واصل مجلس النواب أمس، ولليوم الثاني على التوالي، مناقشة البيان الوزاري لحكومة جعفر حسان، والتي طلبت الثقة على أساسه، وذلك من خلال جلسات عقدت
قانون حقوق الطفل الأردني..كيف تم نقاش القانون؟
على الرغم من أن مشروع قانون حقوق الطفل كان السابع على قائمة أعمال النواب في دورته الاستثنائية الأولى من هذا العام، إلا أنه أخذ صفة الاستعجال من المجلس وحاز على أكبر جدل اجتماعي وسياسي ونيابي من بين مشاريع القوانين التي نوقشت لعام 2022.
القانون تم إقراره في التاسع عشر من أيلول 2022، إلا أنه وقبل إقراره أو مناقشته أو إحالته للجان المختصة؛ أثار حفيظة كثير من النواب والناس على وسائل التواصل الاجتماعي. فما هي أوجه الاعتراضات؟ ولماذا صوت المجلس نهاية لإقرار القانون؟
نقاش حول قانون حقوق الطفل أم اتهامات؟
حملت النسخة التي عرضها ديوان التشريع والرأي عام 2020 والتي جرى عليها النقاش مصطلحات وعبارات اعتبرها كثير من الناس "مقلقة" لأنها تمس بدور الوالدين في التربية وتعطله، مثل: "عدم التدخل بمراسلات الطفل الخاصة" و" تقديم المساعدة القانونية دون قيد" و"ألا تشكل صفة الوالدين عذرا لارتكاب أي من الأفعال الواردة في القانون" و"الجهات المختصة" و"الحق في طلب المعلومات". إلا أن النقاش على منصات التواصل الاجتماعي وفي مجلس النواب لم يكن مثمرا في بداية طرح الحكومة لمشروع القانون. حيث علت الاتهامات بين من يريد إقرار القانون ولو بمادة واحدة واتهام من يعارضه بالموافقة على العنف، وبين من يرى فيه تهديدا للقيم والثوابت الأسرية في الأردن واتهام من يؤيده بتحقيق مطالب التمويل الخارجي.
النواب صالح العرموطي وينال فريحات وسليمان أبو يحيى كانوا أبرز من قدم اعتراضهم على كثير من المواد خلال مناقشة النواب مشروع القانون، كما شارك النائب فريحات بثا عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك يقول فيه أن هناك محاولات لاستهداف حصن الأسرة، مشيرا إلى بعض ما أسماها بالمصطلحات "المخفية" في مشروع القانون والتي تنزع دور الأسرة في تربية الأطفال وتضع الطفل في علاقة مباشرة مع الدولة.
اللافت أن النائبان العرموطي وفريحات بدلا موقفهما من القانون بعد جلسات اللجان الخاصة بتجويده وتعديله. حيث صرح العرموطي لاحقا أن نقاش اللجان نزع فتيل الفتنة وأن النقاش أجرى تعديلات جعلته يتوافق مع العادات والتقاليد المجتعمية وينسجم مع التشاريعات والقوانين الأردنية.
في المقابل اعتبر حقوقيون ومدافعون عن حقوق الإنسان وعاملون في منظمات مجتمع مدني أن الأردن متأخر في إقرار قانون يحمي الطفل، وادعوا أن ما ينقص حقوق الأطفال في الأردن هو قانون يحميهم بشكل مباشر من كل أشكال العنف. كما اعتبر المجلس الوطني لشؤون الأسرة هذا القانون بفحواه ملزم لكل من يقدم خدماته للأطفال بتوفير أفضل سبل السلامة والرعاية للطفل ولا يهدف لتدخل أي جهة في علاقة الطفل بأسرته.
ولحسم الجدل الاجتماعي والنيابي بين الذي لم ير في المشروع إلا تهميشا لدور الأسرة وخلق نزاعات بين الطفل وأسرته، وبين من صمم على إقراره بدعوى ضرورة حماية الطفولة ، أحيل المشروع بالإجماع إلى اللجان المختصة في مجلس النواب (المرأة والقانونية ) لمناقشته بشكل موسع وبحضور دائرة قاضي القضاة والمجلس الوطني لشؤون الأسرة.
