المسجد الأقصى المبارك وحي الشيخ جراح: ما الذي حدث؟

الصورة
المصدر
آخر تحديث

في تقرير أعدته وحدة البحث في ملتقى القدس الثقافي بعنوان( المسجد الأقصى المبارك وحي الشيخ جراح: ما الذي حدث؟)، يعرض فيه يوميات الأحداث منذ بدأت في حي الشيخ جراح ،وارتباطها  بالموقف الأردني الذي لم يبتعد عن الأحداث ،فقد انسجم مع المرابطين في المسجد الأقصى، والمحتجون في حي الشيخ جراح  الذين لم يكونوا وحدهم في مواجهة الاحتلال، بل يقف إلى جانبهم وفي ظهرهم، الشعب الأردني، يلبي نداء الأقصى ومدينة القدس، 

ويكشف التقرير مخطط الاحتلال لاقتحام المسجد الأقصى لتحقيق العديد من الأهداف التي لم تتكشف جميعها بعد، منها منع حدوث اعتكاف شعبي حاشد في الأقصى، لتسهيل اقتحام المسجد الأقصى في "يوم القدس" ،الذي يحتفل به  وفق التقويم العبري، كل عام، بمناسبة “توحيد مدينة القدس”  تحت السيادة الإسرائيلية عام 1967، أو بالأحرى السيادة اليهودية، إذ يقوم المستوطنون بعمل مسيرة في البلدة القديمة، يحملون خلالها الأعلام الإسرائيلية، وتنتهي بالصلوات والاحتفالات عند حائط البراق، تمهيداً لاقتحام المسجد الأقصى المبارك وأداء الصلوات والمراسم المختلفة فيه.

وفي هذا العام وبحسب التقرير فإن المرابطين داخل المسجد الأقصى المبارك، استطاعوا تحطيم آمال المستوطنين اليهود في الاحتفال بيوم القدس والوقوف بوجه المسيرة اليهودية التي كانت تتجه نحو الأقصى،  وهو ما حدث فعلياً، مما اضطر دولة الاحتلال إلى تحويل مسار المسيرة من الأحياء العربية ولاحقاً إلغاء الاحتفال بشكل كامل والانسحاب من المسجد الأقصى المبارك وفتح البوابات للمصلين المسلمين.

الاحتلال يستهدف الوصاية الاردنية 

ويؤكد التقرير أن قوات الاحتلال كانت تستهدف الوصاية الأردنية والوجود الأردني داخل المسجد الأقصى بشكل مباشر، وذلك في محاولة لفرض واقع جديد يكون فيه الاحتلال هو صاحب السيادة عليه، من خلال الاعتداء على المسجد الأقصى وموظفي الأوقاف فيه، وما قامت به قوات الاحتلال من مصادرة مفاتيح بوابات المسجد منهم.

 في السابع من أيار (الخامس والعشرين من رمضان )، كانت المواجهات بين المرابطين في المسجد الأقصى وقوات الاحتلال، لرد اعتدائه عن المسجد الأقصى، وكانت الجمعة اليتيمة التي نودع بها شهر رمضان المبارك، حيث تتنزل السكينة والرحمات، ربما لكل شخص منا في مخيلته نظرة مختلفة عن يوم الجمعة في شهر رمضان، ولكن ما يجمعنا أننا نعتبره من أيام الله، تتنزل علينا فيه رحماته، وننال من بركاته، ويجود الله علينا فيه بإجابة دعواتنا، هكذا هو يوم الجمعة، يليه ليلة القدر "خيرٌ من ألف شهر"، ليلتنا التي تتنزل بها الملائكة وتجاب الدعوات، تبدأ الصلوات وتعلو الابتهالات.

