بدأ المستوطنون منذ ساعات الصباح اليوم الأربعاء، اقتحام ساحات المسجد الأقصى المبارك، احتفالا بالذكرى السابعة والخمسين باحتلال الشطر الشرقي من
فلسطين 2021.. سيف القدس ونفق الحرية وأشكال أخرى في مقاومة الاحتلال
شهدت فلسطين المحتلة خلال العام 2021 أحداثا كثيرة عنوانها الصمود والمقاومة في مواجهة جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي لم تتوقف يوما ما، وبقيت القدس والضفة الغربية المحتلتين وقطاع غزة تحت دائرة الضوء، وهي تقارع غطرسة الاحتلال وتعض على جرح الفلسطيني النازف وسط متغيرات حاولت أن تبقي القضية المركزية في ذيل القائمة، لكن فلسطين أبت إلا أن تعلي صوتها في ساحات المسجد الأقصى المبارك من خلال صواريخ معركة القدس التي انطلقت من غزة نصرة لأهالي حي الشيخ جراح المهدد أهله بالتهجير من منازلهم، كما في بطن الهوى والبستان ووادي حلوة ووادي الربابة وحي ياصول وعين اللوزة في سلوان، وبقيت يد الاستيطان تقضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بالاستيلاء على آلاف الدونمات لبناء عشرات آلاف من الوحدات الاستيطانية لفرض التغيير الديموغرافي لصالح مشروع الدولة اليهودية.
عام فلسطيني مضرج بدماء الشهداء، حيث سجل 2021 نحو 90 شهيدا في القدس والضفة الغربية المحتلتين، كان لنابلس حصة الأسد من عدد الشهداء، خاض الفلسطيني معركته ضد الاحتلال بما تمكن له من وسائل القوة، حتى بأمعائه الخاوية حيث خاض أسرى فلسطينيون إضرابات مفتوحة عن الطعام سجلوا خلالها ملحمة صمود امتدت لشهور عديدة رفضا لاعتقالهم الإداري.
هبة القدس والعدوان الإسرائيلي على غزة
وفي منتصف نيسان/ إبريل 2021 هب الفلسطينيون في مدينة القدس المحتلة احتجاجا على قيام سلطات الاحتلال بوضع حواجز حديدية في ساحة باب العامود المؤدية إلى البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك والتي صادفت الأيام الأولى من شهر رمضان، وما زاد من تصاعد وتيرة الهبة الشعبية دعوات المستوطنين المتطرفين إلى اقتحام المسجد الأقصى بأعداد كبيرة في ما يسمونه بيوم "مسيرة القدس" بتاريخ 10 من أيار/ مايو، احتفالا بذكرى احتلال الجزء الشرقي من المدينة المقدسة، عدا عن محاولة حكومة الاحتلال تهجير وطرد عائلات حي الشيخ جراح من منازلهم قسرا وإحلال مستوطنين مكانهم، واقتحام جنود الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى وانتهاك حرمته والاعتداء بالضرب وقنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي على المصلين فيه.
ما دفع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر إلى إطلاق رشقات صاروخية تجاه مدن الكيان المحتل، في عملية حملت اسم "سيف القدس"، قابلها الاحتلال بعدوان عسكري على قطاع غزة.
فأطلقت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية أكثر من 3000 صاروخ تجاه كيان الاحتلال استطاع بعضها اختراق القبة الحديدية، وخلال تلك المواجهة برزت القدرة العسكرية المتطورة لصواريخ المقامة الفلسطينية لا سيما صاروخ A120، الذي يصل مداه إلى 120 كلم وأطلق تجاه مدينة القدس المحتلة في 10 أيار/ مايو، عدا عن دخول صاروخ "عياش 250" الخدمة والذي وصل مداه إلى 220 كلم وأطلق تجاه مطار رامون في 13 أيار/ مايو مسجلا بذلك أبعد مدى وصله صاروخ فلسطيني الصنع منذ أول صاروخ أطلقته فصائل المقاومة عام 2001 تجاه مستوطنات الاحتلال، كما أدخلت المقاومة الطائرات المسيرة محلية الصنع لأول مرة في حربها مع الاحتلال.
كما شهدت مدن الداخل الفلسطيني عام 1948 حالة انتفاضة شعبية فريدة تضامنا مع القدس وغزة، خرجت خلالها مدنا فلسطينية عدة عن سيطرة الاحتلال الإسرائيلي ما شكل حالة من الخوف لدى مؤسسات الاحتلال، كما أثبتت أن القدس هي بوصلة كل الفلسطينيين على امتداد رقعة فلسطين.
