حوار هادئ حول مسودة قانون الجرائم الإلكترونية

الصورة
كاريكاتير: رأفت الخطيب
كاريكاتير: رأفت الخطيب

بقلم محمد العودات | المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

يدور لغط مجتمعي وسياسي كبير حول قانون الجرائم الإلكترونية المعدل، حيث رفض مجلس النواب في دورته الاستثنائية الحالية رد مشروع قانون الجرائم الإلكترونية وقرر تحويله إلى اللجنة القانونية لدراسته. 

وقد أحسن مجلس النواب بهذا القرار لأهمية القانون من جهة، وضرورة إجراء التعديلات اللازمة عليه من جهة أخرى، وهنا سوف نتناول مسودة القانون على طريقة السؤال والجواب لتسهيل الأمور للقارئ.

هل للقانون ضرورة تشريعية حاليا؟

نعم، للقانون ضرورة تشريعية، خاصة أن العالم أصبح بكل تفاصيله الفعلية منقولا إلى العالم الافتراضي، وأن التطور التكنولوجي وتوجه الدول نحو تقديم الخدمات الإلكترونية جعل هناك الكثير من الجرائم التي يتم ارتكابها عبر الانترنت أكثر خطورة وضررا على حياة الناس وعمل الدول، من الجرائم التي يتم ارتكابها بالواقع الفعلي. فوجود هذا القانون  يعتبر ضرورة لحماية المجتمع ومؤسسات الدولة ومعاقبة الجاني وردعه. 

ما هي أهم الجرائم التي يحاربها القانون؟

  • القانون حارب أعمال القرصنة (الهكر) الذي يقوم بإتلاف المواد والمحتويات الإلكترونية أو الاستلاء عليها أو تعديلها، سواء كان محل الجريمة واقعا على المواقع الخاصة أو المواقع الحكومية، وذلك في ظل توجه المؤسسات الخاصة والحكومات إلى تقديم الخدمات الإلكترونية، حيث من شأن هذه الجرائم تعطيل حياة الناس وعمل مؤسسات الدولة.

  • القانون حارب أعمال القرصنة (الهكر) والتجسس التي يمكن أن تصل إلى معلومات تلحق الأذى بالأمن الوطني أو السلامة العامة أو الاقتصاد الوطني أو تلحق الأذى بالعلاقات الخارجية للدولة.

  • القانون يحارب كل من يحاول انتحال الشخصية إلكترونيا، سواء كانت الشخصية شخصية طبيعية أو معنوية، سواء بإنشاء محتوى صفحة أو موقع أو نشر أي محتوى باسم الشخصية المنتحلة.

  • القانون حارب أعمال التجسس على المعلومات المررة من خلال الإنترنت، واعتراض هذه المعلومات والسيطرة عليها، وتسريب وإفشاء ما يحصل عليه الجاني من خلال اعتراض هذه المعلومات. 

  • القانون يحمي معلومات وبطاقات الدفع الإلكتروني لمنع الاستيلاء غير المشروع على أموال الآخرين، أو سنداتهم، أو وثائقهم عبر الإنترنت، أو إفشاء هذه المعلومات.

  • القانون يحارب التحايل ومحاولة التظليل الإلكتروني، والدخول من (IP) غير حقيقي، بهدف ارتكاب أي جريمة إلكترونية لمحاولة التخفي في الوصل إليه من الجهات المختصة.

  • القانون يحارب ممارسة الأنشطة الإباحية وترويجها عبر شبكة الإنترنت، كما يحارب جرائم الابتزاز الجنسي عبر العالم الافتراضي ونشر المحتويات الجنسية، وجرائم الإغواء والتعرض للآداب العامة، وجرائم تركيب محتويات جنسية على صور وفيديوهات الآخرين والتشهير بهم، خاصة في ظل صيحة الذكاء الاصطناعي.

  • القانون يحارب نشر المحتويات التي تساعد على تعليم صناعة الأسلحة والذخائر والمفرقعات والمتفجرات وذلك حفظا للأمن والسلم المجتمعي. 

  • القانون يحارب إنشاء مواقع أو صفحات أو محافظ إلكترونية بقصد جمع أموال الناس واستثمارها دون الحصول على ترخيص لمثل تلك الشركات والمؤسسات، وذلك لحماية الناس من جرائم الاحتيال وبما يحفظ الاقتصاد الوطني.

  • القانون يحارب أعمال التسول أو طلب الجاني المال لنفسه عن طريق الصفحات الإلكترونية. 

  • كما أن من ميزات القانون انه جعل مسؤولية أي صاحب موقع أو صفحة عن الجرائم المرتكبة على هذا الموقع أو الصفحة بذات عقوبة فاعلها إذا ثبت امتناعه عن حذف وإزالة المحتوى بعد طلب الشخص الموجهة له الإساءة أو الجهة المختصة ذلك. 

هل تغليظ العقوبات على الجرائم في هذا القانون يمنع وقوع الجريمة؟

القانون بالغ في تغليظ العقوبات وخاصة عقوبة الغرامة على جميع الجرائم الواردة فيه ومن الحكمة التشريعية أن يتم فرض غرامات يمكن تطبيقها، لكن ما الفائدة من فرض غرامة لا يمكن للمحكوم عليه أن يقوم بتأديتها وتنفيذها، فعلّة التشريع ردع الجاني لا تعجيزه عن تنفيذ العقوبة حتى تحقق العقوبة الهدف المنشود منها. 

