في لقاء صحفي مع صحيفة "نيويورك تايمز" عام 1984، شن الملك الحسين رحمه الله هجوما عنيفا على إدارة الرئيس الأمريكي حينها "ريغان" متهما إدارته
أفغانستان.. الخروج من "مقبرة الإمبراطوريات"
قبل أيام أعلن الرئيس الأمريكي, جو بايدن، خلال مؤتمر صحفي عقد في البيت الأبيض أن إدارته ستبدأ بخطة سحب القوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان اعتبارا من مطلع أيار/مايو المقبل وصولا إلى اكتمال سحبها بحلول أيلول/سبتمر المقبل, وأشار بايدن إلى أن ذلك سيتم قبيل إحياء الذكرى العشرين لأحداث 11 من سبتمبر 2001.
بايدن: حققنا الهدف من تواجدنا في أفغانستان
الرئيس الأمريكي قال إن الولايات المتحدة "حققت الهدف" من تواجدها في الأراضي الأفغانية وهو عدم استخدام أفغانستان لمهاجمة أميركا، مضيفا أن سحب القوات سيتم وفق جدول زمني ودون تسرُّع.
وتأتي هذه الخطوة ضمن اتفاق الدوحة الذي وقع في 29 فبراير/شباط 2020 والذي يقضي بخروج جميع القوات الأجنبية بما فيها الأمريكية من أفغانستان، لتطوى بذلك صفحة أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها.
أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة
في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001, أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ما أسماه بـ "الحرب العالمية على الإرهاب"، وكانت المحطة الأولى لهذه الحرب أفغانستان البلد الذي يتمركز فيه تنظيم "القاعدة" والمحكوم من قبل "طالبان" الحركة الإسلامية التي خرجت من رماد الحرب الأفغانية السوفيتية.
قُبيل غزو أفغانستان طالب بوش في خطاب له أمام الكونجرس سلطات "طالبان" بعدة مطالب من بينها تسليم جميع قادة "القاعدة" وعلى رأسهم أسامة بن لادن وإغلاق جميع المعسكرات التدريبية التابعة للقاعدة على الأراضي الأفغانية.
بوش أكد وقتها أن هذه المطالب ليست محل نقاش أو تفاوض وأن عدم التجاوب معها يعني أن "طالبان" ستتشارك المصير مع "القاعدة"، رد طالبان كان بالرفض ما لم تقدم الولايات المتحدة أدلة كافية تثبت تورط القاعدة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
"هذه المطالب ليست مفتوحة للتفاوض أو المناقشة، يجب على طالبان أن تتصرف على الفور.. سيسلمون الإرهابيين أو سيشاركونهم في المصير"، جورج بوش.
وفي 7 من أكتوبر 2001 بدأت الولايات المتحدة وبمساندة بريطانية بقصف جوي لمواقع "طالبان" مطلقة بذلك ما أسمته بعملية "الحرية الباقية" التي سرعان ما انهار نظام طالبان أمامها في تشرين الثاني من نفس السنة لتسقط كابول في يد "التحالف الشمالي الأفغاني" المناوئ لحكومة طالبان والمسنود أمريكيا.
وعلى عكس الظن الأمريكي فإن الإطاحة بنظام طالبان لم تُنهِ الحرب ولم تنتج سلطة مستقرة موالية لأمريكا، فقد أخذت الحرب منحنى آخر وتحولت إلى حرب عصابات عندما أعادت الحركة بقيادة "الملا عمر" تنظيم صفوفها عام 2003 وبدأت بتنفيذ هجمات استهدفت مصالح القوة الدولية لدعم الأمن (إيساف) والمواقع التابعة للحكومة الأفغانية الجديدة.
وابتداء من عام 2005 بدأت طالبان تزيد من تواجدها العسكري على الساحة ودخلت في حرب مفتوحة من قوات حلف "الناتو" والقوات الأفغانية الحكومية، حتى أن العمليات الانتحارية التي نفذتها طالبان في الفترة بين كانون الثاني/يناير 2005 وآب/أغسطس 2006 بلغت 64 هجمة انتحارية.
هذا التصعيد والزخم في الهجوم دفع الولايات المتحدة والناتو إلى زيادة حدة الهجمات وأعداد القوات الدولية في أفغانستان، ففي عام 2009 وافقت إدارة الرئيس أوباما على إرسال 17000 جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان، إلا أن ذلك لم يغير شيء وظلت المعركة تسير في دائرة مغلقة لا تعرف لها نهاية.