وفي أسبوع واحد فقط من الهجمات الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة، سقط أكثر من 200 مدني فلسطيني بينهم 58 طفلا و34 امرأة، وتسبب العدوان بنزوح نحو 34 ألف فلسطيني داخل القطاع، كما أحدث ذلك دمارا كبيرا في البنى التحية، طال عشرات المباني، بينها 6 أبراج سكنية، 3 منها سويت بالأرض، عدا عن تدمير خدمات المياه، والصرف الصحي، والكهرباء.
المسجد الأقصى ومحيطه في عين الاستهداف الإسرائيلي
برز وبشكل لا لبس فيه خلال عام 2021 الدور الكبير لما يسمى "جماعات الهيكل" والتي لم تتوقف عن الدعوة لإزالة المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم، وتعتبر جمعية "عطيراتكوهانيم" إحدى أبرز الجمعيات في هذا المضمار.
باحثون فلسطينيون في شؤون القدس أكدوا أن المشاريع التهويدية مستمرة ومنها مشروع "مدينة داوود" الاستيطاني السياحي في حي وادي حلوة جنوبي المسجد الأقصى المبارك لجذب حوالي مليون سائح أجنبي و"إسرائيلي" سنويا، إضافة لمشروع "الجسر الهوائي" الاستيطاني بطول 240م وارتفاع 30 م، والذي يبدأ من حي الثوري مرورا بوادي الربابة وصولا لمنطقة وقف آل الدجاني جنوب غرب الأقصى، ومشروع "نفق مسيرة الحجاج" بغية ربط عين الماء في بلدة سلوان بمنطقة حائط البراق عبر نفق يُشيّد حاليا أسفل منازل المقدسيين في حي وادي حلوة بالبلدة.
كما شهد العام 2021 حربا إسرائيلية على المقابر الإسلامية بهدف الاستيلاء عليها لصالح مشروع الحديقة التوراتية التهويدي، فلم يسلم الموتى في قبورهم من جرائم الاحتلال، كمقبرة اليوسفية ومأمن الله وباب الرحمة والتي لحق بها التدمير والتخريب لصالح مشروع 2020 الاستيطاني.
وتبلغ مساحة مقابر باب الرحمة واليوسفية و المجاهدين مجتمعة 700 ألف م2، تخدم نحو 370 ألف مقدسي، وفي المقابل تبلغ مساحة مقبرة يهودية واحد إلى ثلاثة أضعاف المقبرة الإسلامية، وهو ما دفع بعشرات المقدسيين لدفن موتاهم في قبور عشوائية كدفن الجثامين فوق بعضها إذا مرت 8 سنوات على الدفن السابق.
مواجهة مخرز الاحتلال في الضفة الغربية
وتخلل العام 2021 عودة لأشكال مختلفة من المقاومة الشعبية الفلسطينية في مناطق الضفة الغربية كسرت حالة الجمود التي فرضها التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، فتكررت عمليات الاشتباك المسلح مع جنود الاحتلال، وعمليات الطعن، لا سيما في النصف الثاني من هذا العام.
ففي مخيم جنين شمال الضفة الغربية تم الإعلان عن تشكيل الغرفة المشتركة للمقاومة من كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى، أعقبه عشرات الاشتباكات المسلحة مع الاحتلال، انتقلت بعدها إلى مناطق لا سيما طوباس ونابلس.
حاولت سلطات الاحتلال مواجهة تلك المقاومة من خلال إطلاق حملات اغتيال طالت ثلاثة من كوادر القسام في منطقة بدو قرب القدس بالتزامن مع عملية عسكرية في برقين بجنين، كما اغتالت 4 من كوادر المقاومة في مخيم جنين من السرايا والقسام وشهداء الأقصى، في اشتباك مسلح عنيف في منتصف آب/ أغسطس (16-8-2021) وكانت تلك رسالة من الاحتلال بأنه سيستخدم القبضة الحديدية لكبح المقاومة؛ ولكن مقاومة الاقتحام الذي تلاه كان الأشد، في رسالة من المقاومين بأنه لا يمكن اقتلاعهم.
