النقل العام في الأردن: انهيار منظم

الصورة
سيارة أجرة وحافلات نقل عام
سيارة أجرة وحافلات نقل عام
آخر تحديث

وجدت الدولة في النقل عبر التطبيقات الذكية فرصة لتنفيس حالة البطالة التي يغرق بها الشباب الأردني. بطالة ولدت حالة من الفقر أصبحت تحرك حالة من السخط الشعبي، خصوصا في مدن الأطراف. فتم تسهيل الحصول على قروض لشراء السيارات الحديثة العاملة بالكهرباء، وتم غض الطرف عن وجود أكثر من 39 تطبيق نقل غير مرخص تعمل في السوق الأردني، كما تم التغاضي عن مخالفة السيارات الخصوصية التي تعمل كسيارات جوالة في المدن وتنقل الركاب بأسعار متفاوتة. إذ يقدر عدد السيارات التي تعمل في المدن الأردنية بأكثر من 50 ألف سيارة من خلال التطبيقات، وعدد مماثل –أو أكثر– خارج التطبيقات، مما أدى إلى تكدس السوق بالعرض بما يفوق الطلب بكثير. 

نحو 7 آلاف حافلة في النقل العام يخسر أصحابها شهريا ما بين 250 إلى 300 دينار

قبل ظهور التطبيقات الذكية، كان هناك نحو 17 ألف سيارة تكسي أصفر و7 آلاف حافلة متوسطة وكبيرة تعمل في النقل العام بين المدن وداخلها. وقد ظنت الحكومات المتعاقبة أنها من خلال فتح المجال للسيارات الخصوصية للعمل في قطاع النقل العام وغض الطرف عن العمل المخالف، قد نجحت في تنفيس البطالة وفي الوقت نفسه رفع سوية الخدمة. إلا أن النتائج جاءت بعكس ما أرادت وتمنت، حيث ظهرت مجموعة من النتائج التي تنذر بخطر شديد على المجتمع، وعقدت المشكلة بدل حلها. وأهم إفرازات هذه الحالة ما يلي:

هناك أكثر من 7 آلاف حافلة كبيرة ومتوسطة يخسر أصحابها شهريا ما بين 250 إلى 300 دينار، بسبب منافسة السيارات الخصوصية وتدني أجور النقل. لم تعدل أجور النقل منذ 8 سنوات، رغم التضخم الكبير في أسعار المحروقات وقطع الغيار والزيوت والصيانة وأجور السائقين. حاولت الحكومة ردم الفجوة من خلال تقديم دعم شهري بقيمة 100 دينار لمحروقات كل حافلة، وهو مبلغ لا يكفي لأسبوع عمل، مما ضاعف خسائر أصحاب الحافلات. وانعكس ذلك في عجزهم عن ترخيص الحافلات، حيث تتجاوز كلفة الترخيص السنوية 1000 دينار بين التأمين والرسوم، مما دفع العديد منهم إلى شطب الحافلات وإخراجها من الخدمة. إذا لم يتم وقف هذه الخسائر، فإننا على وشك فقدان هذا الأسطول خلال السنوات القادمة.

انخفاض قيمة سيارات التكسي من 50 ألف دينار إلى 15 ألف

أما التكسي الأصفر فمشكلته لا تخفى على عين المراقب، إذ انخفضت قيمة سيارات التكسي من 50 ألفا إلى 15 ألف دينار، وفي الوقت ذاته انخفض دخل العاملين عليها من 25 دينارا إلى 5 دنانير، وأحيانا أقل، مما جعل حياة 15 ألف أسرة في مهب الريح والعوز، وتلاشت قيمة مركباتهم نتيجة الإغراق الذي أحدثته وسمحت به الحكومة في سوق النقل العام.

هناك استهداف واضح لوسائط النقل العام من حيث تطبيق قانون السير الذي تمت فيه مضاعفة المخالفات في آخر تعديل، بالإضافة إلى قانون التأمين الذي يضيف 50% من قيمة بوليصة التأمين في حال وقوع حادث، مما جعل ترخيص الحافلات والتكسي يصل إلى أكثر من 2000 دينار أحيانا، ما بين مخالفات سير وغرامات تأمين، ورسوم ترخيص، وهي مبالغ لا يغطيها دخل الحافلة أو التكسي طوال العام.

كما تكدست شوارع المدن وخصوصا عمان وإربد والزرقاء بالسيارات، وأصبح الجميع يشكون من الزحام الخانق الذي يهدر فيه كل مواطن أكثر من ساعتين يوميا في طريق ذهابه وإيابه إلى العمل، زحام يتطلب تطويرا كبيرا للبنية التحتية للتخلص منه.

الحكومات تهرب من مواجهة مشكلات النقل العام 

الحكومة تستطيع أن تحجب جميع تطبيقات النقل غير المرخصة، وتستطيع مخالفة السيارات الخصوصي التي تعمل في نقل الركاب بالتطبيقات غير المرخصة، وتخالف السيارات الخصوصي التي تعمل بشكل جوال في الشوارع على مرأى ومسمع الدولة ودون أي رادع. لكن الحكومة لا تريد أن تقوم بذلك، وترى في ترحيل المشكلة وعدم مواجهتها والهروب منها المسار الآمن للحكومات، حتى لا تضع يدها في عش الدبابير الذي تم إرضاعه من ثدي الرضا طوال السنوات السبع الماضية، وكل حكومة تريد أن ترحل المشكلة للحكومة التي تليها ولا تريد مواجهتها.

تسهيل شراء السيارات نشط حركة البنوك وأغرق الناس في الديون

نتج عن السماح بتسهيل شراء السيارات الحديثة حركة نشطة للبنوك وتجارة السيارات، لكنها في الوقت ذاته أغرقت الناس في ديون أصبحوا عاجزين عن سدادها. فالسيارة الخصوصي التي يبلغ أقل قسط لها 200 دينار أصبحت عاجزة عن سداد دفعتها، فدخل السيارة لا يتجاوز 10 دنانير في اليوم بسبب غرق السوق بأكثر مما يحتاج، مما جعلنا نشاهد حجم السيارات المعروضة في المزاد العلني من خلال المحاكم، فأصبح أصحابها عاطلين عن العمل، وفقراء، ومدينين للبنوك أيضا.

الأردن مقبل على حالة يدمر فيها النقل العام ويُترك للفوضى ما لم يتم تدارك هذه المسألة من خلال حجب التطبيقات غير المرخصة، وألا يتجاوز عدد السيارات العاملة في التطبيقات عدد الحافلات والتكاسي، وفي الوقت ذاته رفع أجور التطبيقات لتكون خدمة مميزة لمن يسمح وضعه المالي باستخدام النقل المميز، ودعم التكسي والحافلات لتكون رخيصة وفي متناول الطبقات المتوسطة والفقيرة. 

إذا لم نتدارك حالة الفوضى، فنحن مقبلون على تبخر أكثر من 7 آلاف حافلة و17 ألف تكسي من الشوارع وسوق النقل الأردني، وترك الشعب الأردني، خصوصا الطبقات الفقيرة، لحالة فوضى في النقل لا تحمد عقباها، وستترك آثارا اجتماعية خطيرة على المجتمع وأمنه الاقتصادي والشرطي. 

00:00:00