إلا أن الاستثناء هذه الأيام يكون في المسجد الأقصى المبارك، فيضاف لقدسية الزمان والمكان معنىً آخر، حيث تتجلى قدسية المكان والزمان قدسية المقاومة، قدسية الدفاع عن المسجد الأقصى لتعود له السكينة، تتحول السكينة في المسجد الأقصى إلى سلاح في وجه الأعداء، وتتحول الرحمات إلى حجارة بيد المصلين يدرؤون بها المقتحمين والمعتدين على المسجد الأقصى، وتتنزل الملائكة لتثبت المرابطين والمدافعين عن المسجد الأقصى المبارك.

كان الحدث في ذلك اليوم في العاصمة عمان اعتصامات لرفض الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ومطالبة الحكومة الأردنية بالتصرف لوقفها.

لا يقف المرابطون في المسجد الأقصى، والمحتجون في حي الشيخ جراح وحدهم أمام الاحتلال، بل يقف إلى جانبهم وفي ظهرهم، الشعب الأردني، يلبي نداء الأقصى ومدينة القدس، ويخرج إلى الشوارع مطالباً بلده بصفتها صاحبة الوصاية على المسجد الأقصى، وطرفاً في قضية الشيخ جراح، حيث كان جزءاً من المملكة الأردنية آنذاك، أن تتخذ موقفاً جاداً مما يحدث، بطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء الاتفاقيات بينها وبين دولة الاحتلال، وسحب السفير الأردني من دولة الاحتلال، والتحرك دولياً.

تبدأ الأسئلة ولا تنتهي بما يحدث، وهنا نحاول الإجابة على جزء منها، وتقديم رؤية متسقة لما يجري في مدينة القدس، تبدأ من ليلة السادس والعشرين من رمضان، وتنتهي يوم الثامن والعشرين من رمضان، وتمر بالشيخ جراح وتُبقي المسجد الأقصى المبارك في محاوره جميعاً، يبدأ من المسجد الأقصى ويمر بالشيخ جراح ويضع رحاله في عمان.

السادس والعشرون من رمضان، اقتحام قبل الاقتحام

عقب صلاة المغرب، وقبل أن يتم المرابطين إفطارهم بدأت المواجهات، ليتحول المسجد الأقصى من مكان له قدسيته إلى ساحة حرب، بدأت المواجهات بين قوات الاحتلال والمرابطين في المسجد الأقصى من باب السلسلة -أحد الأبواب الغربية للمسجد-، وانتقل الأمر إلى داخل المسجد بعدما اقتحمتها قوات الاحتلال، بقنابل الغاز والرصاص المطاطي.

وقد تصدى لقوات الاحتلال المرابطون في المسجد الأقصى المبارك، من خلال ضربه بالحجارة.

على إثر الاقتحام قام رئيس وزراء الاحتلال بعقد جلسة لتقييم الأوضاع الأمنية شارك فيها وزير الدفاع ووزير الأمن الداخلي ورئيس هيئة الأركان و مفتش الشرطة العام ورؤساء الدوائر الأمنية الأخرى ونتج عن ذلك إيعاز رئيس هيئة الأركان الى جيش الدفاع بتعزيز القوات والاستعداد واتخاذ المزيد من الوسائل والإجراءات تحسبا لتفاقم الأوضاع الأمنية في مدينة القدس، وتم بذلك المصادقة على خطة الجيش لرفع الجاهزية.

يدعي الاحتلال أن الاقتحام كان للرد على أعمال شغب تمثلت بضرب حجارة وزجاجات بدأت من مصلين باتجاه عناصر من شرطة الاحتلال داخل المسجد الأقصى، واستخدمت الشرطة الإسرائيلية مصطلح "استعادة النظام" داخل المسجد الأقصى لتبرير ما قامت به.

