باحث ومحلل سياسي خبير في الجماعات والحركات الإسلامية
تقدير موقف: تهجير سكان غزة في ضوء تصريحات ترامب ضرب من الخيال السياسي
![ترامب ينزل من الطائرة الرئاسية ترامب ينزل من الطائرة الرئاسية في قاعدة أندروز المشتركة في ولاية ماريلاند 7/2/2025 | المصدر: أسوشييتد برس](/sites/default/files/styles/landing_over_991/public/2025-02/tramb-ynzl-mn-altayrt-alryasyt-fy-qadt-andrwz-almshtrkt-fy-wlayt-maryland.jpg?h=06ac0d8c&itok=BtX3GroP)
أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحاته الأخيرة، طرح فكرة تهجير سكان قطاع غزة، وهو طرح يتقاطع مع مقاربات إسرائيلية سابقة لمشروع تفريغ القطاع من سكانه، سواء عبر الضغوط العسكرية أو الحصار الاقتصادي أو التفاهمات مع دول أخرى لاستقبال اللاجئين، غير أن الواقع الميداني والتجربة التاريخية للحروب على غزة تؤكد أن هذا السيناريو غير واقعي لعدة اعتبارات سياسية وديمغرافية وجغرافية، فما لم تستطع آلة الحرب الوحشية الصهيونية تحقيقه في قطاع غزة، يحاول ترامب التصدي له بفرض التهجير قسرا لسكان قطاع غزة وبتصدير المشكلة إلى حلفاء أمريكا، دون اكتراث لأي اعتبارات أخلاقية أو قانونية، وحلها على حساب الدول الحليفة.
الأبعاد السياسية والتاريخية لاقتراح ترامب
لم يكن تهجير الفلسطينيين من غزة فكرة جديدة، بل تم تداولها في أروقة القرار الإسرائيلي منذ عقود، لكنها كانت تصطدم دوما بجدار المقاومة السياسية والديمغرافية للشعب الفلسطيني. حتى في ذروة الحروب الإسرائيلية على القطاع، لم تفلح "إسرائيل" في دفع السكان إلى النزوح خارج حدود فلسطين، باستثناء محاولات محدودة لإجبار بعض العائلات على المغادرة نحو مصر، والتي قوبلت برفض شعبي ورسمي.
على المستوى السياسي، لا توجد دولة مستعدة لتحمل تبعات استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، لما يترتب على ذلك من تداعيات أمنية وسياسية داخلية، فضلا عن أن القضية الفلسطينية لا تزال قضية دولية تحظى باهتمام واسع، ما يجعل فرض سيناريو التهجير الجماعي مكلفا دبلوماسيا حتى لحلفاء "إسرائيل".
المعطيات الميدانية والعسكرية
خاضت "إسرائيل" خمسة حروب رئيسية ضد قطاع غزة منذ عام 2008، وجربت خلالها أقسى أنواع القصف والتدمير لإجبار السكان على الرحيل، لكنها فشلت في تحقيق ذلك، خلال الحرب الأخيرة، رغم حجم الدمار الهائل الذي طال البنية التحتية والأحياء السكنية، فإن غالبية السكان لم يغادروا القطاع، بل أظهروا قدرة على التكيف مع ظروف الحرب والحصار.
كما أن الواقع الجغرافي لقطاع غزة، المحاط بالحدود الإسرائيلية من جهة ومصر من جهة أخرى، يجعل عمليات التهجير الجماعي شبه مستحيلة، لا سيما مع استمرار إغلاق معبر رفح وغياب أي ترتيبات إقليمية لاستقبال النازحين.
استحالة التطبيق العملي لمقترح التهجير
-
الرفض المصري والأردني والعربي: أي خطة تهجير إلى سيناء أو الأردن أو أي دولة عربية أخرى تواجه رفضا قاطعا، إذ تدرك هذه الدول أن تهجير الفلسطينيين يعني تصفية القضية الفلسطينية وإعادة إنتاج نكبة جديدة لن تكون مقبولة عربيا ودوليا.
-
المقاومة المجتمعية: أظهرت التجربة أن سكان غزة، رغم الظروف القاسية، يرفضون مغادرة أراضيهم، ويعدون ذلك جزءا من نضالهم الوطني.
-
الضغوط الدولية: رغم الدعم الأمريكي اللامحدود لـ"إسرائيل" فإن تهجير سكان غزة قسرا سيواجه ضغوطا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلا عن أن بعض الدول الغربية قد لا تتحمل تبعات تشجيع التهجير الجماعي.
الخلاصة والتوصيات
تصريحات ترامب حول تهجير سكان غزة تعكس رغبة أوساط إسرائيلية في إعادة إنتاج النكبة، لكنها لا تستند إلى أي واقعية سياسية أو ميدانية. فشل "إسرائيل" في تحقيق هذا الهدف بالقوة العسكرية خلال الشهور الماضية يؤكد أن فكرة التهجير ليست فقط غير أخلاقية، بل غير قابلة للتطبيق عمليا.
من هنا، ينبغي التركيز على النقاط التالية:
-
تعزيز الموقف الفلسطيني والعربي والدولي الرافض للتهجير كحل للصراع، وإبراز خطورته على الأمن الإقليمي.
-
التأكيد على أهمية بقاء السكان في أرضهم كجزء من مقاومة المخططات الإسرائيلية.
-
استثمار الزخم الإعلامي والسياسي لفضح أي محاولات لفرض وقائع جديدة على الأرض.
إن الحديث عن تهجير سكان غزة، سواء من قبل ترامب أو غيره، يبقى ضمن الأوهام السياسية غير القابلة للتحقق، فالتجربة الميدانية تؤكد أن سكان غزة، رغم كل الظروف، متشبثون بأرضهم، وأن أي محاولة لفرض التهجير ستواجه مقاومة شعبية ورسمية على كافة المستويات الفلسطينية والعربية والدولية تحول دون تنفيذها.
وهذا الطرح في حال ما أصر ترامب على تحقيقه، ستكون له تداعيات خطيرة تهدد كيانات الدول الحليفة لأمريكا في المنطقة، وتزعزع الثقة بها في المستقبل، وتهدد الهويات الوطنية للشعوب؛ الأمر الذي بالضرورة بحاجة إلى تكاتف الجهود العربية والإسلامية والدولية لمنعه، وكذلك تعزيز الوحدة الوطنية ودعم الجهود الشعبية لمواجهته.
اقرأ المزيد.. الشخصية التفاوضية لترامب