون الثورة القادمة على الأحزاب؟

هذه الأسئلة والتفاصيل تغيب عن كل الأحزاب الأردنية لا أحد يتحدث بها، لا أحد يناقشها، كل ما يدور من معارضات قديمة تشكك بالعملية السياسية ومخرجاتها، وشخصيات سياسية فشلت في الماضي تلبس ثوب الوطنية والتجديد تريد إعادة تدوير ذاتها من خلال بوابة الأحزاب، إن استمر المشهد على هذه الحالة سيخرج الشعب يوما للمطالبة بحظر الأحزاب بعد أن تثبت أنها أسوأ وأفشل من الحكومات المعينة وسوف ينتقل السخط الشعبي من الحكومات المعينة إلى حكومات الأحزاب والسياسيين الغشم الذين يعتقدون أن العمل الحزبي غنم لا غرم فيه.

الأكثر قراءة
00:00:00