إلا أن الواقع غير ذلك فواضح أن الاقتحام كان مقصوداً ومخططاً له، لتحقيق العديد من الأهداف التي لم تتكشف جميعها بعد، منها منع حدوث اعتكاف شعبي حاشد في الأقصى، لتسهيل اقتحام المسجد الأقصى في "يوم القدس" الموافق الثامن والعشرين من شهر رمضان، ودخول الشرطة والقوات الخاصة بهذه الأعداد وهذه التجهيزات يظهر ذلك، فقد أغلقت أبواب المصليات المسقوفة داخل المسجد الأقصى بالسلاسل والجنازير رغم وجود مصلين فيهم، ليحاصروا بذلك حوالي ثلاثة آلاف مصل، بالإضافة لقيامهم بفصل سماعات المسجد، وقد اعتلى الجنود أسطح المسجد وأطلقوا قنابل الصوت والرصاص المطاطي لتسريع الإخلاء.

كما هدف الاحتلال إلى تجفيف منابع المرابطين من خارج القدس، ومنع وصولهم إلى المسجد الأقصى و ترحيلهم عنه، لتسهيل السيطرة عليه ومنع الاعتكاف بها لتسهيل اقتحام “يوم القدس”، إذ قامت قوات الاحتلال بأمر المرابطين بالخروج من المسجد مستخدمين مكبرات الصوت، كما قامت شرطة حرس الحدود بإغلاق البوابة الدمشقية في البلدة القديمة لمنع قدوم المرابطين إلى المسجد الأقصى والاستفراد بمن هو داخل المسجد.

الأمر الذي لم يفلح به الاحتلال فقد تم إفشال هذا المخطط من قبل المرابطين والمعتكفين في المسجد الأقصى المبارك، فتمثلت ردة فعل المقدسيين على اقتحام ليلة 26 من  رمضان، بالرباط في المسجد الأقصى المبارك، على الرغم من المواجهات الدامية التي حدثت بين المرابطين في المسجد الأقصى وقوات الاحتلال، ومحاولة قوات الاحتلال من تفريغ المسجد الأقصى المبارك.

الثامن والعشرون من رمضان، يومٌ مفصلي يتراجع به الاحتلال

يصادف يوم الثامن والعشرين من رمضان ، يوم القدس في التقويم العبري، إذ تحتفل دولة الاحتلال بها كل عام، بمناسبة “توحيد مدينة القدس” أو “تحرير القدس”، لتوحيدها تحت السيادة الإسرائيلية عام 1967، أو بالأحرى السيادة اليهودية، إذ يقوم المستوطنون بعمل مسيرة في البلدة القديمة، يحملون خلالها الأعلام الإسرائيلية، وتنتهي بالصلوات والاحتفالات عند حائط البراق، تمهيداً لاقتحام المسجد الأقصى المبارك وأداء الصلوات والمراسم المختلفة فيه.

منذ عام 2004 أعلنت دولة الاحتلال أن يوم القدس، هو يوم احتفالي ويوم وطني في دولتها، وفي كل عام كانت تتم دعوات مختلفة للاحتفال بهذا اليوم بشكل كبير، ففي عام 2017، تم تغيير الاسم الاحتفالي لهذا اليوم من “توحيد القدس” إلى “تحرير القدس” بمناسبة مرور خمسين عاماً على هذا الحدث.

هذا العام أيضاً بدأت “جماعات المعبد” بدعوات لاقتحام المسجد الأقصى المبارك يوم الثامن والعشرين من رمضان، والاستعداد لهذا اليوم للاحتفال به، وحشد المستوطنين في البلدة القديمة تمهيداً لاقتحام المسجد الأقصى المبارك.

ففي عام 2018، في يوم “تحرير القدس” قام ما يقارب 1600 مستوطن من اقتحام المسجد الأقصى المبارك على فترتين صباحية ومسائية، وتم ذلك بحماية الشرطة الإسرائيلية وعقب الاعتداء على حراس المسجد الأقصى المبارك وتفريغ ساحاته.

وفي عام 2019 تزامن يوم القدس مع يوم 28 رمضان، وقد اقتحم المسجد الأقصى المبارك آنذاك ما يقارب 900- 1000 مستوطن، أيضاً تحت حماية الشرطة وبعد الاعتداء على المرابطين في المسجد الأقصى والذين تصدوا لذلك الاعتداء، وإغلاق أبواب المسجد الأقصى ومنع المرابطين من الوصول إلى المسجد الأقصى.