الهدف من الغزو الأمريكي بالقضاء على "طالبان" لم يتحقق بل إن الأخيرة زادت من تواجدها وتحركاتها العسكرية، وبذلك أصبح التواجد الأمريكي في أفغانستان بلا أهداف محددة ومعروفة وبات ظاهرا أن أمريكا قد تورطت بحرب انتقامية لم تجد منها مخرجا.
أظهرت شهادات نشرتها صحيفة الواشنطن بوست لضباط أمريكيين خدموا في أفغانستان أن الضباط أنفسهم لا يعرفون ما هو دورهم وهدفهم في أفغانستان.
لم يكن لدينا فهم أساسي لأفغانستان, لم نكن نعرف ما الذي كنا نفعله, ما الذي نحاول أن نفعله هنا؟ لم يكن لدينا أدنى فكرة عما كنا نقوم به، الجنيرال دوجلاس لوت-الواشنطن بوست.
خطط الانسحاب واتفاق الدوحة
بدأت خطط الانسحاب الأمريكية في منتصف عام 2011 حيث قرر الرئيس باراك أوباما سحب 10 آلاف جندي قبل نهاية 2011, ثم جاءت خطة أخرى بسحب 33 ألف جندي بحلول أيلول/سبتمبر 2012 رافقها سحب لقوات أجنبية أخرى من حلف "الناتو", كما تم التوافق على تسلم المسؤوليات الأمنية للحكومة الأفغانية بحلول 2014.
وتزامن ذلك كله منذ العام 2011 مع محاولات للوصول إلى "اتفاق سلام" مع "طالبان" حيث استضافت قطر عددا من قادة الحركة بهدف بحث السلام, وتكرر ذلك عام 2018 وكان منويا أن يلتقي قادة طالبان بمسؤولين أمريكيين إلا أن ذلك لم يتم بسبب رفض الحركة إجراء أي محادثات مع الحكومة الأفغانية التي وصفتها بـ" الدمى الأمريكية".
وبعد مسار متأرجح متعثر للمفاوضات تمت تسع جولات من المحادثات في الدوحة تمخض عنها "اتفاق الدوحة" الذي وقع في 29 فبراير/شباط 2020 وتضمن:
- الولايات المتحدة ملتزمة بسحب جميع قواتها العسكرية وقوات حلفائها وشركائها.
- تضمن طالبان عدم استخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها.
- إزالة العقوبات عن أفراد طالبان بحلول 7 أغسطس 2020.
- اتفاق على تبادل السجناء بين الطرفين.
وبالرغم من أن الحكومة الأفغانية برئاسة "أشرف غني" لم تكن طرفا في توقيع الاتفاق، إلا أن الاتفاق تضمن بندا لبدء مفاوضات بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية مقابل إطلاق الأخيرة سراح آلاف من مقاتلي الحركة.
و بدأت أول جولة للمفاوضات فعلا في سبتمبر /أيلول 2020، لكن جولتها الثانية تعثرت في ظل خلافات حول أجندة المفاوضات بين الحكومة وطالبان، قبل أن تستأنف مرة أخرى في كانون الثاني/ يناير عام 2021.
بعد عقدين.. نتائج الحرب
على صعيد الخسائر البشرية فقد قتل ما مجموعه 157,052 إنسان حتى أغسطس من عام 2019 موزعين كالآتي:
- من المدنيين 43,074
- من مقاتلي طالبان42,100
- من القوات الحكومية الأفغانية 64,124
- 7263 من القوات الأمريكية وحلفائها ومتعاقديها
- 67 من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام
- 424 من العاملين في المؤسسات الإنسانية وغير الحكومية
علما أن هذه الأرقام لا تشمل الضحايا الذين قتلوا في باكستان والذين وصل عددهم إلى 66000.
أما على الصعيد المالي فقد أنفقت الولايات المتحدة منذ غزو أفغانستان في عام 2001 مبلغ 2.26 تريليون دولار على الحرب، علما أن هذا المبلغ لا يشمل الفوائد المستقبلية على الأموال المقترضة لتمويل الحرب.
وعلى الصعيد السياسي أصبحت أفغانستان مقسمة إلى ثلاث مناطق نفوذ بعضها تحت سيطرة طالبان وأخرى تحت سيطرة الحكومة الأفغانية وثالثة متنازع عليها.
وبحسب محللين فإن خروج الولايات المتحدة من المعادلة يترك الباب مفتوحا أمام سيناريوهات قد تنتهي بعودة طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان مرة أخرى.