عام 2023: صرخة الإنذار لتغير المناخ الكارثي

الصورة
فيضانات ناجمة عن إعصار دانيال الذي ضرب الساحل الليبي 12/9/2023 | المصدر: أسوشيتد برس
فيضانات ناجمة عن إعصار دانيال الذي ضرب الساحل الليبي 12/9/2023 | المصدر: أسوشيتد برس
المصدر
آخر تحديث

شهدت سنة 2023، استمرارا لمظاهر التغير المناخي إلا أن الأمور اتخذت منحى أكثر سخونة وتسارعا، حيث سُجلت أرقام قياسية جديدة تخطت توقعات العديدين. بدأ العام بموجة من الكوارث الطبيعية التي أسفرت عن آلاف النازحين وفقدان العديد من الأرواح. 

رغم اتخاذ العديد من الإجراءات ونشر الدراسات والتحليلات للتوعية بتلك المسألة والحد من مخاطرها على البيئة، إلا أن كل الجهود المبذولة حتى الآن تبدو غير كافية أمام "تغير هائل وكلي وسريع للمناخ"، ووفقا لجيل رامستاين، الباحث في شؤون المناخ فإن العنوان الجديد يعكس حجم التحديات التي نواجهها، ويدفعنا للنظر بعمق إلى الضرورة الملحة لاتخاذ إجراءات جادة وفورية للحفاظ على استدامة كوكبنا.

تحذيرات عالمية: التغير المناخي يطيح بالأرقام القياسية ويفتح بابا لعصر الغليان 

في محاولة لاحتواء الأضرار الناجمة عن انبعاثات غازات الدفيئة، اتخذت الدول الغنية، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة، إجراءات سياسية وقانونية ومبادرات للحد منها. ورغم ذلك، تظل التحديات والمسؤوليات في مواجهة تغير المناخ هائلة ومرهقة. 

وأعلن مرصد كوبرنيكوس الأوروبي أن شهر تموز الماضي شهد أعلى درجات حرارة على الإطلاق، مشيرا إلى أن تغير المناخ وظاهرة "إل نينيو" عادت تؤدي إلى حوادث مناخية متقلبة وسريعة، مثل الفيضانات وموجات الحر الشديدة. وأكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الأسبوع الأول من تموز سجل أعلى درجات حرارة في تاريخها. 

في إشارة إلى تأثير تغير المناخ على المحيطات، أفاد المرصد الأوروبي بأن حرارة سطح المحيطات العالمية حطمت رقما قياسيا جديدا، ووصلت إلى 20.96 درجة مئوية. وحذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة بين 2023 و2027. 

تظهر الصين والولايات المتحدة على رأس قائمة الدول المسببة للانبعاثات الملوثة، حيث تسهمان بنحو 40% من إجمالي التلوث الكربوني. وفي سياق أوروبي، تتصدر ألمانيا القائمة بأعلى مستوى من الانبعاثات الكربونية، نتيجة لاعتمادها الكبير على الفحم وقرارها بإغلاق مفاعلاتها النووية.

كوارث متلاحقة: أعاصير وفيضانات وحرائق تجتاح العالم

بدأت ولاية كاليفورنيا الأمريكية العام 2023 بموجة غزيرة من الأمطار والثلوج، حيث أسفرت عن وفاة 19 شخصا بسبب السيول والانهيارات الطينية. وفي ولاية ميسيسبي، تسببت الزوابع بتدمير منازل وفقدان 25 شخصا، مع أضرار في آذار. كما شهدت ولاية نيويورك أمطارا غزيرة في تموز، تسببت بفيضانات هددت الحياة وحولت الطرق إلى ممرات مائية، أسفرت عن مقتل شخصين وحرمان مئات الآلاف من الكهرباء. 

كما أن جزيرة ماوي في هاواي شهدت أكثر من 1000 حالة وفاة وفقدان بسبب حرائق الغابات، في أسوأ حادث منذ أكثر من قرن. وفي الصين، سُجلت أيام حارة قياسية في حزيران، مع إجلاء 40 ألف شخص بسبب الفيضانات في تموز. بينما ضرب إعصار "هايكوي" سواحل تايوان، مما أدى إلى إجلاء الآلاف في أيلول. 

كندا لم تكن استثناء، حيث شهدت موجات حر غير مسبوقة أدت إلى حرائق واسعة في شرقها وشمالها، مما أجبر السلطات على إجلاء نحو 30 ألف شخص. كما أن البرازيل وتونس واليمن وليبيا والجزائر وأستراليا والعديد من الدول الأخرى شهدت أحداثا طبيعية مدمرة تعكس تأثيرات التغير المناخي على مستوى عالمي.