إن الجماعات المتطرفة تستخدم يوم القدس كوسيلة لفرض سيطرتها على القدس والوصول الى ما لم تستطع الحكومات الاسرائيلية السابقة القيام به وهو فرض واقع حال جديد في المسجد يتفوق فيها الاعتبار اليهودي على الاسلامي في الحضور والحق الديني في الاقصى، مما يجعل المسجد الأقصى مقدسا يهوديا قبل ان يكون اسلاميا، وهذا يشمل أداء صلواتهم فيه بشكل علني، ومنع المسلمين من دخول الأقصى خلال الأعياد اليهودية.

وهذا يعني محاولة فرض السيادة اليهودية على المسجد الاقصى بحيث يكون الحضور اليهودي مقدما على الحضور الإسلامي عندما تتقاطع الأعياد اليهودية والاسلامية، والغاء دور الأوقاف الاسلامية الأردنية وحضورها كجهة ذات سيادة في المسجد الأقصى.

في كل مرة تفرض قوات الاحتلال تواجد المستوطنين بالقوة في المسجد خاصة، وفي نفس الوقت تقمع التواجد الفلسطيني وذلك من خلال:

منع وصول المرابطين إلى المسجد الأقصى المبارك، وذلك بإغلاق بوابات المسجد الأقصى وبوابات البلدة القديمة، مما يضطر المرابطين إلى البقاء في المسجد الأقصى من اليوم الذي يسبق الاقتحام والاعتكاف فيه.

وتعمل قوات الاحتلال على منع شباب الضفة الغربية من الوصول إلى المسجد الأقصى والاعتكاف به، والسماح فقط لمن يتجاوز عمره الـ40 عاماً من الدخول إلى المسجد الأقصى، و الاعتداء على المرابطين بما فيهم حراس المسجد الأقصى، بالقنابل والرصاص المطاطي، والتركيز على إصابتهم إصابات دائمة تحد من قدرتهم الجسدية، وإفراغ المسجد الأقصى صبيحة يوم الاقتحام.

كذلك تقوم بالاعتداء على الكوادر الطبية، ومنع وصولهم لإسعاف المصابين ومنع وصول المواد الطبية إليهم، و التضييق على المرابطين واعتقالهم ومحاكمتهم وابعادهم عن المسجد وإغلاق المسجد في وجوههم الى حين انتهاء الاقتحامات الصهيونية، و حظر الحركة الاسلامية والتي كان لها دور كبير في الحفاظ على الحضور الفلسطيني داخل المسجد.

المختلف هذا العام أن المرابطين داخل المسجد الأقصى المبارك، استطاعوا تحطيم آمال المستوطنين اليهود في الاحتفال بيوم القدس، إذ واجهت قوات الاحتلال مقاومة كبيرة من المرابطين، وأضيف إلى ذلك تهديد حركات المقاومة في غزة بإطلاق صواريخ من غزة باتجاه القدس وتل أبيب في حال استمرار الاعتداء على المسجد الأقصى، وهو ما حدث فعلياً، مما اضطر دولة الاحتلال إلى تحويل مسار المسيرة من الأحياء العربية ولاحقاً إلغاء الاحتفال بشكل كامل والانسحاب من المسجد الأقصى المبارك وفتح البوابات للمصلين المسلمين.

تم إفشال الاقتحام على الرغم من شدة أساليب القمع التي انتهجتها قوات الاحتلال فقد استخدمت قنابل غاز، وقنابل صوتية، ورصاص مطاطي، واعتداء جسدي، واعتقالات للمرابطين في المسجد الأقصى، وفشل الاحتلال في إدخال مستوطن واحد الى باحات الأقصى.

ويعد هذا التراجع الثاني لقوات الاحتلال خلال شهر رمضان المبارك، فبعد أن استسلمت أمام رفض المقدسيين لإغلاق مساحة تجمعهم عند باب العامود، لم تستطع السماح باقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، ورضخت للمرابطين هناك، وللمقاومة في غزة وانسحبت من المسجد الأقصى.