في نهاية المناقشات الموسعة والتي عرجت على جميع مواد مشروع القانون لتنقيحها وتجويدها، تم التعديل على مواد المشروع وتقليصها من 62 مادة إلى 33 مادة، وأوكلت مهمة متابعة إنفاذ القانون وكتابة التقارير والنشرات حول أداء الجهات المسؤولة إلى المجلس الوطني لشؤون الأسرة.
أبرز التعديلات على مشروع القانون
مشروع القانون الذي قدمته الحكومة لم يكن ذا صياغة قانونية سليمة بحسب قانونيين، وتعارضت بعض نصوصه مع قوانين أخرى. فما هي أبرز التعديلات التي جاءت على مشروع القانون؟ وهل أنهت الجدل القائم حوله؟
تعريف الطفل
جاء تعريف الطفل في بداية مشروع القانون أنه كل من هو دون الـ 18 عاما. تعريف اعترضت عليه دائرة قاضي القضاة مبينة أنه يتعارض مع قانون الأحوال المدنية والشخصية الذي عرف وميز الفئات العمرية لمن هم دون 18 عاما؛ الذي أجاز لمن هم دون 18 عاما وفوق 15 عاما بالزواج، وحملهم مسؤولية إنشاء أسرة. إلا أن منظمات حقوقية تعتبر وتسمي من تزوج دون الـ 18 بالقصر أو الأطفال، مما لا يستقيم والحالة الاجتماعية والتنشئة الثقافية التي لا يعتبرون داخلها أطفالا، وعليه ميز قانون الأحوال المدنية والشخصية الفئات العمرية.
لذا جرى تعديل المادة الأولى من القانون من التعريف السابق إلى: المادة (2) الفقرة (أ) : "مع مراعاة أحكام قانون الاحوال الشخصية والقانون المدني وأي أحكام خاصة وردت في التشريعات النافذة يقصد بكلمة (الطفل) كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره".
الجهات المختصة
أما الوجه الآخر من الاعتراضات فحملته عبارة "الجهات المختصة" والتي أثارت حفيظة كثير من النواب والقانونيين على حد سواء. فجاء في كثير من مواد مشروع القانون مسؤولية الجهات المختصة وصلاحيتها في العمل مع الوزارات والمؤسسات الوطنية المعنية بتوفير الخدمات للطفل.
النائب صفاء المومني اعتبرت أن مصطلح الجهات المختصة "مخيف"، واعتبر نواب آخرون أن هذا المصطلح ما هو إلا فتح باب للمنظمات الممولة من الخارج لتمرير أجنداتها وقيمها الغريبة على المجتمع الأردني من خلال العمل مع المؤسسات الوطنية والوزارات.
المحامي والقانوني عمر الطويل نوه أيضا إلى حساسية استخدام مصطلح "الجهات المختصة". فحسب الطويل إن أي جمعية تسجل ويتم قبول نظامها الداخلي فإنها تصبح ضمن التشريعات النافذة بغض النظر إن كانت ذات تمويل خارجي أم لا، بلا شروط أو قيود و هي تتضمن الجمعيات والشركات الخاصة أيضا. وهكذا فإن أي جهة تقدم خدماتها للأطفال وتسجل ضمن القانون يصبح لها صلاحيات للوصول إلى الجهات الرسمية كالتعليم والصحة ومخاطبتها بشكل قانوني.
وأشار الطويل في حديثه إلى حسنى إلى أن مصطلح الجهات المختصة ورد ما يزيد عن 11 مرة في مشروع القانون وأعطاها صلاحيات غير معقولة. كما نوه إلى خطورة تدخل الجهات المختصة وإعطائها الصلاحية في حذف أو إتلاف مواد قد تعتبر في حالات التقاضي أدلة جرمية. إلا أن القانون وبعد إقراره لم يعالج هذه المشكلة.
و على الرغم من كل المخاوف حول ما سيؤول إليه، بقي مصطلح "الجهات المختصة" في معظم مواد القانون وتم إقراره.