مقاومة في قلب القدس
اعتبرت عملية لقيادي من حركة حماس الشهيد فادي أبو اشخيدم أبرز عمليات إطلاق النار بالقدس خلال هذا العام 2021، بعد أن أوقع أبو اشخيدم قتيلين من جنود الاحتلال، وأصاب آخرين في 21 تشرين ثاني/ نوفمبر وأثارت العملية صدى واسعا لإيلامها الاحتلال.
وفي 16 أيار/ مايو أصيب 6 من شرطة الاحتلال في عملية دهس على مدخل حي الشيخ جراح، تبعتها عملية طعن أصابت 2 من شرطة الاحتلال في ذات المنطقة في 24 من الشهر ذاته.
وفي 13 أيلول/سبتمبر أصيب اثنان من شرطة الاحتلال بعملية طعن في محطة للحافلات بالقدس، كما أصيب جنديان في عملية طعن قرب إحدى المدارس الدينية بالبلدة القديمة في القدس المحتلة بتاريخ 17 تشرين ثاني/ وفي 4 من كانون أول/ ديسمبر الجاري تم طعن أحد جنود الاحتلال في باب العامود.
ولم تكن باقي مناطق الضفة بمنأى عن المقاومة الشعبية ففي 2 أيار/ مايو أصيب 3 جنود للاحتلال في عملية إطلاق نار استهدفت مستوطنة إيتمار قرب نابلس، وفي 18 من الشهر نفسه أصيب جنديان بإطلاق نار على مدخل البيرة، وفي 6 من كانون أول/ديسمبر أصيب جندي بعملية دهس على حاجز جبارة العسكري قرب طولكرم، عدا عن محاولات طعن ودهس على مفارق عتصيون وزعترة وقلنديا وغيرها.
وخلال هذا العام مثَّل جبل صبيح في منطقة بيتا جنوب نابلس حالة فريدة في المقاومة الشعبية التي أربكت سلطات الاحتلال، فقدمت بيتا 9 شهداء ولا تزال عمليات الإرباك الليلي متواصلة على سفح جبل صبيح ضد عربدة المستوطنين.
الأسرى يواجهون سجانهم ونفق الحرية علامة فارقة
أعادت عملية تحرير 6 أسرى فلسطينيين أنفسهم من سجن جلبوع "الإسرائيلي" شديد التحصين في 6 أيلول /سبتمبر 2021 ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال إلى الواجهة من جديد بالتزامن مع تصعيد وتنكيل إسرائيلي غير مسبوق بحقهم.
ورأى مختصون أن عملية نفق الحرية أو "الهروب الكبير" كما أطلق عليها، تشكل أبرز أحداث 2021 على مستوى القضية الفلسطينية بشكل عام وقضية الأسرى بشكل خاص.
وقال الأسرى في شهاداتهم إنهم عاشوا أجمل أيام عمرهم، حيث قدر لهم الله أن يناموا في سهول فلسطين وأن يتذوقوا ثمارا لم يتذوقوها منذ أكثر من 20 عاما كالصبر والتين.
بعد العملية أعلن عن اعتقال العقل المدبر للعملية محمود العارضة، ورفيقه يعقوب قادري في 10 أيلول/سبتمبر قرب الناصرة، بينما اعتقل محمد العارضة، وزكريا الزبيدي، بتاريخ 11 من الشهر ذاته، وبعد ثمانية أيام أعلنت سلطات الاحتلال اعتقال كممجي ونفيعات خلال كمين ومداهمة نفذت في مدينة جنين.
ومنذ إعادة اعتقال الأسرى الستة نكّلت سلطات الاحتلال ومصلحة السجون الإسرائيلية بهم، وأخضعتهم للتحقيق، وعزلتهم في زنازين انفرادية.
وقالت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، إن "أي عملية تبادل للأسرى مع الاحتلال سيكون الأسرى الستة على رأس قائمة المفرج عنهم".
وشهدت سجون الاحتلال، تصعيدا خطيرا، وهجمة على الأسرى الفلسطينيين، كما اتخذ بحقهم إجراءات قمعية، كاقتحام السجون، وتشديدات على عمليات الفورة الاستراحة ومراقبة مشددة الأسرى.