ومن الأسباب التي أدت إلى إفشال اقتحام الأقصى:



- الوعي المقدسي المبكر بخطر لهذه الاقتحام على المسجد الأقصى، وأهمية افشاله لإبطاء وتيرة التهويد.

- رباط عرب الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ مع المقدسيين داخل المسجد الأقصى المبارك، وعدم مغادرته.

- التغطية الإعلامية التي رافقت الحدث، وساهمت في رفع الحاضنة الشعبية له.

- دخول المقاومة الإسلامية في غزة لتكون طرف في المعادلة، وتهديد الاحتلال في حال الاستمرار الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك.

- حضور الحاضنة الشعبية والرسمية المحيطة في مدينة القدس، وتزامن المظاهرات والحملات الشعبية الرافضة في الشارع الأردني خاصة والشارع العربي والإسلامي عامة.

- الروح المعنوية العالية لدى المقدسيين بعد تراجع المحتل في باب العامود.

كل ذلك ساهم في تراجع الاحتلال، ومنع اقتحام المسجد الأقصى المبارك من قبل المستوطنين، وهذا يؤرخ لمرحلة جديدة في المسجد الأقصى المبارك يصبح الشارع المقدسي والمقاومة الفلسطينية والحاضنة الشعبية عاملاً فاعلاً فيه، يحافظ على هوية المسجد الأقصى المبارك الإسلامية، ويُراجع مخططات الاحتلال في تهويد المسجد الأقصى المبارك، ويجعله يعيد حساباته فيما يتعلق بالمسجد، ويضعه في مأزق جماهيري فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك، تحت عنوان لمن السيادة على المسجد الأقصى المبارك.

الوصاية على المسجد الأقصى… حجر العثرة أمام الاحتلال

تشكل الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى المبارك، حجر العثرة أمام مخططات الاحتلال الإسرائيلي ببسط سيادته على المسجد الأقصى، وذلك لأنها تمتلك الحق القانوني والتاريخي في وجودها فيه، ولن تكتمل محاولات الاحتلال بتغيير هوية المسجد الأقصى، إلا بإلغاء هذا الدور.

إنّ ما يسعى الاحتلال إليه في المسجد الأقصى المبارك من خلال توسيع دائرة سيطرته عليه وإضعاف دور الأوقاف الإسلامية الأردنية فيه، هو تكريس معادلات جديدة يفرضها على المسجد بحكم الأمر الواقع، في ظل ردود الفعل الضيقة والضعيفة، وهذا ما يجعل المسجد الأقصى اليوم أشد عرضة للتهويد من غيره، ويضع الوصاية الأردنية على المحك ويجعلها مهددة وجوديًا.

وضعت الأحداث الأخيرة حكومة دولة الاحتلال في مأزق حاولت كثيراً حسمه من خلال صفقة القرن، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وذلك لمحاولة فرض واقع جديد على المسجد الأقصى، تكون فيه السيادة لدولة الاحتلال، وإثبات سيطرة دولة الاحتلال على المسجد الأقصى، وحسم هويته باعتباره مقدساً مشتركاً تحت سيادة الاحتلال، وتقليص الدور الأردني، وصولاً إلى إلغائه.

إلا أن ذلك كله تحطم أمام مواجهات الثامن والعشرون من رمضان، واصطدم بـ المقدسيين وحاضنتهم الشعبية، فيُمنع المقتحمين من دخول المسجد الأقصى، ويتذرع الاحتلال بالوضع الأمني في “جبل الهيكل”.

وهذا يضع الأردن مرة بعد مرة أمام مسؤولياتها في المسجد الأقصى، ويلقي على عاتقها الفعل لاستعادة وصايتها عليه كما يجب، إن الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى والمقدسات في مدينة القدس تجعل من الأردن ممثلًا بوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بشكل خاص، ووزارة الخارجية والديوان الملكي بشكل عام، الجهة الرسمية والحصرية المسؤولة عن إدارة المسجد الأقصى المبارك.