وفي ظل هذه المبالغات في فرض عقوبة الغرامات تصبح العقوبة والعدم واحد. مع التذكير أن هناك تعويضات عن الحق الشخصي يكون الجاني ملزما بدفعها أيضا للمتضرر من الجرائم الإلكترونية، مما تهدر المبالغة في عقوبة الغرامة حق المتضرر في استيفاء التعويض العادل عمّا لحقه من ضرر. 

ما وجه الاعتراض على المادة 15 من مسودة القانون 

(المادة 15) من القانون جعلت عقوبة نشر أو إرسال أو إعادة إرسال أخبار كاذبة أو وذم أو قدح أو تحقير لأي شخص بالحبس بمدة لا تقل عن 3 شهور، وبالغرامة لا تقل عن 20 ألف ولا تزيد عن 40 ألف، كما وسعت الحماية، المنصوص عليها في المادة، لتشمل أيضا الهيئات الرسمية والإدارات العامة أو أي من سلطات الدولة، وتحريكها الشكوى من الحق العام، وغلظت العقوبة إلى غرامة لا تقل عن 25 ألف دينار ولا تزيد عن 50 ألف دينار. 

ويمكن إجمال الاعتراضات على هذه المادة في عدة نقاط: 

  •  الغرامة المفروضة فعليا لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، خاصة في ظل ظرف اقتصادي يعجز الغالبية العظمى من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن عن امتلاك هذه المبالغ. إذ تمثل بعض الغرامات دخل المواطن الأردني لعشر سنوات، فما الفائدة في عقوبة لا يمكن تطبيقها فتصبح حينها العقوبة والعدم سواء.

  • على عكس ما ذهبت إليه مسودة القانون في توسيع الحماية في جرائم الذم والقدح والتحقير، جرى العرف في معظم الدول على أن هذا النوع من الجرائم يخرج من نطاق حماية القانون الهيئات والأشخاص غير الطبيعيين، بحيث يتمتع بحماية النصوص القانونية فقط كل شخص طبيعي.

  • كما جرى العرف القانوني في الدول الديمقراطية على أن الحماية الخاصة بجرائم الذم والقدح والتحقير لا تمتد لكل من يمتلك منصب سياديا، مثل النواب والوزراء ورؤساء الوزراء، وكل عضو هيئة منتخبة، وهذا العرف تعمل به معظم دول العالم. ولو طبق مثل هذا القانون في أمريكا مثلا، وقام ترامب أو رئيسة مجلس النواب السابقة بملاحقة كل من يتعرض لهم لتمت ملاحقة معظم الشعب، فالأصل أن يتم استثناء كل مسؤول من هذه الحماية، لا توسيعها وتغليظ العقوبات عليها.

هذه المادة لا يمكن تنفيذ عقوباتها من حيث الظرف الاقتصادي وقدرة الناس المالية، كما أن هذه المادة سوف تحدث احتقانا سياسيا داخل المجتمع والشارع الأردني، في الوقت الذي نحن فيه بحاجة إلى تعزيز ثقة الناس بالدولة ودفع كل المحركات التي يمكن أن تعزز من هذه الثقة. 

ما وجه الاعتراض على المادة 16 من مسودة القانون 

المادة تنص على أنه:

يعاقب كل من أشاع أو عزا أو نسب إلى شخص دون وجه حق أي أفعال من شأنها اغتيال الشخصية، و يعاقب بالحبس من 3 أشهر وغرامة لا تقل عن 25 ألف دينار ولا تزيد عن 50 ألف دينار 

وهذه أوجه الاعتراض على المادة: 

  • لا يوجد تعريف في هذا القانون أو قانون العقوبات الأردني لتعريف "اغتيال الشخصية". فلا تعريف في القانون العام ولا القانون الخاص لهذا الفعل المجرم. وهو مصطلح يستخدم سياسيا بهدف "الإساءة لسمعة الشخص وجعله مرفوضا من المجتمع أو البيئة السياسية التي يعمل بها، ونسب له كل ما من شأنه أن يسيء إليه سياسيا".

    وهو بهذا التعريف يمكن أن يدخل ضمن جرائم الذم والقدح والتحقير ولا حاجة لتغليظ العقوبة له واستحداث نص جديد. 

  • كما أننا مقبلون على مرحلة جديدة من الحياة السياسية، والتي سيشكل فيها حزب أو الائتلاف الحزبي الحاكم حكومة برلمانية، ومعارضة أقلية، ووجود مثل هذه النصوص في (المادة 15) و (المادة 16) من شانه أن يعطل دور معارضة الأقلية في الرقابة على حكومة الأغلبية، ويمكن أن تستخدم تلك النصوص من قبل الحكومات والأحزاب الحاكمة كوسيلة من أجل الحاق الضرر بالأقليات البرلمانية المعارضة واضطهادها. 

    بلا شك، أن بهذا القانون كثير من الجوانب الجيدة التي تغطي التطور والطفرة التكنولوجية الكبيرة التي تستدعي تطورا تشريعيا كبيرا، لكننا أيضا لسنا بحاجة إلى المبالغة في تغليظ عقوبات الغرامة على جميع الجرائم المنصوص عليها في القانون، كما أننا بحاجة لرفع الحماية القانونية في جرائم الذم والقدح والتحقير عن الشخصيات العامة، وخاصة تلك التي تتقلد مناصب سيادية وأعضاء الهيئات المنتخبة.

يتجه العالم إلى مزيد من الحريات، فيما نصوص المواد (15 و 16) من القانون تريد أن تعيدنا إلى مرحلة ما قبل الإصلاحات السياسية التي تباشر بها المرحلة السياسية القادمة.

الأكثر قراءة
00:00:00