قيم المجتمع ودينه
لإنهاء الجدل حول اعتبار القانون هادما لقيم المجتمع وثوابته تمت إضافة مادة تؤكد عدم تعارضه مع النظام العام والقيم الدينية. حيث جاء في المادة (4): "للطفل الحق في التمتع بجميع الحقوق المقررة في هذا القانون وبما لا يتعارض مع النظام العام والقيم الدينية والاجتماعية وأي تشريعات أخرى ذات علاقة وبما يكفل تمكين الأسرة من المحافظة على كيانها الشرعي كأساس لمجتمع قوامه الدين والأخلاق وحب الوطن."
إضافة إلى ذلك، كررت وزيرة الدولة للشؤون القانونية في حينه، الدكتورة وفاء بني مصطفى، تصريحها في أكثر من مرة في مجلس النواب وفي الجلسات الدائرة حول القانون وللصحافة، بأن الأردن أساسا تحفظ على بندين من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل متعلقتان بتغيير الدين والجنس، وفي هذا حسب قولها، طمأنة للناس بأن القانون الذي تنوي الحكومة تمريره لا يستهدف دين وقيم الأسرة والمجتمع الأردني.
حق طلب المعلومات
في النسخة الأولى من مشروع القانون الذي قدمته الحكومة احتوت الفقرة (ب) من المادة (6) على" للطفل الحق في طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار والحصول عليها، شفاهة، أو بالكتابة أو الطباعة، أو الفن، أو بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل، على ألا يمس ذلك بحقوق الغير أو سمعته أو بالأمن الوطني أو النظام العام، أو بالصحة العامة أو الآداب العامة".
استدل كثير من المعترضين على سن هذا القانون بهذه المادة في حديثهم عن استهداف الأسرة. حيث بينوا تخوفهم من أنها تشجيع على الإنحلال الأخلاقي وتقييد لحق الأسرة في ضبط مصادر المعلومات التي يحصل عليها أبناؤها، إلا أن مدافعين عن القانون رأوا في هذا التخوف "مبالغة".
تم التصويت نهاية على حذف هذه الفقرة، وإضافة الفقرة (ب) من المادة (8): "تلتزم الجهات المختصة وفقا للتشريعات النافذة بتبني السياسات واتخاذ كافة الإجراءات التي تحول دون تعرض الطفل أو وصوله إلى أي محتوى ينطوي على الإباحية أو الإساءة أو الاستغلال ولها في سبيل ذلك حجب أو إيقاف أو مصادرة أو إتلاف المنشورات أو الكتب أو التسجيلات أو الصور أو الأفلام أو المراسلات أو التسجيلات أو غيرها من الوسائل ومنع تداولها".
المساعدة القانونية دون قيد
جاء في مشروع القانون في المادة (24) الفقرة (جـ): "يتاح للطفل الاتصال مع مقدمي خدمات المساعدة القانونية دون أي قيد". حيث أن عبارة "دون قيد" كانت مثار اعتراض خلال اجتماعات اللجان النيابية المختصة. وحسب نواب وقانونيين فإن هذه العبارة تحتمل تأويل أن يكون للطفل الحق في الشكوى عن والديه في أي قضية ودون أي قيد. منوهين إلى أن قانون الحماية من العنف الأسري أتاح للطفل الاتصال بالمركز وتقديم شكوى ضد حالات التعنيف.
حقوقيون لفتوا النظر إلى مسألتين متعلقتين بالمساعدة القانونية، إلا أن التعديلات لم تأخذ بهما؛ المسألة الأولى مجانية المساعدة القانونية والثانية أن تكون ملزمة بنص القانون. فعلى الرغم من أن قانون الأحداث نص على "عدم جواز التحقيق مع الحدث إلا بحضور وليه أو وصيه أو الشخص المسلم إليه أو محاميه" .. إلى آخر المادة (15)، فهو لم ينص على إلزامية وجود محامي للحدث ولا يلزم بتوفير المساعدة القانونية بشكل مجاني.