وحين نتحدث عما يجري في المسجد الأقصى اليوم، فبالتأكيد سيكون الأردن محورًا في فهم معادلة الأحداث وما آلت إليه الأمور في ظل إدارته للمسجد وطريقة تعاطيه مع الأخطار المحدقة فيه، ولكونه حجر العثرة أمام الاحتلال في فرض سيادته على المسجد الأقصى المبارك.

ويتمثل موقف الاحتلال من الوصاية الأردنية بالرفض، ومحاولة تقويضها وصولاً لإلغائها عن المسجد الأقصى، وإثبات السيادة اليهودية الكاملة عليه.

وتمثل ذلك بالاعتداءات الخطيرة التي مارسَها الاحتلال مؤخرًا بحق المسجد الأقصى المبارك والمعتكفين فيه، سواء أكان الإقتحام في آخر جمعة من رمضان من هذا العام، أو محاولة قوات الاحتلال يوم 28 رمضان (يوم توحيد القدس العبري) لفرض الاقتحام الذي دعت له منظمات الهيكل وعقدت العديد من الاجتماعات المبكرة لإنجاحه.

واستهدف الاحتلال الوصاية الأردنية والوجود الأردني داخل المسجد الأقصى بشكل مباشر، كما حاول فرض واقع جديد يكون فيه الاحتلال هو صاحب السيادة عليه، من خلال الاعتداء على المسجد الأقصى وموظفي الأوقاف فيه، وما قامت به قوات الاحتلال من مصادرة مفاتيح بوابات المسجد منهم.

إلا أن موقف الأردن الرسمي متمثلًا بوزارتي الخارجية والأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ببداية الأحداث بقي في إطار الشجب والاستنكار، كَتصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في 28 رمضان، حيث قال: “لن تنعم إسرائيل والمنطقة بالأمن ما لم ينعم به الفلسطينيون أيضًا”.

أما ما يعتبر مختلفاً هذه المرة في الموقف الأردني يتمثل في أمرين، الأول:استدعاء القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في الأردن تزامنًا مع الاحتجاجات بجانب السفارة الإسرائيلية في عمّان يوم الأحد الموافق 9/5 رفضًا للاعتداءات سالفة الذكر.

والثاني: السماح بالمظاهرات الشعبية قرب سفارة الاحتلال، مع وجود قانون دفاع يمنع التجمعات بسبب جائحة كورونا، وقد لحقها تظاهرات أخرى لعدة أيام في محيط السفارة وفي مناطق مختلفة من محافظات المملكة.

 التغيير في الموقف الاردني يعود لسببين رئيسيين:

  • لمواجهة الضغوطات العربية والإقليمية على الأردن فيما يتعلق بصفقة القرن، وتحييد دوره في المسجد الاقصى، وبسط السيادة الإسرائيلية عليه.
  • ترك الأردن وحيداً في مواجهة مفتوحة مع دولة الاحتلال، عقب موجة التطبيع العربي الأخيرة، خصوصاً فيما يتعلق بالمسجد الأقصى.

يُحاول النظام الرسمي الأردني أن يوصل رسالة للدول أنّه لا يمكن القبول بهذه الصفقة مع وجود هذا الزخم الشعبي الذي من الممكن أن يخرج عن السيطرة، وبذلك يصبح الموقف الرسمي مصطف ومستفيداُ من الموقف الشعبي.

وما يستطيع الأردن القيام به قانونيًا ودوليًا في مواجهة هذه الاعتداءات أكبر مما حدث فعلياً، فيستطيع الأردن اللجوء إلى المحافل الدولية وتقديم شكوى ضد تجاوزات الاحتلال لتلك الاتفاقيات والأعراف الدولية أو أن يتقدم بمشروع قرار بهذا الشأن للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وكان من الممكن أيضًا أن يقف خلف الحراك الجماهيري ويستفيد من تقدمه والتراجعات التي فرضها هذا الحراك على الاحتلال، والتلويح بوقف العمل باتفاقية السلام، واتفاقية الغاز، أو تقليل التمثيل الدبلوماسي وسحب السفير الأردني، أو مسائلة السفير الإسرائيلي.