كما خاض خلال العام عدد من الأسرى الفلسطينيين معركة مع الاحتلال بأمعائهم الخاوية مضربين الطعام رفضا لاعتقالهم الإداري التعسفي وغير القانوني، ووصلت مدة إضراب عدد منهم ما يزيد على 125 يوما على الرغم من المخاطر التي كانت تهدد حياتهم، حيث لا يزال الأسير هشام أبو هواش مضربا منذ 130 يوما على التوالي وسط تحذيرات ومخاوف من فقدان حياته ووسط كل تلك المعاناة، تمكن بعض الأسرى من انتزاع حريتهم.
وبحسب نادي نادي الأسير الفلسطيني، يقبع في سجون الاحتلال 4550 فلسطينيا، بينهم 32 أسيرة، ونحو 170 قاصرا، ونحو 500 معتقل إداري، و550 معتقلا مريضا، ومن بين المعتقلين 25 معتقلا منذ ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993.
ولفت نادي الأسير إلى أن سلطات الاحتلال تحرم الأسرى من الرعاية الطبية الحقيقية، الأمر الذي أسفر عن استشهاد 72 أسيرا فلسطينيا منذ العام 1967.
كما أضاف أن عدد المرضى في السجون والمعتقلات يتزايد، وأن إدارات السجون الإسرائيلية تخضع علاجهم ورعايتهم الصحية للمساومة والابتزاز بهدف الضّغط على الأسرى.
لا جديد على صعيد المصالحة الفلسطينية
وخلال العام 2021 أجريت عدة لقاءات في العاصمة المصرية القاهرة بين عدد من الشخصيات الفصائلية الفلسطينية ومسؤولين مصريين في سبيل تحقيق تقدم في ملف المصالحة الفلسطينية الفلسطينية دون تحقيق أي تقدم يذكر، وسط مخاوف من أن يؤدي استمرار الانقسام إلى حدوث حالة انفصال تام بين الضفة الغربية وغزة.
ومؤخرا نقلت مصادر إعلامية عن مصدر مقرب من حماس، قوله: إن الأخيرة بعثت رسالة للمخابرات المصرية تحتوي رؤية الحركة لإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام.
وتمثلت بنود الرؤية:
- إعادة تشكيل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث تشمل القوى والفصائل والشخصيات الوطنية من خلال الانتخابات، ولمدة انتقالية محددة، لتهيئة الأجواء للانتخابات العامة.
- الاتفاق على برنامج سياسي وطني، يتوافق عليه الجميع، والتوافق على طرق العمل الوطني والميداني والسياسي.
ووضعت الحركة في رؤيتها آليتين للتنفيذ:
- تبدأ الأولى من نقطة انتهاء جولة المصالحة الأخيرة، واستكمال الانتخابات المُتّفق عليها بمراحلها الثلاث الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، على أن تتم في القدس أولا.
- أما الآلية الثانية فتشمل عقد اجتماع وطني في القاهرة استنادا إلى اتفاق 2011 للتوصل على خطة وخارطة طريق لإنجاز المصالحة وكافة الملفات العالقة.
وكان مقررا إجراء الانتخابات الفلسطينية على ثلاث مراحل خلال العام 2021: تشريعية (برلمانية) في 22 أيار، ورئاسية في 31 من تموز، وانتخابات المجلس الوطني في 31 آب.
وتشهد الساحة الفلسطينية انقساما منذ يونيو/ حزيران 2007، بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، بينما تدير حركة فتح الضفة الغربية.
غزة حصار متواصل يصعب معه العيش
لم يكن العام 2021 مختلفا عن سابقيه، حيث تستمر معاناة الغزيين بسبب الحصار المفروض عليهم منذ ما يقرب من 16 عاما على التوالي، ما يضع الغزيين أمام حالة إنسانية خطيرة وعلى كل المستويات، تزامنا مع تحذيرات دولية بنذير كارثة على الصعيد الإنساني وسط مماطلة إسرائيلية في رفع الحصار والتخفيف من معاناة سكان القطاع، والمضي قدما في إعمار ما دمره العدوان الأخير على غزة، بالإضافة إلى ما فرضته جائحة كورونا من تداعيات خطيرة زادت من صعوبة الحياة وذلك وسط معاناة يشهدها القطاع الصحي بسبب عدم توفر الأدوية اللازمة لعلاج كثير من الأمراض وتهالك البنية الصحية الفلسطينية بسبب الحصار.
ووسط الأحداث الكثيرة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة وما نتج عنها من تداعيات، ها هو العام 2021 يطوي آخر صفحاته والعين ترقب بحذر شديد ما سيخلفه من آثار على عام جديد مرتقب.