اقرأ المزيد.. إعصار دانيال الذي ضرب سواحل ليبيا يرسل غباره إلى الأردن

ذوبان أنهار جليدية وغرق وانتشار أوبئة

وخلال العام 2023 ازدادت مخاطر سقوط الصخور وذوبان الأنهار الجليدية، التي يعد أكثر من أربعة آلاف منها معرضا للزوال في جبال الألب، كما تقلصت كميات الثلوج على بعض قممها. أما الاحتباس الحراري فقد شكل تهديدا على سفوح جبال الهيمالايا من ذوبان متسارع للثلوج وانهيارات أرضية وانقراض للأنهار الجليدية، وما يتبع ذلك من تأثيرات على شمال الهند بشكل خاص. وهو ما امتد إلى مرتفعات أخرى أيضا مثل القرى الجبلية في البيرو التي يهددها ذوبان الأنهار الجليدية. 

فضلا عن تهديد ارتفاع مستوى مياه المحيطات بغرق جزر المالديف المكونة من أرخبيل استوائي، فإن 80% من جزره البالغة 1200 جزيرة لا يتجاوز ارتفاعها عن مستوى سطح البحر مترا واحدا. وسط مخاوف من أن تغمرها المياه بالكامل بحلول العام 2100. 

عدا عن خطر انتشار الأوبئة، فقد ارتفعت حالات الملاريا في مالاوي وباكستان، وانتشرت بعوضة النمر ذات اللون الأبيض والأسود في فرنسا وبلدان أخرى، ويعرف عنها نقلها لثلاثة أمراض رئيسية: حمى الضنك وداء الشيكونغونيا وأيضا فيروس زيكا.

قمة المناخ 28: اتفاق تاريخي للتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري وتحديات تواجهها الدول النفطية

تصدرت قمة المناخ 28 العناوين بعد أن اختتمت في الإمارات، حيث شهدت جدلا واسعا حول التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري. دول نفطية عربية، بقيادة السعودية والكويت والعراق، عارضت هذا القرار، لكن المؤتمر اتفق في النهاية على تحول تاريخي نحو التخلي عن الوقود الأحفوري في العقد الحالي. ورغم التوقيع على الاتفاق، فإن هناك مطالب للتحدث بشكل أوضح عن "الاستغناء" عن النفط والغاز، خاصة من قبل أكثر من 100 دولة طالبت بالتصديق على هذا الالتزام. 

في قمة "الغابة الواحدة" في ليبرفيل، ناقش الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبل الغابات الاستوائية في العالم، وتطبيق أهداف اتفاق باريس للمناخ. وأظهرت قمة نيروبي للطاقة المتجددة في أفريقيا التزام القارة بزيادة الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة. كما استضافت فرنسا قمة لبحث التغيرات المناخية في القطبين الشمالي والجنوبي. 

البرازيل أيضا تبرز في المشهد البيئي، حيث قام الرئيس لولا دا سيلفا بإعادة تفعيل شرطة البيئة لحماية الأمازون، وأطلقت غانا مبادرات للحد من تصحر الغابات وزراعة المزيد من الأشجار. أما في تونس فقد أطلقت مجموعة سوليغرين حملة لحماية الغابات المهددة، بينما فرضت الحكومة تقييدات على استهلاك المياه لمواجهة أزمة الجفاف. 

بوتان تصبح قدوة للعالم بتحقيقها للحياد الكربوني بحلول 2050، وبنغلادش تظهر كفاءتها في التعامل مع الفيضانات الناجمة عن تغير المناخ. وفي ألمانيا مصنع للطوب يستخدم قشور حبوب الكاكاو لإنتاج "الفحم الحيوي"، فيما تسعى الأمم المتحدة إلى العدالة المناخية من خلال التوجه إلى محكمة العدل الدولية. 

وختم البرلمان الأوروبي بقانون يحظر بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل بحلول عام 2035، لدعم الخطة الأوروبية الطموحة لتحقيق "الحياد".

اقرأ المزيد.. العدوان الإسرائيلي على غزة يلقي بظلاله على قمة المناخ في دبي

ارتباط الكوارث الطبيعية بارتفاع درجات الحرارة وتحديات التغير المناخي المتنوعة

في عام 2023، أظهرت دراسات متعددة تأثير التغير المناخي على البيئة، ومن بينها دراسة أمريكية أكدت على ارتباط وثيق بين الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات ومتوسط درجات الحرارة العالمية. وفي تقرير للهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ، حذر الخبراء من ارتفاع مستوى الاحترار العالمي نتيجة للنشاط البشري، مشيرين إلى ضرورة التصدي لهذا الارتفاع الذي قد يصل إلى 1.5 درجة مئوية بحلول 2030-2035. 