والأردن اليوم لا تمثل نفسها فقط، وإنما تمثل العالم الإسلامي والعربي، وهذا يضع على عاتق مختلف الدول دور دعم هذا الدور للحفاظ على هوية المسجد الأقصى الإسلامية، ومسائلته ومراقبته، ليستطيع الوقوف في وجه الاحتلال مراراً ومنعه من السيطرة على المسجد الأقصى المبارك بشكل كامل.

الشيخ جراح… الطريق إلى المسجد الأقصى المبارك

يقع المسجد الأقصى في منتصف خريطة القدس الكبرى، التي يسعى الاحتلال لتحقيقها وهو جزء من البلدة القديمة، والتي تحمل التاريخ والإرث الخاص بالمدينة المقدسة ومركز البركة فيها.

أما حي الشيخ جراح فيقع شمال البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة في الجانب الشرقي من مدينة القدس الذي وقع تحت الاحتلال في 1967، ويقطنه أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني. يتعرض أهالي حي الشيخ جراح لاعتداءات متكررة من المستوطنين وسلطة الاحتلال من أجل طردهم من الحي و الإستيلاء على منازلهم.

سكنت الحي عائلات فلسطينية معروفة مثل عائلة النشاشيبي، وبنيت منازلهم عام 1956 بموجب اتفاقية بين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” والحكومة الأردنية، لاستيعاب 28 عائلة فلسطينية هجرت من منازلها و أراضيها عام 1948.

تكمن أهمية هذا الحي في قربه من باب العامود والمسجد الأقصى المبارك ومركزيته لوقوعه بين الجانب الغربي و الشرقي لمدينة القدس باعتباره حلقة اتصال مهمة بين الكثير من الأحياء والمناطق الفلسطينية جعل من الحي نقطة مركزية بالنسبة للاحتلال.

فالعابر من شمال مدينة القدس إلى جنوبها باتجاه المسجد الأقصى ملزم بالمرور على الشيخ جراح ومن يأتي من شعفاط أو بيت حنينا أو حتى أولئك القادمين من الرام أو رام الله قاصدين المسجد الأقصى المبارك يجب عليهم المرور بالشيخ جراح.

في عام 1972 زعمت جمعيات يهودية أنها تمتلك وثائق ملكيتها للأراضي التي أقيمت عليها منازل الحي و تعود تلك الوثائق إلى أواخر القرن التاسع عشر بحسب ادعائهم “و هذا ادعاء باطل لأن قوانين الخلافة العثمانية كانت تمنع تملك اليهود في أراضي القدس” و قد بدأ اليهود الأصوليون بزيارة الموقع وممارسة الشعائر الدينية اليهودية فيه عام 1978، و استمر هذا الأمر إلى أن صار مزارا رسميا يؤمه المتدينون اليهود يوميا.

وفي سنة 2001، جرت أول محاولة الاستيلاء على منازل فلسطينية في كرم الجاعوني، عندما اقتحم نشطاء من اليمين اليهودي المتطرف منزلًا ورفضوا مغادرته. ثم صدر في سنة 2008، حكم من إحدى المحاكم الإسرائيلية قضى بأن جزءاً من حي الشيخ جراح “كان مملوكاً لليهود السفارديم الذين استقروا هناك خلال العهد العثماني”، في وقت سعى فيه عدد من المستثمرين الإسرائيليين والأميركيين، المدافعين عن “القدس اليهودية”، إلى شراء ممتلكات فلسطينية في الحي. وفي شباط/فبراير 2010، صادق مجلس بلدية القدس على مشروع لبناء 16 وحدة سكنية للمستوطنين الإسرائيليين في الشيخ جراح.