وعلى الرغم من قصور التشريع حسب حقوقيين عن توفير مساعدة قانونية إلزامية ومجانية، إلا أن مشروع القانون والمعدل للقانون لم يتطرقا لهذه المعضلة. فاستقر النواب على حذف عبارة "دون أي قيد" من قانون حقوق الطفل، والاكتفاء بإقرار وتعديل الفقرتين (أ) و (ب) من المادة (24): لتصبح:
أ- للطفل الحق في المساعدة القانونية وفق أحكام التشريعات النافذة.
ب- تشمل المساعدة القانونية الاستشارة القانونية والتمثيل القانوني ا
أمام المراكز الأمنية ودوائر النيابة العامة والمحاكم بما فيها قاضي تنفيذ الحكم.
وفي حديثه إلى حسنى، بين المحامي والقانوني عمر الطويل أبرز المشاكل المتعلقة بصياغة مشروع القانون من مصطلحات مثل: تعريف الطفل، الجهات المختصة، الرعاية البديلة، المصلحة الفضلى، وغيرها.
النواب لم يروا في التدخين ضررا على الأطفال
على الرغم من أن النقاش الدائر غلبه النظر إلى مصلحة و حقوق الطفل في كل التعليمات والتشريعات، إلا أن مجلس النواب لم ير في التدخين أو شرب الكحول بحضور الأطفال ضررا عليهم. حيث قرر المجلس شطب الفقرتين (ب) و (ج) من المادة (20) من مشروع القانون، التي تنص على "يُعد التدخين وتناول المسكِرات بحضور الطفل اعتداء على صحته وسلامته البدنية، ولا تشكل صفة الوالدين أو الشخص الموكل برعاية الطفل عذرا لارتكاب هذا الفعل".
هل انتصر قانون حقوق الطفل للطفولة والطفل؟
على الرغم من اعتبارهم أن تشريع قانون خاص بالطفل هو خطوة على الطريق الصحيح، إلا أن منظمات مجتمع مدني ومدافعين عن حقوق الطفل والإنسان وعاملين في هذا المجال لم يعتبروا إقرار قانون حقوق الطفل انتصارا للطفولة والحقوق. بل أنه راح ضحية تفاهمات سياسية لم تنعكس بالإيجاب على ما يحتاجه الطفل من حماية، وما تحتاجه التشريعات والقوانين من تجويد وتعديل تلزم الدولة بتأهيل مؤسساتها وتشريعاتها لتقديم الحماية والخدمات اللازمة للأطفال.
مشروع القانون الذي جاءت به حكومة بشر الخصاونة كانت قد طرحت فكرته عام 2015. و بحسب ما يدعي حقوقيون ومدافعون عنه، فإن الأردن بتوقيعه على اتفاقية حقوق الطفل للأمم المتحدة عام 1994 أصبح ملزما بسن تشريعات وقوانين تتوافق مع الاتفاقية. إضافة إلى ذلك، يقول الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة محمد مقدادي أن استحداث قانون خاص بالطفل يحمل الحكومة والجهات المعنية والمكلفة بتقديم الرعاية للأطفال مسؤولية كاملة ويحاسبهم عليها.
إلا أن مختصين قانونيين رأوا في إقرار قانون جديد خاص بالطفل ترفا تشريعيا. حيث أن قانون الحماية من العنف الأسري، وقانون الأحوال الشخصية، وقانون الأحداث، وقوانين أخرى أشارت إلى حقوق الطفل ضمن منظومة الأسرة كاملة، وراعت مصالحه ومصلحة العائلة، وإن تعديل النصوص وتجويدها بما يخدم الطفل كان يكفي ضمن هذه القوانين. فالإشكال حسب قولهم يكمن في التعليمات والثقافة المجتمعية التي تعطل من حماية الأطفال. لافتين إلى ضرورة فهم الإصرار على سن قانون خاص بالطفل ضمن سياقاته السياسية والعالمية والاقتصادية.
فهل سيتمكن قانون حقوق الطفل في الأردن من فعل ما لم تستطع كل القوانين والتعليمات فعله في حماية جميع أطفال الأردن وتحقيق حياة كريمة لهم؟