وفي تقرير آخر، حذر مؤتمر الأمم المتحدة للمياه واليونسكو من "خطر وشيك" بسبب استهلاك المياه الجوفية المفرط، مع تزايد حرارة الأرض والتلوث، محذرين من تأثيرها على "استنزاف الحياة البشرية". وفي دراسة منشورة في "ذا لانسيت بلانيتاري هيلث"، تم التأكيد على أن تقليل ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يحمي مئات آلاف الأرواح في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

من ناحية أخرى، أظهرت شبكة "وورلد وذر أتريبيوشن" أن التغير المناخي يجعل موجات الحر أكثر شدة وتواترا، وكشفت دراسة علمية أن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يؤدي إلى حرمان المليارات من الأشخاص ذوي الدخل المحدود من الطعام. 

دراسة أخرى من معهد "بريكثرو إنستيتيوت" في كاليفورنيا أشارت إلى زيادة وتيرة "حرائق الغابات الشديدة" بنسبة 25% بسبب التغير المناخي. وكشفت دراسة أخرى عن تهديد لمدينتي ميامي ونيو أورليانز بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر. 

تُجمع هذه الدراسات على إبراز تأثير الإنسان على التغير المناخي، مع تحذيرات من تبعاته الوخيمة وتحدياته المستمرة.

فحص مستجدات تغير المناخ وتكهنات حول مستقبل الكوكب

مع مراقبة تطورات التغير المناخي، يبرز اشتداد حدة الكوارث الطبيعية، خاصة خلال أشهر الصيف، ويعزو الباحثون هذه الظاهرة إلى توزيع سكاني مركز في نصف الكرة الشمالي. يشار أيضا إلى تغيرات في الرياح الموسمية، مع التركيز على عدم التماثل بين النصفين من الكرة الأرضية. 

فيما يتعلق بالاحترار العالمي، يحذر الباحث جيل رامستاين من الزيادة المستمرة في درجات الحرارة، مشيرا إلى تسجيل أرقام قياسية ترتفع سنويا. ويرى أن التغيرات الكبيرة في المناخ هي الأكبر في فترة طويلة، وذلك استنادا إلى تقرير للمقررين يظهر تحديات تغير المناخ في مستقبل قريب. 

وبالنظر إلى فعالية الإجراءات المتخذة لمواجهة هذه التحديات، يرى رامستاين أن هناك نقصا في الجهود العالمية، مع استمرار عمليات قطع الأشجار وضعف السياسات العالمية. داعيا إلى تحمل المسؤولية من قِبَل الدول الغنية ودعم تطوير الطاقة المتجددة، مع التركيز على التضامن مع البلدان الفقيرة وتوفير التكنولوجيا بشكل مجاني.

كيف سيكون حال المناخ في 2024؟

في ظل تحديات تغير المناخ التي تتزايد يوما بعد يوم، نجد أنفسنا نتساءل: كيف ستكون أحوال المناخ خلال عام 2024؟ هل سنشهد مزيدا من التقدم في اتخاذ الإجراءات الفاعلة أم ستستمر التحديات في التزايد؟ 

قد يكون عام 2024 هو عام التحول، حيث تستمر الدول في تكثيف جهودها للتصدي لتغير المناخ وتحقيق أهداف الاستدامة. أم قد تشهد التطورات المناخية تصاعدا، مما يجعلنا نواجه مزيدا من التحديات البيئية. 

فعلى مدى الخمسين عاما الماضية، أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، التابعة للأمم المتحدة، عن حوالي 12 ألف حدث متطرف مرتبط بالطقس والمناخ والماء. هذه الكوارث أسفرت عن وفاة أكثر من مليوني شخص، حيث بلغت نسبة الوفيات أكثر من 90% في الدول النامية. أما الخسائر الاقتصادية فقد تجاوزت 4.3 تريليون دولار، وكان 60% منها في اقتصادات الدول النامية. 

في العقدين الماضيين، بلغت تكلفة الأضرار الناتجة عن أزمة التغير المناخي حوالي 16 مليون دولار لكل ساعة عند حدوث كارثة. هذا وفقا لدراسة نشرتها مجلة "نيتشر" في تشرين الأول الماضي. تقديرات ما بين عام 2000 و2019 تشير إلى أن متوسط التكلفة السنوية كان حوالي 140 مليار دولار، ولكنه ارتفع في عام 2022 إلى أكثر من 280 مليار دولار.

الدراسة تشير إلى أن 96% من مساحة الكوكب ستتعرض لإشكاليات التغير المناخي، مع تكلفة تتجاوز التوقعات السابقة. وتحذر من أن هذا يتطلب تحفيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات البيئية. وفي هذا السياق، يبقى السؤال الرئيسي: هل سيكون عام 2024 هو عام التحول الحقيقي نحو الاستدامة وحماية كوكبنا؟ أم سنظل نواجه تحديات لا تُحسب وتستدعي جهودا أكبر للتصدي لها؟

اقرأ المزيد.. أبرز أحداث العالم عام 2023.. لطف الله يتجلى والنصر قريب

الأكثر قراءة
00:00:00