طرد سكان حي الشيخ جراح والسيطرة عليه، يحقق للاحتلال مجموعة أهداف، منها:

  1. عزل التواصل بين المناطق العربية الإسلامية من جهة والمسجد الأقصى والبلدة القديمة من جهة أخرى و بذلك يستفرد بالمسجد و يستطيع أن يعزله عن حاضرته، ويمنع وصول المرابطين والمصلين إليه.
  2. إتمام السيطرة على محيط المسجد الأقصى وإكمال حلقات المشروع التلمودي المختلق الذي يسعى لهدم الأقصى المبارك وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.
  3. تقريب المسافة بين الجامعة العبرية، ومستوطنات: رامات اشكول، التلة الفرنسية، وغرب القدس، وبذلك يحقق ارتباط شرق القدس بغربها، لتصبح فعلياً عاصمته الموحدة.
  4. تقليل السكان العرب في مدينة القدس، من خلال عزل الأحياء الشمالية عن البلدة القديمة والمسجد الأقصى، ولاحقاً إزالتها من خريطة القدس أصلاً.
  5. فرض واقع استيطاني يفتت أراضي مدينة القدس و يجعل الوجود المقدسي  كانتونات منفصلة مشتتة.

اذاً يشكل حي الشيخ جراح، عمقاً استراتيجياً للمسجد الأقصى المبارك واتصالاً وثيقاً بين البلدة القديمة في القدس و الحاضرة العربية والإسلامية في الجهة الشمالية لها.

واستهداف الاحتلال له، لا يعتبر أمراً حديثاً، إنما من مخططات الاحتلال لبسط واقع جديد على المسجد الأقصى من خلال قطع التواصل بين الحواضر العربية والعمق الإسلامي للمسجد الأقصى، وتجفيف منابع الرباط في المسجد الأقصى المبارك، ومنعها من الوصول إليه، تسهيلاً لتهويد المدينة المقدسة والمكان الأقدس فيها الإسلامي الخالص، المسجد الأقصى المبارك.

حين يتعلق الأمر بالمسجد الأقصى، فكلنا على قلب رجل واحد

الأحداث المتتابعة، الأخبار، المسجد الأقصى، القدس، الشيخ جراح، غزة، وعمان، أصبحت شاشاتنا أربعة أجزاء كل جزء منها، في قلبها المسجد الأقصى المبارك، فلا يريد أي منا أن تغفل عينه عن جزء يستطيع الاحتلال أن يحقق فيه مكاسب وقد غفلنا.

و تحولت أيامنا وأعيادنا إلى ساحة مواجهات ومطالبات، فلن يستطيع الاحتلال أن يبسط سيادته على المسجد الاقصى، لأن المرابطين ليسوا وحدهم بل من خلفهم شعوب لا تستكين ولا تنسى أنه مقدسها المحتل.

ولن يجلس أحدنا في بيته يشاهد شاشات التلفاز أو الأجهزة المتنقلة فحسب، بل نريد أن يكون لكل منا لو كلمة في صناعة التاريخ، في صناعة التحرير، في حفظ المسجد، في تراجع الاحتلال، في الضغط على دولته لتضغط على الاحتلال.

وفي عمان سطرٌ آخر يكتب، تقول لنا كل مسيرة وكل مظاهرة وكل احتجاج، أن تلك الحدود لم تستطع إلى اليوم تغيير ذهنية الشعب الأردني ليصطف خلف شقيقه في الضفة الأخرى، بل هو جزء أصيل من هذه القضية ولن يرضى أبداً، أن يدنس المسجد الأقصى، أو يعتدى على مدينته المقدسة، أو أن يصمت على الاعتداء على إخوته في غزة.

هو المسجد الأقصى، إذ تشتتنا يجمع شملنا ويخرجنا من بيوتنا نصرةً له.

المصدر: منتدي القدس الثقافي 

 

 

 

00:00:00